
في ظل التحولات التكنولوجية السريعة والتحديات الاقتصادية المتزايدة، تعمل وزارة التعليم العالي في تونس على مراجعة شاملة لمنظومتها الجامعية بهدف تكييفها مع حاجيات سوق الشغل واستشراف المهن المستقبلية. وفي هذا الإطار، تم اتخاذ قرار بتجميد مؤقت لمسارات التكوين والتأهيل الجامعي، كخطوة أولى ضمن مسار إصلاحي أوسع.
وأكد منير العيادي، المدير العام للتجديد الجامعي بوزارة التعليم العالي، أن هذا التجميد لا يعني الانغلاق أو وقف الابتكار، بل هو إجراء ظرفي يهدف إلى إعادة التقييم وضمان فاعلية البرامج. وأضاف أن عدداً هاماً من الجامعات والمؤسسات قدمت طلبات لإحداث شعب ومسارات جديدة، وقد تم فتح الباب رسميًا لهذه المبادرات، شريطة أن تكون مبنية على دراسات جدية وتستجيب للمعايير العلمية والبيداغوجية.
وأوضح العيادي أن التخصصات الجديدة المنتظرة تهم مجالات محورية وواعدة مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحديثة، والتنمية المستدامة، والإعلامية، إضافة إلى اختصاصات جديدة في قطاع الصحة سيتم الإعلان عنها لاحقًا بالتنسيق بين وزارتي التعليم العالي والصحة.
ولتأطير هذا التوجه، تم إعداد دليل موجه للمؤسسات الجامعية الراغبة في تقديم برامج جديدة، حيث تتولى لجان قطاعية مختصة دراسة المقترحات من حيث المضمون والجدوى ومدى استجابتها للتحولات الاقتصادية والتكنولوجية.
كما تناول العيادي مسألة الارتفاع الكبير في معدلات الالتحاق ببعض التخصصات، خاصة في المسالك الشبه الطبية، مشيرًا إلى أن الوزارة تتابع هذه الظاهرة عن كثب عبر فرق عمل تقوم بإنجاز دراسات تهدف إلى إيجاد حلول متوازنة لتخفيف الضغط وتحسين التوجيه.
وفي سياق آخر، أكد العيادي وجود تنسيق وثيق بين وزارة التعليم العالي ووزارة التربية، خاصة فيما يتعلق بمادة الرياضيات، التي تشهد تراجعًا في مستوى التلاميذ منذ المرحلة الابتدائية. وأشار إلى أن المجلس الأعلى للتربية سيضطلع بمهام إصلاحية في هذا الجانب، في إطار استراتيجية متكاملة لتعزيز الكفاءات الأساسية للطلبة في المستقبل.
وختم العيادي بالتأكيد على أن إصلاح منظومة التعليم العالي لا يقتصر على إحداث الشعب أو تجميدها، بل يشمل إعادة هيكلة التكوين الجامعي، وتحيين المناهج، وتعزيز قابلية التشغيل، وذلك ضمن رؤية تشاركية منفتحة على مراكز البحث العلمي والمؤسسات الاقتصادية، بما يسهم في بناء جامعة حديثة، فعّالة، ومتجاوبة مع رهانات العصر.