خاصقضايا وآراء

عبد الستار رجب: حين يخسر الوطن مستقبلَه الديمقراطي نكون كلّنا خاسرون!!

نشر أستاذ علم الاجتماع في جامعة قرطاج عبد الستار رجب، بتاريخ 12 جوان 2020، مقال رأي بعنوان: “حين يخسر الوطن مستقبلَه الديمقراطي نكون كلّنا خاسرون” نال استحسان عديد النخب والجهات الاعلامية، لما تطرّق فيه من قضايا ساخنة تهم الشأن الوطني والسياسي.

وفيما يلي نص المقال: 

عاين الشعب بتاريخ 03. 06. 2020 في جلسة البرلمان كيف تحوّل مجال المفاوضة السياسي إلى ساحة احتراب كلامي وكيف أصيبت النخبة الحزبية والسياسية فيه بعدمية فضيعة انقطع بسببها كل احتمال للتواصل والتبادل الذي يجمعها على ما هو موجود وبيّن من الحد الأدنى الوطني المشترك. لقد بدا واضحا مدى هشاشة التعاقدات السياسية الكليّة والثانوية التي أقامها التونسيون بعد 2011 على الرغْم من قيمتها الدستورية والقانونية ودلالاتها التحديثية وإجراءاتها الاندماجية الاستيعابية. ولقد كشفت الجلسة عن عمق الكسور التي أصابت مجتمعنا السياسي وحدّة نتوءاتها. وفضحت في نفس الوقت حدود الفاعلين السياسيين المعرفية والأخلاقية والوسائلية، وعرّت حالة عجز هيكلية حالت ويبدو أنّها ستحول دون القدرة على إدارة تفاوض هو ممارسة أولية في عرف الديمقراطيات.

حوّلت هذه الطبقة الحزبية والسياسية ما كان يفترض به أن يكون خطوة باتجاه إدراة التنوع والتعدّد والاختلاف من أجل بناء المشترك ولو بأحرفه الأولى في المسألة الديبلوماسية وبرهاناتها الجيواستراتيجية المعقدة إلى لحظة عبثية غلبت عليها غرائزية سياسية ارتدّت عمّا استقرّ في الاجتماع السياسي التونسي من نضج وعقلانية وتحديث وتأنُّس ونكصت به إلى حالة تاريخية ما قبل تحديثية ومزاج نفساني مركب هو اشبه بذهان رهابي وإلى سلوك لفظي يغلب عليه التوحش والعنف والإلغاء.

لا يعنيني من كان بالأمس رابحا أو خاسرا فحين يخسر الوطن مستقبلَه الديمقراطي نكون كلّنا خاسرا؛ ما يعنيني أنّني كنت شاهدا على فشل الطبقة الحزبية والسياسية في أن تبلغ درجة الصفر من السياسة. ودرجة الصفر من السياسة وحين نستدعي رولان بارت ونستعير معجمه فإنّها تعني بالنسبة إلي ذلك التموقع في تلك الدرجة الرفيعة بالغة العلو التي يتخلص فيها السياسي من الاصطفاف الذي يمارسه وهو يفصل رهانات الوطن ومستقبل الأجيال عن منطوق رغبته الراهنة في التموقع الضيق الذي قد يوفر له ربحا ظرفيا لعنوانه الايديولوجي أو قبيله الاقليمي. لقد فشلت كل الطبقة الحزبية والسياسية بمجمل حاصل أدائها ونتيجته المادية والرمزية. وأخفقت في ان تبرهن على أهلية سياسية تجمعها على الأدنى من المشترك الوطني، وبدا جليا أنّها بلغت بذلك حالة اختناق سياسي أصبح يمثّل مخاطر جدية تهدّد ديمقراطيتنا الناشئة، وهي وإن استمرّت دون مراجعة أو إصلاح وتعديل ذاتي فإنّ سنة الاستبدال ستجري حتما عليها.

حين تجتمع المؤسسة التشريعية بدافع من رهانات ضيقة وقاتلة في سياق وطأة جائحة ألقت بتداعياتها الاجتماعية والاقتصادية الثقيلة وأرهقت الناس وبلغت من امرهم عسرا لتناقش مسألة هي ثانوية على اهميتها، وحين يتفق ذلك مع ما كان من أداء نوابها الذي نصفه في الحدّ الأقلّ بالأداء المغترب عن استحقاقات اللحظة وما تفرضه عليهم من مسؤولية سياسية وأخلاقية؛ فإنّ اجتماعها لا يمكن إلاّ أن يكون حلقة من حلقات استهداف مسار الانتقال الديمقراطي في بلادنا. إنّ ما حصل في تلك الجلسة يستدعي أولا تدارك تداعياته ووضعه بين قوسين. ويستوجب ثانيا التنبه واليقظة حتى لا يتكرّر ويقتضي ثالثا الاستعجال في ضبط الأجندة الاقتصادية والاجتماعية للبلاد واجتماع الكلمة على ملفاتها ومسالك تنزيلها والبناء على ما تحقّق من نجاح علمي وحكومي مقدّر في مواجهة جائحة كورونا. أقول هذا وأرشد إليه وإن كنت اعلم أنّ أعطاب الطبقة السياسية الهيكلية والرمزية ستلعب وظيفة مقاومة التغيير وسيستمرّ جزء من هذه الطبقة على تطبعه السياسي المعهود.

تعريف بالدكتور عبد الستار رجب:

أستاذ علم الاجتماع بجامعة قرطاج

رئيس قسم البحث بالمعهد الوطني للشغل والدراسات الاجتماعية

رئيس تحرير المجلة التونسية لعلوم الشغل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى