أخبارتونس

حزب العمّال يرفض تصفية الحسابات ويؤكّد أنّ المحاسبة تنجُزها دولة قانون ديمقراطيّة وعادلة

ارتأت اللجنة المركزية لحزب العمال أن تقدّم إلى الرّأي العام موقفا تحليليّا متكاملا للأحداث الأخيرة في بلادنا ولا تكتفي بمجرّد بلاغ أو بيان مقتضب.

إنّ الوضع على درجة من التّعقيد وهو يتطلّب الوقوف عند مختلف ملابساته اجتنابا لأيّ خلط خاصة في هذه الظروف التي قلّ فيها التّفكير العقلاني وساد فيها التّبسيط والغوغائيّة والانتهازيّة.

أوقفت قوّات الأمن ليلة الاثنين 17 أفريل 2023 رئيس “حركة النّهضة”.

وحسب التصريحات الرسميّة فإنّ هذا الإيقاف جاء إثر “تصريحات تحريضيّة” يُقصد بها ما ورد على لسان المعني في لقاء انتظم بمناسبة مرور سنة على تكوين “جبهة الخلاص” وتعرّض فيها للانقلاب وللإقصاء. وقد تمّ ترويج هذا التصريح بشكل مُجْتزئ لإثارة الرّأي العام وتأليبه: “الانقلابات لا يحتفى بها، الانقلابات ترمى بالحجارة لأنها أشدّ المنكرات والاستبداد… إنّ تونس بدون “نهضة”، بدون إسلام سياسي مشروع حرب أهلية” بينما الجملة الأصلية غير ذلك، إذ جاء فيها: “الانقلابات لا يحتفى بها، الانقلابات ترمى بالحجارة لأنها أشدّ المنكرات والاستبداد.. تصوّر تونس بدون هذا الطرف أو ذاك، تونس بدون “نهضة”، تونس بدون إسلام سياسي، تونس بدون يسار، تونس بدون أيّ مكوّن من المكوّنات، هو مشروع حرب أهليّة… الذين استقبلوا هذا الانقلاب باحتفاء لا يمكن أن يكونوا ديمقراطيّين بل هم استئصاليّين وإرهابيّين ودعاة لحرب أهليّة”. وقد أحيل راشد الغنوشي على التحقيق بعد 48 ساعة من الاحتفاظ بثكنة العوينة وأودع السجن بعد سماعه بمعية بعض معاونيه بتهم إرهابية وهي، حسب نصّ الإحالة الصادر عن وكالة الجمهورية لدى المحكمة الابتدائيّة بتونس: “ارتكاب مؤامرة للاعتداء على أمن الدولة الداخلي والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا طبق الفصول 68 و72…”. وبالإضافة إلى ذلك فقد أخلت قوات الأمن منذ فجر الثلاثاء 18 أفريل 2023 مقرّ “الحركة” المركزي الذي وُضِع على ذمّة باحث البداية. كما منعت وزارة الداخلية، بمجرّد قرار إداري، الاجتماعات في مقرات كلّ من “حركة النهضة” و”جبهة الخلاص” وذلك بناء على الأمر عدد 50 المؤرخ في 26 جانفي 1978 الخاص بحالة الطوارئ والذي سنّه في ذلك التاريخ نظام بورقيبة في خضمّ الهجوم الدموي على الاتحاد العام التونسي للشغل. وقد حافظ نظام بن علي على هذا القانون الفاشستي، غير الدستوري حتى من وجهة نظر دستور 1959، كما حافظت عليه كل الأغلبيات البرلمانية والحكومات والرؤساء الذين تعاقبوا على الحكم بعد الثورة إلى حدّ هذه السّاعة لاستعماله للتّضييق على الحريات وضرب الخصوم السياسيّين بما يمنح من صلاحيات واسعة وتعسّفيّة لوزارة الداخلية للتصرّف دون حسيب أو رقيب. وكان قيس سعيد مدّد قبل مدّة حالة الطوارئ، بناء على هذا الأمر إلى نهاية هذا العام.

إنّ حزب العمال الذي ظلّ منذ تأسيسه مستقلا في مواقفه، مدافعا أبيّا عن مصالح الوطن والشّعب التي لا يراها إلاّ في إقامة نظام وطني، ديمقراطي وشعبي، تتحقق في ظلّه العزّة والكرامة والتمتّع بالحريات والحقوق والمساواة والعدالة الاجتماعية لكلّ الطبقات والفئات الكادحة والشعبية دون استثناء، يرى مرة أخرى أنّ من واجبه عدم الانخراط في هذا المسار الممنهج لمغالطة الشّعب التونسي وبالتالي تحمّل المسؤوليّة كاملة في إنارة الرّأي العام وكشف الحقيقة كاملة ودون مواربة حتى لو كانت مُرّة وحتى لو كانت معاكسة لبعض الأفكار والآراء التي يتداولها بعض الناس نتيجة التأثيرات المختلفة لتجارب الماضي وللديماغوجيّة الشعبويّة المهيمنة حاليا على الحكم منذ انقلاب 25 جويلية 2021 والتي تلقى صدى لدى فئات من المجتمع اكتوت بنار حكم “حركة النهضة” وحلفائها لمدة أكثر من عشر سنوات. لقد تحمّل حزب العمّال، منذ تأسيسه، مسؤوليّته في قول الحقيقة والتّعبير عن مواقفه باستقلاليّة تامّة دون أن تُرهبه مطلقا عصا الاستبداد سواء قبل الثورة أو بعدها، وقد تكفّلت الحياة بشكل عام بتأكيد صحّة تلك المواقف رغم ما لاقته في البداية من اعتراضات المعترضين وتشويهات المشوّهين من السلطة وأزلامها من الانتهازيين والطامعين والجبناء والأنذال. ومن نفس الموقع وبنفس الروح يتوجّه حزب العمّال اليوم إلى الشعب التونسي في هذه اللحظات الخطيرة التي ستكلّفنا وتكلّف وطننا وشعبنا ثمنا باهظا، إذا لم نستوعبها ولم نَتَعَاَط معها بعقلانيّة وموضوعيّة وشجاعة ومسؤوليّة لنخرج منها بأقلّ الأضرار ونضع حدّا للاستبداد كما نضع بلادنا من جديد على سكّة التّقدّم السّياسي والنّهوض الاقتصادي والاجتماعي والثّقافي والقيمي والأخلاقي ونحرّرها من الهيمنة والتدخلات الأجنبية الاستعمارية الجديدة التي أصبحت، بحكم ما وصلت إليه من ضعف وهشاشة، مسرحا لها أكثر من أيّ وقت مضى.

