رأي: “شالوم”.. التطبيع الناعم !!
بقلم أحمد برطيع – كاتب صحفي مغربي وباحث في العلوم السياسية
يعود موضوع التطبيع مع “إسرائيل” إلى واجهة الأحداث العربية من خلال نقاش احْتدم على منصات التواصل الاجتماعي، عقب عرض الحلقات الأولى من برنامج تلفزيوني رمضاني في صيغة “الكاميرا كاشي” كما يُفضل الأشقاء التونسيون تسميتها.
وبغض النظر عن المواقف التي كشفتها الحلقات الأولى والتي وضعت فرزًا في وطنية وقومية شخصيات عمومية تونسية تشتغل في مختلف الميادين: الرياضية، الحقوقية، السياسية، وغيرها.. فإن البرنامج سقط في التكرار تجارب سابقة هدفت إلى “الشق عن الصدور”.
البرنامج الذي اختير له اسْم “شالوم” أي السلام بالعبرية يقوم باستدراج شخصيات عمومية بانتحال اسم “مؤسسات” إعلامية عالمية من قبيل “بي بي سي” أو “روسيا اليوم” أو “سي إن إن” لتحفيز الضيف (الضحية) على قبول الدعوة والمشاركة في برنامج رياضي أو سياسي ليفاجأ بحضور “حبر” يهودي وحسناء شقراء كـ”قائم بالأعمال” للدولة العبرية في تونس إضافة إلى حرس خاص بنظارات سوداء متأبطا مسدسا.
أثناء الحوار يتدخل ” كوهين” الحبر المفترض ليعرض على الضيف عرضًا مغريا يصل إلى إمكانية تنصيبه رئيسا للجمهورية التونسية أو عرض رياضي لفريق كرة القدم بـ”تل أبيب” وغيرها من العروض المرفوقة بمبلغ مالي ضخم لزعزعة الضيف عن قناعاته وتليين موقفه من الدولة الإسرائيلية.
بعض “الضحايا” أقول الضحايا لأنهم وقعوا في فخ الغبن الذي تنصبه هذه البرامج التافهة والمبتذلة الهادفة إلى شق “القلوب” وكشف السرائر أمام الرأي العام. رغم أننا نرفض “زئبقية” المواقف التي تباينت من ضيف لآخر. وإن كان أغلبهم بدوا مترددين في الكشف عن أرائهم اتجاه إسرائيل. منهم من كان صارما ورفض العرض واحتج على منسق البرنامج، ومنهم من رحب بتحفظ ومنهم من تماهى مع العرض وقبل بسهولة التعامل مع إسرائيل وكشف عن علاقاته متينة مع شخصيات عبرية.
من طرائف “كاميرا كاشي” ما اقترحه ضيف الحلقة الأولى التليلي عندما قبل تدريب فريق العاصمة الإسرائيلية شريطة أن يستقر في “رام الله” “ندرب في تل ابيب ونروح نبات في رام الله”.
هذا هو الشكل والمضمون الذي صُمم لفكرة الشق عن صدور السياسيين وكشفهم أمام محبيهم ومناضليهم. شخصيات راكمت تاريخا طويلا من النضال الحقوقي مثل عبد الرؤوف العيادي الذي رفع قضية ضد البرنامج يتهمه بالترهيب لاستصدار موقف مخالف لقناعاته. مؤكدا أن تليين موقفه اتجاه عرض “كوهين” الحبر المفترض كان نتيجة جو الإرهاب الذي كان يدور فيه الحوار تحت التهديد بالسلاح الذي كان يحمله الحارس الخاص.
إسرائيل سعيدة بما يقع في هذه البرامج التي اكتسحت المشاهد العربي في السنوات الأخيرة، “شالوم” ليس البرنامج الوحيد الذي طرح “التطبيع”، كان قبله تجارب مصرية أخرى، كـ”الحكم بعد المزاولة” وبرنامج “فؤش في المعسكر” مما يعكس انزياحا في الوعي الجمعي العربي يترجمه مبدعوه وفنانوه في نماذج “تطبيع”.
كيف ما كانت مبررات هذه البرامج فهي تعمل من حيث لا تدري على “تطبيع” ثقافي ناعم يبدو فيه الإسرائيلي شخصا عاديا يمكن التعامل كما تحرض على قتل “المطبعين”، وتدفع المتفرج العربي إلى تقبل المظاهر العبرية في حياته، وتسمح باستهلاك كلمات وتعابير عبرية بشكل يومي من قبل الأسر، كتبادل التحية بـ”شالوم” و”بوكرتوف” والسيد بـ”أدون” والسيدة بـ”غيفيريت” وترويج شكل العلم الإسرائيلي بلونه الأزرق ونجمته السداسية، وتقديم صورة غير صحيحة عن شخصية الإسرائيلي الجانح دائما إلى السلم.
وهو نفس الأسلوب الذي ينهجه الناطق باسْمِ الجيش الإسرائيلي يوميا على صفحته من خلال مشاركة العرب أعيادهم الإسلامية والمسيحية واليهودية، والقيام بترديد أدعية “الصباح” والمساء” ومباركة يوم الجمعة ومشاركة جنود مسلمين في الجيش الإسرائيلي إفطار رمضان وغيرها من المناسبات الدينية. فهل “شالوم” يعكس رؤية “أفيخاي”؟ إذن: لا تلوموا الشعوب يوما إذا حيتكم هكذا: “شالوم”.