“الإخوان” و”الشّعبويّون” وخطاب الاحتراب: وجهان لعملة واحدة

1- إنّ ما تعيشه بلادنا اليوم، من إيقافات في صفوف المعارضة والنّشطاء السّياسيّين وآخرها إيقاف رئيس “حركة النهضة” بتهمة التآمر على أمن الدولة بناء على التصريح المذكور أعلاه لا يمكن فهمه إلاّ في سياقه لأنّ تبرير السّلطة لهذه الإيقافات بالتّصريح المذكور أعلاه لا يمثّل الحقيقة وإنّما هو للمغالطة والتّضليل واستغلال نقمة فئات واسعة من الشّعب التّونسي على حركة النهضة وخاصة على الغنوشي لتمرير مشروع لا يقلّ خطورة عن مشروعه “الإخواني” إن لم يكن أخطر في بعض جوانبه وأبعاده. إنّ خطاب “الاحتراب” والعنف الذي تبرّر به سلطة الانقلاب إيقاف رئيس حركة النهضة وعدد من قياداتها ليس خطابا تختصّ به هذه الحركة وحدها ولكنه في الواقع خطاب مشترك بينها وبين قيس سعيد وأنصاره الشّعبويّين. لقد تميّز خطاب “حركة النّهضة” خلال فترة حكمها وخاصة في سنواتها الأولى بتكفير الخصوم السّياسيّين واتّهامهم بمعاداة الإسلام بهدف تجييش الرّأي العام ضدّهم وإقصائهم وتعريضهم للانتقام وهو ما حصل أكثر من مرّة وهو ما كان سببا في خلق مناخ لاحتضان الإرهاب وانتعاشه الذي أدّى إلى الاغتيالات السّياسيّة. وفي هذا السّياق ابتدعت “حركة النّهضة” نظريّة “التّدافع الاجتماعي” التي أرادت تمريرها في دستور 2014 والتي لا معنى لها في الإطار الذي طرحت فيه غير دفع المجتمع إلى التّناحر على أسس “هووية”، معسكر “الإيمان” ضدّ معسكر “الكفر”. وما من شك في أنّ الرأي العام يتذكّر بعض الخطب النموذجية لبعض قيادات حركة النهضة الذين تحدث أحدهم في شارع بورقيبة عن “سحل” المعارضين، كما تحدّث غيره أكثر من مرّة محرّضا على الإعلاميّين والمثقّفين والقيادات السّياسيّة التي تختلف مع حركة النهضة. ومن المعلوم أنّ حزب العمال والقوى الديمقراطيّة والتقدّميّة أدانت في الإبّان هذه التّصريحات والأفعال الإجراميّة وبيّنت خطورتها وتصدّت لها ميدانيا وطالبت بالمحاسبة. ولكن كلّ تلك التصريحات والأفعال ليست اليوم موضوع تتبّع رئيس “حركة النهضة” وبعض قياداتها. إنّ راشد الغنوشي محلّ تتبّع جرّاء التّصريح المذكور أعلاه. ومن سوء حظ قيس سعيد وأعوانه أنّ هذا التّصريح الذي جُعل منه سببا لتبرير اعتقال رئيس “حركة النهضة” ليس جديدا، بل كما أنّه ليس الأخطر من بين تصريحاته العديدة والمتعدّدة التي كثيرا ما أثارت جدلا واعتُبر فيها مساس بمكاسب الشعب التونسي أو اعتداء على جوانب من الحرّيات والحقوق أو تحريض على العنف أو إشادة بالعنف والإرهاب.

2- ولكن هل أنّ قيس سعيد وأنصارَه الشعبويّين يحملون خطابا مغايرا لخطاب “الاحتراب” والعنف “الإخواني”؟ حتّى يُؤتمن جانبهم ويكونوا في الموقع الذي يسمح لهم بمحاسبة رئيس “حركة النّهضة” وجماعته؟ بالطبع لا. فإذا كانت “حركة النهضة” استعملت “التّكفير” سلاحا أساسيّا لمواجهة خصومها فإنّ قيس سعيد استعمل سلاح “التّخوين” لمواجهة منتقديه ومعارضي انقلابه. إنّ خطاب قيس سعيد منذ تربّعه على عرش الرئاسة وعلى وجه التّحديد منذ انقلاب 25 جويلية 2021 الذي مكّنه من الاستيلاء على كلّ السّلطات، مرتكز بشكل ممنهج ودائم على “تخوين” منتقديه ومعارضيه دون تمييز أو استثناء. وإذا كانت “حركة النهضة” قد سعت إلى تقسيم المجتمع إلى معسكر “الإيمان” و”الكفر” فإنّ قيس سعيد سعى وما يزال إلى تقسيم المجتمع إلى “وطنيّين” وهم مؤيّدو الانقلاب والاستبداد الجديد و”الخونة” وهم معارضوه بمختلف نزعاتهم الفكرية والسياسية المتباينة شديد التّباين أحيانا. وفي هذا السّياق ما انفكّ قيس سعيّد يتحدث عن “حرب التحرير الوطني” التي يخوضها ولا ينبغي الاعتقاد أنّها حرب ضد المستعمر وعملائه بالمفهوم المتعارف عليه، وإنما هي حرب داخلية في الأساس ضدّ معارضي الانقلاب. وبالإضافة إلى ذلك فإنّ سعيد لا يترك فرصة تمرّ دون نعت خصومه ومعارضيه بشتى الصفات التي تُضمر العنف والرّغبة في المحق والسّحق، فهم “مكروبات وفيروسات”، وهم “سرطان” موجب للاقتلاع وهم أشخاص لا بدّ من “تطهير” البلاد أو “تصفيتها” منهم. هذا دون التّوقّف عن اتّهام الخصوم والمنتقدين بالتآمر والتخطيط للاغتيال والإرهاب. وحين اعتقلت أجهزته عددا من القيادات السّياسيّة منذ أكثر من شهر لم يتردّد في تخوينهم وفي الحكم عليهم حتى قبل أن يحالوا على القضاء ووصل به الأمر إلى تحذير من سيبرّئهم بأنه سيُعتبر شريكا لهم في جرائمهم. وقد وصل به الأمر في كلمة ألقاها بمناسبة ذكرى وفاة الرئيس الأسبق، الحبيب بورقيبة، إلى التصريح بأنّ “أيادي” المعتقلين السّياسيّين “ملطّخة بالدم” (نعم…هكذا…). وهو يقصد بالطبع غازي الشواشي وعصام الشابي وجوهر بن مبارك ونور الدين بوطار والأزهر العكرمي وخيام التركي وعبد الحميد الجلاصي وشيماء عيسى الذين لم يوجّه إليهم أيّ اتهام في هذا المعنى، غير عابئ بخطورة كلامه لأنّه لا أحد يراقبه أو يسائله أو يحاسبه أو يأمر بتتبّعه كما أمر هو بتتبّعهم وتتبّع رئيس “حركة النهضة”. وما من شكّ في أنّ الرأي العام يتذكّر تصريح وزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين في بنقردان حين خوّن الجميع، إعلاميّين ورجال أعمال ونقابيّين وأحزابا سياسيّة وردّد ثلاث مرّات عبارة: “إنّها حرب ضروس”. هذا دون الحديث عمّا يرتكبه أتباعه وأنصاره في صفحات التواصل الاجتماعي من جرائم الشّتم والثّلب والكذب والتّحريض على القتل دون أن تحرّك النّيابة العموميّة ساكنا. وبعبارة أخرى فإنّ قيس سعيد يتّهم خصومه بما هو وجماعته فاعلوه مع فارق وهو أنه في موقع الماسك بالسّلطة والأجهزة فلا يحاسبه أحد بينما هو يحاسب الآخرين ويتّهمهم بما يشاء وكيفما يشاء ويمتلك القوّة المادّية لتنفيذ تهديداته ضدّهم.

استهداف “حركة النّهضة” ورئيسها: محاسبة أم تصفية لخصم سياسي؟

3- ومن هذا المنطلق فإنّ التصريح المعتمد لاعتقال رئيس “حركة النهضة” ومنع الاجتماعات في كامل مقرّاتها مع إخضاع المقر المركزي للتّفتيش والبحث ومنع الاجتماعات في مقر “جبهة الخلاص”، ما هو في الحقيقة إلاّ ذريعة لتصفية الحساب مع خصم سسياسي وهي تصفية تفتح الباب، بالنظر إلى منطلقاتها، لما هو أخطر، أي تصفية ما تبقّى من الحريات. فنحن نعيش حلقة جديدة من حلقات الصّراع داخل اليمين المهيمن على المشهد السّياسي بين جناحه الشّعبوي اليميني المتطرّف المحتكر للسّلطة منذ انقلاب 25 جويلية 2021 من جهة وجناحه “الإخواني” وعلى رأسه “حركة النهضة” التي لا تقلّ عنه يمينيّة وتطرّفا من جهة ثانية. لقد ساهمت “حركة النهضة” بقسط كبير في إيصال قيس سعيد التي يقاسمها نفس الأيديولوجية الظلاميّة، المحافظة، إلى قصر قرطاج. ولكنّ شهر العسل لم يدم طويلا بين جناحي النّظام الرئيسيّين إذ انطلقت الصّراعات والمماحكات لا حول مصالح الشّعب وقضاياه الحارقة في وقت اشتدّ فيه وباء الكوفيد 19 وإنّما حول المواقع بل حول من يحتكر الحكم والقرار. وبعد حوالي العام والنصف من الصّراع، استغلّ قيس سعيّد تعفّن الوضع الذي ساهم فيه عن وعي كما استغلّ النّقمة الكبيرة على “حركة النهضة” وحلفائها بسبب ما آلت إليه الأوضاع من تدهور سياسي واقتصادي واجتماعي وأمني وأخلاقي، للانقلاب على خصومه مستعملا بشكل أخرق الفصل 80 من دستور 2014 الذي أقسم على احترامه والتزامه به وجمّد البرلمان وحلّ الحكومة. والجميع يعلم بقية الحلقات من الأمر 117 بتاريخ 22 سبتمبر 2021 الذي استولى سعيّد بمقتضاه على كافّة السّلطات، إلى خارطة الطريق واستشارتها الشّعبيّة الفاشلة (مارس 2022) والاستفتاء الشّكلي على دستور الحكم الفردي المطلق الذي كتبه سعيّد بنفسه ولنفسه (جويلية 2022)، إلى الانتخابات المهزلة (ديسمبر 2022) التي قاطعها حوالي 90 بالمائة من الجسم الانتخابي، إلى تفكيك مختلف الهيئات الرقابيّة وتدمير السّلطة القضائيّة وإخضاعها بالكامل بعد تحويلها “دستوريا” إلى مجرّد وظيفة، لتكون تحت أوامر قصر قرطاج وتدجين الإعلام وإصدار المرسوم 54 سيّء الصّيت لتكميم الأفواه والتّضييق على حريّة العمل النّقابي والمدني بشكل عام. كل ذلك في ظلّ أزمة اقتصاديّة وماليّة واجتماعيّة خانقة ظلّ قيس سعيّد يُلقي بمسؤوليّتها على من حكموا قبله من جهة وعلى “الخونة” و”المتآمرين” على حكمه بعد الانقلاب من جهة ثانية بينما هو عاجز عن فعل أيّ شيء لصالح الطبقات الكادحة والمفقّرة.

4- وفي هذا السّياق فإنّ استهداف “حركة النهضة” واعتقال رئيسها ليس الهدف منه – وهذا ما بيّنه عام و10 أشهر من الانقلاب – تصحيح مسار الثورة ولا تحقيق مطالب الشّعب الأساسيّة وفي مقدّمتها المطالب الاقتصاديّة والاجتماعيّة ولا محاسبة “حركة النهضة” وحلفائها عمّا ارتُكب من جرائم سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة في زمن حكمهم، وهو من أهمّ المطالب الشّعبيّة، وإنّما تصفية خصومه كتصفية الحرّيّات المكتسبة بالدّم لاستكمال إرساء نظامه الاستبدادي، الدكتاتوري الذي بشّر به منذ مدة والذي من شأنه، إذا تحقّق، أن يلغي كلّ “الأجسام الوسيطة” ويُبقي على سلطته الفرديّة التي تستند إلى أجهزة الدّولة أو ما يسمّى “الأجهزة الصلبة” في مواجهة مجتمع أعزل، لا يملك إلاّ التمسّك بحقّه المشروع في مقاومة الاستبداد من خلال حريّة التّعبير والتّنظّم والاحتجاج الخ… وهكذا فإنّ اعتقال الغنوشي على خلفيّة تصريح يمكن إدراجه، بقطع النظر عن الموقف منه، في خانة الرّأي السّياسي أكثر منه في خانة التّحريض على الحرب الأهليّة أو التآمر على أمن الدولة. ولكنّ سلطة الانقلاب حمّلته ما حمّلته لأنّ ساعة تصفية الحساب حانت ولا بدّ من ذريعة مهما كانت، من جهة، واستهداف “حركة النهضة” الذي قد ينتهي بحلّها من جهة ثانية ليس إلاّ محطّة في مسار الانقلاب “السّعيدي”. وقد سبقتها محطّات وستليها محطّات أخرى. وإذا كانت المحطّات السّابقة معلومة فإنّه ليس من الصّعب التّكهّن بالمحطّات المقبلة. فبعد أن استحوذ قيس سعيّد على كلّ السّلطات وحوّلها إلى مجرّد وظائف خاضعة لسلطانه وأخضع كافّة الأجهزة وفي مقدّمتها القضاء لحكمه، فإنّه مرّ إلى السّرعة القصوى لضرب خصومه وتحييدهم بصورة عمليّة في مناخ يتّسم بحملات هستيريّة، تحريضيّة من أنصاره على كلّ القوى السياسيّة والاجتماعيّة والمدنيّة وفي مقدّمتها الاتّحاد العام التّونسي للشّغل سواء التي تعارض الانقلاب بشكال صارم وكامل أو التي تنتقده ولو جزئيّا وتدعوه إلى الحوار. وقد طالت عصا القمع منذ أكثر من شهر قيادات سياسيّة لا علاقة لها بـ”حركة النهضة” وأودعت السّجن بتهمة التآمر والتّخطيط لاغتيال الرّئيس والتّحريض على العنف بناء على ملفّات فارغة. كما طالت عدّة نقابييّن ومحتجّين وإعلاميّين ومدوّنين وغيرهم. وهو اليوم إذ يتوجّه إلى ضرب “حركة النهضة” فذلك يندرج في نفس السّياق وليس غيره للتّخلّص من خصم سياسي منافس. أمّا المحطّات القادمة بعد هذه المحطّة فإنّها لن تخرج عن نفس السّياق. فاليمين الشّعبوي المتطرّف، الاستبدادي والفاشستي، لن يتوانى عن ضرب بقية الأحزاب وقوى المجتمع المدني وما تبقّى من إعلام حرّ وفضاءات حرّية تعبير سلاحه في ذلك المرسوم 54 الفاشستي. وستكون منظّمة حشاد التي تتعرّض منذ مدة، بل منذ حكم “حركة النهضة” ويوسف الشاهد إلى التحرّش والتّهديد المستمرّ ليبلغ اليوم الذّروة مع قيس سعيّد، أحد الأهداف الرئيسية للقمع والتّفكيك.
إنّ خطّ سير قيس سعيّد واضح تمام الوضوح وواهم من يعتقد أنّ له هدفا آخر غير احتكار السلطة بالكامل وهو ما لن يحقّقه-، ليستكمل كامل عناصر بناء نظامه الاستبدادي الدكتاتوري الفاشستي المعبّر عنه بالبناء القاعدي الذي يعني عمليّا “رئيسا متألّها وصاحب رسالة” و”شعبا رعيّة” يصفّق ولا حقّ له في النقاش أو الاعتراض-، إلاّ بتصفية كامل “الأجسام الوسيطة” كما عبّر عن ذلك حتى قبل انتخابات 2019.

5- وإلى ذلك كلّه فإنّ ما ينبغي التّنبيه إليه أنّ قيس سعيّد وهو يصفّي منتقديه ومعارضيه الواحد تلو الآخر، حسب ما يسمح له به المزاج العام المحلّي وتُتيحه الظروف الجهويّة والإقليميّة والدوليّة المضطربة والمتغيّرة في هذه الأوقات، حيث لا ينبغي الاعتقاد بأنّ اعتقال رئيس “حركة النهضة” وغلق مقرّاتها هو مجرّد قرار “محلّي” خال من أيّ ترتيبات أو حسابات جيو-سياسيّة، بهدف الوصول إلى غايته القصوى وهي احتكار الحكم، فإنّه يحيط كلّ خطوة يخطوها بهالة من الدّعاية الدّيماغوجيّة لتمريرها مدّعيا أنه “يحرّر البلاد” من الفاسدين وممّن “نهبوا ثرواتها” و”باعوا أنفسهم إلى الخارج”، موهما الطّبقات والفئات الكادحة والشّعبيّة المتضرّرة بأنّ “الخلاص قريب”. ولكن من السّهل جدّا تبيّن أنّ كلّ هذا ليس إلّا هراء وإصرارا على المغالطة لأنّ قيس سعيّد الذي يحكم البلاد بلا منازع منذ قرابة العامين لم يفعل شيئا لمعالجة الأزمة التي تضرب البلاد والمجتمع بل إنّ أوضاع البلاد كأوضاع الطبقات والفئات الكادحة والشعبيّة زادت سوء مقارنة بما كانت عليه قبل الانقلاب. لقد كانت بالفعل سيّئة قبل الانقلاب لكنها ازدادت سوءً بعده، إذ أنّ تونس في الوقت الحاضر على حافة الانهيار والإفلاس بما لذلك من تبعات خطيرة على سيادة الوطن وحياة الشّعب الماديّة والمعنويّة. فالتبعيّة للقوى الكبرى وللاحتكارات الرّأسماليّة العالميّة والارتباط بأكثر المحاور الإقليميّة رجعيّة وعمالة وفسادا وإفسادا وتخريبا لمقدّرات شعوب المنطقة والتّطبيع مع الكيان الصهيوني كلّها تزداد ومؤشّرات العجز المالي والتّجاري والتّداين والتّضخّم والفقر والبطالة والغلاء والجريمة واستهلاك المخدّرات و”الحرقة” التي تضاعفت عشر مرّات ما بين 2021، تاريخ الانقلاب و2023، والاتّجار بالبشر والتّفكّك الأسري والاجتماعي والعنف ضدّ النّساء وتدهور الخدمات الاجتماعيّة كالتّعليم والصحّة والنّقل…كلّها وصلت إلى درجات من التّدهور فاقت ما كانت عليه قبل الانقلاب. وبالطّبع لا موجب في ذكر الأرقام هنا فهي معروفة. بل إنّ الواقع الذي يكتوي به غالبية التّونسيّات والتّونسيّين بمختلف انتماءاتهم الاجتماعيّة أبلغ من كلّ الأرقام. وهذا العامل بالذّات هو الذي يجعل قيس سعيّد لا يطرح في صراعه مع “حركة النّهضة” القضايا الجوهرية. فهو لا يحاججها لا على أفكارها الرجعية، لأنه لا يختلف عنها إن لم يكن أكثر منها رجعية وظلامية من الناحية الفكرية كما تؤكّده مواقفه من المساواة بين الجنسين ومن الدولة المدنية (إلغاء الفصل 2 من دستور 2014 الذي ينصّ على مدنية الدولة ووضع فصل خامس في “دستوره” الجديد يمنح الدولة التي يسيطر على سلطة القرار فيها بمفرده احتكار “تحقيق مقاصد الإسلام” (اقرأ الشريعة) بما يمنحه “سلطة روحية” إلى جانب بقية سلطاته) إضافة إلى مواقفه العنصرية المقيتة التي عبّر عنها أخيرا في علاقة بإخوتنا/أخواتنا أبناء/بنات جنوب الصحراء، كما أنه لا يحاججها سياسيّا لأنّه يريد فرض نظام سياسي استبدادي، “النظام القاعدي”، يلغي فيه كلّ الحريات والحقوق، علاوة على أنّه أظهر عدم كفاءة أفظع في إدارة الدولة (32 سفارة بلا سفير أو قناصل، 5 ولايات دون ولّاة، رئاسة دون ناطق رسمي ودون مستشارين في عدّة مجالات حيويّة، منشآت عموميّة دون رؤساء مديرين عامّين، مجالس بلديّة منحلّة بمجرّد قرار فوقي، فضلا عن الفراغ الكبير في مؤسّسات الدّولة النّاجم عن القضاء على معظم الهيئات الدّستوريّة والرّقابيّة وتطويع ما تبقّى منها مثل “هيئة الانتخابات”) وثالثا وأخيرا فهو لا يواجهها في الخيارات الاقتصاديّة النيوليبراليّة المتوحّشة التي كرّستها مع حلفائها وشركائها في الحكم وخاصّة “نداء تونس” بقيادة الباجي قايد السبسي ويوسف الشاهد، لأنّه ليس لديه بديل لتلك الخيارات التي يستمرّ في تكريسها بشكل عشوائي بل أسوأ من سابقيه، كما أن قيس سعيّد لا يواجه قيادات “حركة النهضة” بـ”الملفات الثقيلة” أي الملفّات الحقيقية وغير المفتعلة التي تمثل الأساس في محاسبة هذه الحركة وإنما يواجهها بقضايا جزئيّة إن لم تكن مفتعلة أحيانا تجعل من قيادييها بمن فيهم رئيسها يظهرون بمظهر ضحايا قمع حرية التّعبير والتّنظيم، ويعود سبب ذلك إلى أنّ قيس سعيّد غير جادّ لا في المحاسبة ولا في كشف الحقيقة في الاغتيالات السّياسيّة ولا في غيرها من الملفّات المهمّة لأنّ غايته غير غاية الشّعب والقوى الدّيمقراطيّة والتّقدّميّة. إنّ الشّعب يريد معرفة الحقيقة كما يريد المحاسبة، بينما سعيّد يريد احتكار السّلطة ممّا يدفعه إلى اجتناب ما يمكن أن يُثير ضدّه بعض الجهات سواء في أجهزة الدّولة، باعتبار أنّ بعض الجرائم مثل الاغتيالات السّياسيّة هي جرائم دولة، أو في المنطقة المغاربيّة والعربيّة وحتّى في الساحة السياسيّة الدّوليّة. وأخيرا فإنّ قيس سعيد، وهذا لا يتطلّب ذكاء لفهمه، يستعمل هذه الإيقافات والاعتقالات وخاصة ملفّ “حركة النهضة” لإلهاء الرّأي العام عن قضاياه العاجلة فكلّما تفاقمت المشاكل الاجتماعية واشتدّت انعكاساتها المدمّرة على الشّعب إلّا وعلا الصّراخ حول “المؤامرات” وتمّ تحريك الأجهزة في هذا الاتّجاه أو ذاك، وهو حالنا اليوم. فالبلاد في أزمة ماليّة خانقة سيكون لاستمرارها عواقب كارثيّة، ولا يجد النظام الشّعبوي، العاجز والفاشل مخرجا مؤقّتا من هذا المأزق سوى إلهاء بعض الفئات من المجتمع، تلك الفئات المغلّطة أو التي تحرّكها دوافع غريزيّة للانتقام والتّشفّي بعيدا عن كلّ عقلانيّة، بعمل أو إجراء ضدّ هذا الطرف أو ذاك، سياسيّا كان أو نقابيّا إو إعلاميّا، مع إلقاء مسؤوليّة ذلك العجز والفشل عليه.

المحاسبة الحقيقيّة وشروطها

6- إنّ تأكيدنا أنّ اعتقال رئيس “حركة النهضة” وغلق مقرّها المركزي ومنع الاجتماعات في كافّة مقرّاتها الجهويّة وفي مقرّ “جبهة الخلاص” بالعاصمة، إنّما يندرج في سياق تصفية الخصوم السّياسيّين والشّروع في إفراغ السّاحة تدريجيّا من أيّ معارضة سياسيّة أو مدنيّة أو نقابيّة بتوظيف أجهزة الدّولة واستعمال قضاء مُطيع وقابل بتنفيذ التّعليمات الجائرة، إنّما يعكس واقعا ملموسا وتوجّها قائما لا لُبْسَ فيه ما انفكّ قيس سعيد يكرّسه خطوة خطوة لإلغاء المكسب الأساسي للثّورة التّونسيّة وهو مكسب الحرّيّة والعودة بالبلاد إلى مربّع الاستبداد بشكل أتعس من السّابق. ولكنّ موقفنا هذا لا يمثّل بأيّ شكل من الأشكال تبرئة “حركة النهضة” من الجرائم التي ارتكبتها هي وغيرها ممّن حكموا معها على حساب الشّعب والوطن. وهو أمر تكلّم فيه حزب العمّال أكثر من مرّة. ولا أحد بإمكانه أن يعطينا دروسا في ذلك سواء من أولئك الذي حكموا مع “حركة النهضة” وتحوّلوا اليوم إلى “معارضين أشداء لها” تزلّفا للانقلاب، أو من أولئك الآكلين من كلّ الموائد الذين يقودهم الطّمع أو من أولئك الذين يتمسّحون على أعتاب كلّ سلطة قائمة من باب الجبن والنّذالة أو من “سقط متاع الحشود الفاشستيّة” الذين تحرّكهم نوازع الانتقام والتّشفّي والشّماتة البدائيّة وهم على استعداد لتبرير أبشع الجرائم كما أنّهم على استعداد لقلب “الفيستة” في أيّ منعطف جديد شعارهم: “الله ينصر من صبح”. وها إنّنا مع ذلك نعود إلى هذا الأمر بشكل مكثّف سدّا لكلّ المنافذ في وجه هذا الرّهط أو ذاك من الانتهازيّين، وخاصّة لتوضيح الواقع المعقّد جّدا للجمهور الواسع الذي يميل أحيانا إلى التّبسيط. إنّ “حركة النهضة” ظلّت حاضرة في الحكم طوال عشر سنوات بعد سقوط الدكتاتورية متحالفة في كلّ مرّة مع هذه القوّة السّياسيّة أو تلك. فبعد ثلاث سنوات من الحكم على رأس “الترويكا” وضعت اليد في اليد مع “نداء تونس” بقيادة الباجي قائد السبسي خاصّة ثم مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لتوجيه ضربة قاصمة لمسار الثّورة التّونسيّة ومصالح الطّبقات والفئات الكادحة والشّعبيّة التي أنجزت الثورة. إنّ “حركة النهضة” عوض الاهتمام بمشاكل الشّعب ظلّت تُلهيه بقضايا هامشيّة، هوويّة، مكرّسة جهدها للالتفاف على الثّورة والانحراف بها نحو خدمة مصالحها ومصالح أتباعها المعادية للثّورة بالتّواطؤ مع بعض مراكز الرجعيّة الإقليميّة والدوليّة. لقد وضعت في مقدّمة أهدافها إقامة دولة “إخوانيّة” رجعيّة لتكون الأداة للسّيطرة على الشّعب وإخضاعه وإذلاله واستغلاله لصالح الأقلّيّات المحليّة والأجنبيّة الماسكة بدواليب الاقتصاد والمال مع ميل أكثر لهذا الطّرف أو ذاك (أباطرة الاقتصاد الموازي في الدّاخل وتركيا وقطر في المنطقة وصناديق النهب والدول الاستعمارية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية في العالم…). وهو ما عمّق الأزمة وأدّى بالبلاد إلى الكارثة، فتعمّقت التّبعيّة للخارج (مديونية، انخرام الميزان التجاري…) وتفاقم الفساد ونهب المال العام والمحسوبيّة والفقر والبطالة والبؤس والجريمة، وتفشّت ظاهرة الإرهاب التي خُلقت لها الأرضيّة الفكريّة والسياسيّة المناسبة (التكفير، توافد شيوخ التكفير على تونس، السّماح للجماعات السّلفيّة التّكفيريّة والإرهابيّة بالنّشاط والحركة، تسفير الشّباب إلى بؤر التوتّر…) وقد طال الاغتيال رموزا سياسيّة من اليسار (الشهيدان شكري بلعيد ومحمد البراهمي وهما من قيادات الجبهة الشعبية…) وعددا من أعوان الأمن والجيش والمواطنين العاديّين التونسيّين والأجانب، هذا عدا الذين استشهدوا على يد قوّات البوليس (محمد بلمفتي، قفصة، مجدي العجلاني، القصرين، وهما من مناضلي الجبهة الشعبية…) أو أصيبوا إصابات خلّفت لهم إعاقات دائمة جرّاء أعمال قمع وحشيّة حين كانت وزارة الدّاخليّة بيد “حركة النّهضة” (أحداث 9 أفريل 2012، أحداث الرش بسليانة 2012، قمع الاحتجاجات التي تلت اغتيال الشّهيدين شكري بلعيد والحاج محمد البراهمي…). لقد تمّ كلّ هذا أيام حكم “حركة النهضة” وحلفائها وهو ما عبّد الطريق، في غياب حركة ثوريّة، قويّة ومؤثّرة وقادرة على أخذ السّلطة لتحقيق أهداف الثورة وتغيير النظام القائم تغييرا جذريّا، للشّعبويّة مجسّدة في قيس سعيّد كي تصل إلى السّلطة مسلّحة بجملة من الشّعارات الدّيماغوجيّة والمضلّلة. وفي الواقع فإنّ “حركة النهضة” وهذا للعبرة بالنّسبة إلى سعيّد وأنصاره وسقط متاع الحشود الفاشستيّة، إنما تدفع اليوم ثمن كلّ ما فعلته وهي تدفع خاصة ثمن تفكيرها الضيّق، الانتهازي، النّفعي. فرغم ما كان لها من سلطة فهي حافظت على قانون الطّوارئ الفاشستي الذي هي ضحيّته اليوم ولم تغيّره، كما أنّها خرّبت القضاء وطوّعته وعرقلت إصلاحه وعطّلت، مثلها مثل الباجي قايد السبسي، قيام المحكمة الدستورية وظلّت تتصارع مع “نداء تونس” حول المواقع في هذه المحكمة، ولم تراجع التّشريعات الخاصة بالمحكمة العسكرية كما نصّ على ذلك دستور 2014 ولم تطرح على الطّاولة كلّ التّشريعات الرّجعيّة والاستبداديّة التي يعود بعضها إلى عهد الاستعمار المباشر وحافظت عليها فإذا بها اليوم تُطبَّق عليها مثلما ستطبّق غدا على الذين يحافظون عليها اليوم لاستعمالها لضرب خصومهم ويمتنعون عن وضع أسس جديدة وجدّيّة لدولة قانون ديمقراطيّة. وبعبارة أخرى فإنّ “حركة النهضة” التي تتكلّم اليوم عن الثورة، بعد إقصائها من السّلطة وتوجيه عصا القمع إليها، إنّما هي التي كانت أوّل من ارتدّ عن الثّورة والتفّ عليها وشوّه العدالة الانتقاليّة وفتح جسورا مع رموز النّظام السّابق وشرّع الباب على مصراعيه لهيمنة قوى الثّورة المضادّة من جديد على المجتمع. وهي إذ تتكلّم اليوم عن الدّيمقراطيّة فهي التي كانت المسؤول الأوّل عن تعفينها وعرقلة تجذيرها واستكمال بنائها في المرحلة الانتقاليّة. وهي إذ تتكلّم عن تطويع القضاء فهي التي عملت على تطويعه فإذا بنا ننتقل من قضاء بن علي إلى قضاء “النهضة” ثم اليوم قضاء قيس سعيّد. وهي إذ تتكلّم عن المشاكل المعيشيّة للشّعب وعن البطالة والمديونية فهي التي عمّقتها ولم تفعل شيئا طوال حكمها لمراجعة الخيارات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وتحرير الوطن من التبعيّة. وهي إذ تتكلّم عن التبعيّة للمحاور الإقليميّة فهي التي زجّت ببلادنا، بمعيّة حلفائها في الحكم، في أتون تلك المحاور عبر الارتباط بقطر وتركيا وغيرهما مثلما ارتبط الباجي قايد السبسي بالمحور المصري الإماراتي السعودي. إنّ قيس سعيّد أو بالأحرى الشّعبويّة ما هي إلاّ الثّمرة الكريهة أو الفاسدة لعشر سنوات من “حكم النّهضة” التي جعلتها تقفز إلى الواجهة وتقدّم نفسها بديلا زائفا لتلك العشريّة، هذا دون أن ننسى أنّ “حركة النهضة” ساهمت انتخابيّا في صعود قيس سعيّد بمنحه أصواتها في الدور الثاني لانتخابات 2019. ومن المفارقات بل من سخرية الدهر أنّ التاريخ يعيد نفسه اليوم. فالغنوشي الذي امتدح عام 1987 بن علي ومنحه ثقته وصوّت لصالحه في “انتخابات” 1989 انقلب عليه بعد سنوات قليلة ونكّل به وبحركته. واليوم ها إنّ قيس سعيّد الذي ساعده الغنوشي على الوصول إلى دفّة الرّئاسة وقرأ فيه حسن النّيّة وربّما رأى فيه “العصفور النادر”، ها إنّه ينقلب عليه ويرسله إلى السجن. وهو ما يؤكّد أنّه حين يتعلّق الأمر بالصّراع حول السّلطة فإنّ اليمين لا دين ولا أخلاق له. لقد دشّنت “حركة النهضة” مسار الثّورة المضادّة منذ اعتلائها السلطة وها إنّ قيس سعيّد الذي وصل إلى الرّئاسة بمساعدتها يزيحها وينتصب بمفرده في الحكم ليمثّل المرحلة الأخطر في هذه الثورة المضادة وينتقل بنا من نظام ديمقراطي مهترئ ومتعفّن إلى نظام الاستبداد القائم على الحكم الفردي المطلق وعلى تصفية أهمّ مكتسبات الثّورة المتمثل في الحرّيّات.

7- إنّ المسألة إذن بالنّسبة إلى حزب العمّال لا تُطرح من زاوية إن كانت المحاسبة مازالت مطروحة أم لا كما يحاول أزلام الانقلاب ترويجه لتشويه حزب العمّال والقوى الدّيمقراطيّة الحقيقيّة المعارضة للانقلاب مدّعين أننا تخلّينا عنها، بهدف تبرير سقوطهم في الحضيض وتحوّلهم إلى خدم أذلاء للاستبداد والدكتاتوريّة، وإنّما المسألة كلّ المسألة بالنّسبة إلى حزب العمال تكمن في مَن سيقوم بالمحاسبة وحول أيّ ملفّات وفي أيّ مناخ سياسي وقانوني ستتمّ هذه المحاسبة؟ هذا هو لبّ القضية. فلا يكفي أن يكون قيس سعيد ضد “حركة النهضة” حتى ننجرّ وراءه ونصدّقه، بل علينا أن نفهم من أيّ موقع هو ضدّها ولأيّ غاية هو يعاديها حتى لا يبقى الشّعب في كلّ مرّة حطبا في يد هذا الطّرف أو ذاك من أطراف اليمين الرّجعي يحقّق به مآربه الرّجعيّة. إنّ قيس سعيد ليس ضدّ “حركة النهضة” فقط وإنما هو ضدّ الأحزاب والنّقابات والجمعيّات والمنظّمات والإعلام وضدّ فصل السّلطات عن بعضها واستقلاليّة القضاء وغيرها، إنّه في كلمة ضدّ الحرية وضدّ الديمقراطية، وهو ما يجعل من ضرب “حركة النهضة” محطة في مسار انقلاب شعبوي، استبدادي، دكتاتوري، سبقتها محطّات وستتلوها محطّات أخرى إلى ساعة استكمال عناصر ما يرتئي قيس سعيّد إرساءه من “نظام قاعدي” فاشستي ضمن حسابات إقليميّة ودوليّة لا تخفى عن أحد. وعلى هذا الأساس أكّد حزب العمّال مرارا وتكرارا أنّ تحقيق المحاسبة ومقاومة الفساد واسترجاع أموال الشّعب المنهوبة وكشف حقيقة الاغتيالات، لا يمكن أن تحقّقها دكتاتوريّة جائرة وفاسدة وقائمة على الخوف والرّعب والمغالطة وتوظيف قضاء طيّع وغير مستقلّ. بل يعمل بالتّعليمات حسب أهواء الحاكم المستبدّ الذي لا رقيب ولا حسيب له بمقتضى دستور مَسِخ كتبه بنفسه ولنفسه ليمنحه من ضمن ما منحه الحصانة التامّة والإعفاء من المساءلة والمحاسبة حتى بعد خروجه من الحكم، هذا إن خرج بالطبع ولم يبق إلى أبد الآبدين بدعوى أنّه “لا يسلّم وطنه إلى من لا وطنيّة له”، وإنما دولة قانون حقّة بما تعنيه من احترام للحقوق والحريّات وفصل بين السّلطات واستقلاليّة قضاء فعليّة وناجزة ووجود هيئات مراقبة للسّلطة التنفيذيّة. إنّ مثل هذه الشّروط هي التي تمكّن من كشف الحقائق وتضمن المحاكمة العادلة وتعطي للأحكام الصّادرة وزنا فعليّا ومصداقيّة لا يطولها الشكّ، وتؤسّس لمجتمع جديد، متحضّر، يسوده العدل واحترام الحريّات وحقوق الإنسان وتتوفّر فيه شروط الحياة الكريمة من شغل وتعليم وصحّة ومسكن ونقل وثقافة وترفيه وبيئة سليمة لكلّ أعضاء المجتمع. أمّا الدّكتاتورية فهي لا تؤسّس إلاّ للخوف والجور ولا تحلّ أيّ مشكلة من مشكلات المجتمع بل تعمّقها وحتى إذا طالت يدها بعض الفاسدين أو المجرمين في إطار تصفية حسابات فإنها تخلق المناخ الملائم لخلق فاسدين ومجرمين جدد وهو ما نراه اليوم بأعيننا. فنحن في بعض الحالات أمام رهط من المسؤولين لم يرهم التونسيّون من قبل، رهط يجمع بين عدم الكفاءة والصّلف والعنجهيّة. ونحن أمام حركة تدمير للمجتمع التونسي من خلال إشاعة عقليات خطيرة ورهيبة بل فاشستية، كتلك التي شاهدناها زمن الترويكا وقبلها مع “التجمّع”، لا تؤمن لا بالحرية ولا باحترام القانون ولا بالمساواة ولا بالمحاكمة العادلة: “اضرب يا قيس نحن معاك”، “قيس يا معذّبهم”، “إلى الأمام يا قيسون هز الكوازي للسجون…” وإلى غير ذلك من الشّعارات الغوغائيّة ومن التّحريض على العنف وإشاعة الكذب وزرع بذور الانقسام والفتنة بين التونسيّات والتونسيّين. ولسائل أن يسأل: من سيحاسب هؤلاء ونحن نعيش تحت حكم الفرد المطلق الذي لا يحاسبه ولا يسائله أحد والذي لا يتورّع عن تخوين معارضيه ومنتقديه وعن اتّهامهم باطلا وسجنهم والتّنكيل بهم بهدف التّخلّص منهم وفرض صمت القبور على المجتمع؟ وفي كلمة فإنّ نظام قيس سعيّد لا يمكن أن يكشف الحقائق وينجز المحاسبة وهو أكبر حلقات الثّورة المضادّة وأخطرها على الشّعب والمجتمع. ومن هذا المنطلق فإنّ حزب العمّال لا يدافع عن “حركة النهضة” أو عن شخص رئيسها ولا يبرّئهما ممّا ارتكباه من جرائم يعاقب عليها القانون (أمّا المصائب السياسيّة فعقابها سياسي يتولاّه الشّعب عن طريق الانتخاب أو عن طريق الانتفاضة أو الثّورة…) وإنّما عن مبادئ وقيم وحرّيّات وحقوق أساسيّة إذا انتُهكت أو بالأحرى تمّ التّسامح في انتهاكها فإنّ أبواب التّعسّف ستُفتح على مصراعيها ليطال القمع الجميع دون استثناء كما أكّدته تجربة بن علي وكلّ التّجارب الاستبداديّة والدّكتاتوريّة والفاشستيّة.
إنّ حزب العّمّال يرفض الاعتقالات والمحاكمات الاعتباطيّة التي لا هدف منها سوى تصفية الخصوم السّياسيّين وإفراغ السّاحة من أيّ معارضة لفرض الاستبداد والدّكتاتوريّة. إنّ حزب العمّال لا يساوم في المبادئ والقيم ولا يطوّعها حسب الأهواء وإنما هو متمسّك بها في كلّ الظّروف وفي كلّ القضايا سواء تعلّق الأمر بأصدقائه أو خصومه أو أيّ فرد من المجتمع لأنّه يعمل على إقامة مجتمع متقدّم حقّا وحرّ حقّا وعادل حقّا وقادر حقّا على إنجاز عدالة انتقاليّة على أسس صلبة ومقنعة وذات مصداقيّة حتى لا نبقى نجترّ نفس الممارسات والمصائب من حكم إلى آخر.

نحو بديل حقيقي لإنقاذ الوطن والشّعب

8- إنّ من يريد عدم العودة إلى ما قبل 25 جويلية 2021 وتخليص المجتمع من “حركة النهضة” واليمين الرجعي عامة، عليه أن يتصدّر اليوم النّضال ضدّ نظام قيس سعيّد الشّعبوي الاستبدادي مستندا إلى برنامج وطني، ديمقراطي، شعبي، تقدّمي يلفّ الشّعب حوله، لا أن يتذيّل لهذا النظام ويتحوّل إلى خادم ذليل له، يدعم ويبرّر كلّ إجراءاته وممارساته المعادية للحرّيّات والدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان والمدمّرة لمعيشة أوسع الطّبقات والفئات الكادحة والشّعبيّة والمعمِّقة للتّبعيّة. إنّ طريق التّذيّل المهين للاستبداد، لن يقود صاحبه إلاّ إلى الهاوية فضلا عن كونه لن يقضي على اليمين الدّيني الرّجعي وإنّما سيعيده إلى الواجهة كما نرى اليوم وكما رأينا بالأمس في تونس وفي بلدان أخرى. إنّ قمع “حركة النهضة” في تونس وحركة الإخوان في مصر وفي ليبيا لم يمنعهما من تصدّر المشهد السّياسي بعد سقوط بن علي وحسني مبارك واغتيال الرّاحل معمّر القذافي واحتلال ليبيا من قوى الناتو. كما أنّ 20 سنة من الحرب الإباديّة التي مارسها الحلف الأطلسي بقيادة الولايات المتّحدة في أفغانستان لم يمنع حركة طالبان من العودة إلى الحكم في حين خرج جنود الحلف الأطلسي مهزومين، وهو ما يؤكّد أنّ المقاومة الحقيقيّة للفكر الظّلامي ولتوظيف الدّين في السّياسة تتمّ عبر تغيير العقول والارتقاء بوعي الشّعوب وبتوفير أسباب العيش الكريم لها حتى لا تكون طُعما لتلك الحركات التي تُجيد الاستثمار في المظلوميّة وتستفيد منها لمراكمة التّأثير في مفاصل المجتمع. إنّ منطق الاصطفاف الطّاغي اليوم، مثلما طغى في مطلع تسعينات القرن الماضي والمتمثّل في ثنائية إن لم تكن مع قيس سعيّد فأنت مع “الإخوان” والعكس بالعكس هو منطق رجعي، انتهازي، يضرب في العمق استقلاليّة القوى الثّوريّة والدّيمقراطيّة والتّقدّميّة ولا يراها إلّا مجرّد ذيل لهذا المعسكر الرّجعي أو ذاك، كما أنّه ينسف في العمق إمكانيّة استقلاليّة الحركة الاجتماعيّة والشّعبيّة والتفافها حول برنامج وطني، ديمقراطي، شعبي، يلبّي مطالبها ويحوّلها إلى حطب في الصّراع بين مختلف قوى اليمين، وعلى رأسها الشّعبويّة الماسكة بالسّلطة اليوم. إنّ منطق الاصطفاف هذا هو من صفات الفرد/الطّرف المتذبذب والمرتبك والجبان والعاجز عن الاستقلاليّة عن القوى الرجعيّة فهو دائما يبحث عن قوّة يحتمي بها متوهّما أنّ ذلك سيحقّق “طموحاته”. إنّ حالة بعض الأطراف التي كانت تدّعي اليساريّة أو الثّوريّة والتّقدّميّة قبل الارتماء في أحضان الانقلاب، تثير اليوم القرف والازدراء. إنّ قيس سعيّد يلحق بها الإهانة تلو الأخرى فهو لا يستشيرها في شيء ولا يأخذ برأيها في شيء وإذا ادّعت عكس ذلك كذّبها علنا باحتقار مردّدا أنه يقرّر وحده مبقيا أمامها سلوكا واحدا وهو التّذيّل الذّليل والتّصفيق دون شروط. ولا ينبغي الاعتقاد، وهو ما بيّنته التّجربة مع بن علي، أنّ هذه الأطراف ستسلم من بطش الحكم الفردي المطلق. فهذا البطش إذا بدأ لن يتوقّف ومن ظنّ أنه سلم اليوم فسوف يأتي دوره غذا.
إنّ حزبنا إذ يُدين اليوم الاعتقالات التي تشمل السّياسيّين والنّقابيّين والإعلاميّين والمدوّنين والمحتجّين كما يُدين محاكمات تصفية الحسابات وغلق المقرّات الحزبيّة ومنع الاجتماعات بقرار إداري بمقتضى قانون الطوارئ الفاشستي الموروث عن الدّكتاتوريّة ويدعو إلى التّعبئة ضدّ ذلك من أجل وضع حدّ له ومنع استمراره واتّساعه قبل أن يأتي على الأخضر واليابس.
إنّ حزب العمال إذ يفعل ذلك فهو يدافع عن مبدأ الحرية والعدالة ومن ثمّة عن مناعة تونس وشعبها لأنه ليس أخطر من الاستبداد والدّكتاتوريّة في إحلال الخراب بالأوطان والمجتمعات.

9- إنّ الحقيقة التي لا يفهمها الانتهازيّون والتّافهون، ضيّقو الأفق وصغار العقول، هو أنّ وضعا فيه الحريّات حتّى لو استفادت منه حركات رجعيّة هو بالنّسبة إلى أيّ شعب من الشّعوب أفضل من وضع استبدادي ملتحف بلحاف “النّظافة” و”الطّهوريّة” الزّائفة وهو يلجّم جميع الأفواه وفي مقدّمتها أفواه العمّال والكادحين والفقراء والشّباب والنّساء والمثقّفين والمبدعين الأحرار بدعوى “مقاومة التّطرّف الدّيني” أو “حماية المصلحة الوطنيّة”. نقول “أفضل” لأنّ وضعا فيه الحريّات، حتى لو كانت محدودة، يسمح للعمّال والكادحين والثوريّين والتقدّميّين بحرّيّة التّعبير والتّنظيم وترويج مواقفهم وكسب النّاس إليها في مواجهة مع مختلف قوى اليمين الليبرالي والدّيني، وهو ما لا تسمح به الدّكتاتورية وما لا يسمح به بأيّ حال من الأحوال تكميم الأفواه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ أهداف الثّورة لن تتحقّق لا بواسطة الاستبداد ولا بالتّعاون معه أو التّذيّل له وإنّما بالنّضال ضدّه وعلى أنقاضه كما كان الحال في عهد الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة. إنّ عملا جبّارا مطروح القيام به من القوى الثّوريّة والدّيمقراطيّة التّقدّميّة سواء كانت في أحزاب أو في نقابات أو في منظّمات حقوقيّة أو في فعّاليات نسائيّة وشبابيّة وثقافيّة، لفضح ذلك النظام وتفكيك خطابه الدّيماغوجي المعادي فعليّا للحرّيّات والمساواة بين النّساء والرّجال والتّمثيل الدّيمقراطي والإبداع الثّقافي والمعادي أيضا لمصالح الكادحين والفقراء وفي مقدّمتها حقّهم في حياة كريمة بما تعنيه من حقّ في الشّغل وفي الصّحّة والتّعليم وفي أجور تضمن فعليّا العيش الكريم وفي المسكن اللاّئق والبيئة السّليمة كحقّهم في الثّقافة والتّرفيه والرّاحة. إنّ على هذه القوى متابعة كلّ الإجراءات التي يتّخذها أو يعلنها قيس سعيّد في كافّة المجالات وتبيان زيفها لأوسع جماهير الشّعب حتّى لا تقع فريسة لخطابه الدّيماغوجي. ومن المهمّ استعمال الحجج المبسّطة، والواضحة ليسهل استيعابها وفهمها. إنّ فئات واسعة من الجماهير، في غياب بديل ثوري، ديمقراطي، تقدّمي، قادر على إقناعها ولفّها حوله، ارتمت في أحضان الشّعبويّة اليمينيّة المتطرّفة ظنّا منها أنها ستحقّق لها آمالها. وعلى الرّغم من بداية افتضاح الطّبيعة الطبقيّة لهذه الشّعبويّة وتعارضها مع مصالح الكادحين والفقراء، فإنّ الخوف من عودة “حركة النهضة” ومنظومة ما قبل 25 جويلية 2021 يدفع بقطاعات واسعة منهم إلى محاولة إيجاد تبريرات واهية لما يتّخذه قيس سعيّد من قرارات وإجراءات فاشستيّة والمطالبة بإعطائه مزيد الوقت للحكم عليه. وهو ما يفرض على القوى الثّوريّة والدّيمقراطيّة التّقدّمية مضاعفة الجهد للعمل صلب الجماهير وتوعيتها وخاصة إقناعها بأنّها قادرة على شقّ طريق مستقلّ يُخلّصها من الشّعبويّة من ناحية ويَحميها من عودة منظومة ما قبل 25 جويلية 2021 وما قبل 14 جانفي 2011 من جهة ثانية. وفي الأخير فما من شكّ في أنّ تحقيق هذه الغاية يتطلّب بصورة مُلحّة من القوى الثوريّة والدّيمقراطية التّقدّميّة تجميع صفوفها حول برنامج مشترك وبالصّيغ التّنظيميّة المناسبة. إنّ الفرز قد تمّ تقريبا والمطلوب منّا جميعا العمل ولا شيء غير العمل لإنقاذ شعبنا ووطننا من الانهيار في وضع إقليمي ودولي مضطرب جدّا وخطير جدّا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى