بدأ المستشار الألماني أولاف شولتس جولة خليجية، هي الأولى منذ توليه منصبه حيث يزور قطر اليوم. وينتظر أن تتناول محادثاته في الدوحة ملفات بارزة يتصدرها أمن الطاقة وتشمل أيضا أزمة أوكرانيا واعادة احياء الاتفاق النووي الإيراني. ووفقا للمتحدّث باسم المستشارية، شتيفن هيبشترايت، فإن شولتز الذي يقوم بجولته برفقة وفد من كبار ممثلي القطاعات الاقتصادية في ألمانيا يزور اليوم قطر والإمارات بعد زيارة السعودية. وحسب دويتشه فيله، قالت مصادر مقربة من المستشار الألماني: «سنتمم مقترحات طموحة، الزيارة ليست مجرد جولة تسوق للطاقة». ويرافق شولتس أحد عشر من قادة شركات كبرى، من بينها «إيرباص» و»تيسنكروب» و»سيمنز إنرجي». ومن أهم القضايا المطروحة في الجولة الخليجية، أزمة الطاقة وانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية والوضع في اليمن والملف النووي الإيراني وأجندة أعمال قمة مجموعة العشرين المنتظر عقدها في نوفمبر المقبل في جزيرة بالي الإندونيسية.
تحديات الطاقة
ترزح أوروبا وعلى رأسها ألمانيا، صاحبة أكبر اقتصاد في القارة، تحت ضغط أزمة طاقة مع وقف إمدادات النفط والغاز من روسيا والعقوبات المتبادلة بين موسكو والاتحاد الأوروبي. وسبق أن زار وزير الاقتصاد الألماني، في مارس، قطر بحثا عن بدائل للغاز الروسي الذي كان يشكل 55 بالمئة من واردات الغاز في ألمانيا قبل الحرب في أوكرانيا. وحذّر البنك المركزي الألماني من أن وضع الإمدادات بعد توقف الواردات من روسيا «سيكون صعبا للغاية في الأشهر المقبلة»، مشيرا إلى احتمال تسجيل انكماش في أكبر اقتصاد أوروبي. ويواجه المستهلكون والشركات فواتير مرتفعة مع اقتراب فصل الشتاء.
وقال تقرير دويتشه فيله: تتسابق أوروبا لإيجاد مصادر طاقة جديدة للتخلص من الغاز الروسي في أعقاب حرب أوكرانيا وتبدو قطر من أفضل الشركاء الذين تسعى ألمانيا للشراكة معهم في مجال الطاقة، خاصة بعد الصفقة العملاقة مع توتال الفرنسية التي ستستحوذ على 9.375 بالمئة في مشروع حقل الشمال الجنوبي وهو جزء من أكبر حقل غاز في العالم وقعت توتال بالفعل صفقة بقيمة 2 مليار دولار للمشاركة في حقل الشمال الشرقي، مما سيساعد الدوحة على زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي المسال بأكثر من 60٪. وذلك في خضم أزمة الطاقة الأوروبية على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا. كما سيتم الإعلان عن شركاء جدد في مرحلة لاحقة حيث يمكن للشركات الأجنبية امتلاك ما يصل إلى 25٪ من المشروع. وتقدر قطر للطاقة أن حقل الشمال يحتوي على حوالي 10٪ من احتياطيات الغاز الطبيعي المعروفة في العالم، والتي قد تستمر حتى 600 عام. ويسمح الحقل لقطر بأن تصبح واحدة من أكبر منتجي الغاز الطبيعي المسال في العالم، إلى جانب الولايات المتحدة وأستراليا.
تعزيز العلاقات
شهدت العلاقات الاقتصادية القطرية الألمانية نموًّا مطردًا خلال العقود الستة الماضية، لتصبح دولة قطر شريكًا اقتصاديًّا مهمًّا لألمانيا في المنطقة، مع ارتفاع حجم التبادل التجاري بينهما، وتنامي الأنشطة الاستثمارية في قطاعات عدة، والتي عززت جسور التعاون المتبادل، وفتحت نافذة للبحث عن فرص جديدة للشراكة. تربط بين البلدين عدد من الاتفاقيات الاقتصادية ومذكرات التفاهم، منها اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المتبادلة، وأخرى في المجالات الصناعية والتجارية والطيران المدني والنقل الجوي، إلى جانب اتفاقية إنشاء لجنة مشتركة للتعاون التجاري والاقتصادي والفني، والتي شهدت تنظيم العديد من الدورات على مدى السنوات الماضية.
كما ساهمت الزيارة التي قام بها حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية في مايو الماضي، في تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي، واستكشاف مجالات جديدة للتعاون والشراكات التجارية والاستثمارية بين البلدين، بما يعود بالنفع على شعبيهما الصديقين.
ودأبت اللجنة القطرية الألمانية المشتركة للتعاون الاقتصادي والتجاري والفني على دعم التعاون وتأكيد الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، وتوسيع حجم العلاقات الثنائية وتعزيزها من خلال إقامة شراكات طويلة الأمد. وشهدت العلاقات التجارية بين البلدين تطورًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، حيث تعتبر ألمانيا شريكًا تجاريًّا مهمًّا لدولة قطر، وقد حقق التبادل التجاري بين البلدين نموًّا بنسبة 75% في العام 2021، على الرغم من جائحة كورونا وتداعياتها على حركة التجارة العالمية، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي نحو 11.2 مليار ريال، مقابل 6.4 مليار ريال في العام 2020.
كما أن السوق القطرية جاذبة للشركات الألمانية، وهناك العديد من الفرص في مختلف القطاعات الاقتصادية، خصوصًا ما يتعلق بالصناعات التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة. وتعمل نحو 300 شركة ألمانية في قطر في قطاعات متنوعة كالتجارة والمقاولات والخدمات والشحن والأجهزة والمعدات الطبية وغيرها، إضافة إلى مشاركة شركات ألمانية في المشاريع الخاصة بالبنية التحتية، وكذلك في مشاريع كأس العالم. وفي مقابل ذلك، تعد ألمانيا وجهة رئيسية للاستثمارات القطرية في القارة الأوروبية، حيث يبلغ حجم استثمارات الدولة فيها نحو 25 مليار يورو، في قطاعات صناعة السيارات، والاتصالات، والضيافة والخدمات المصرفية، وغيرها من القطاعات وتمتلك دولة قطر حصصًا في أهمّ المجموعات التجارية والمصرفية، حيث تُعد أكبر مساهم في مجموعة /فولكس فاغن/ العملاقة لصناعة السيارات، بحصة تبلغ قيمتها 9 مليارات دولار أمريكي، وكذلك في /سيمنز/ وغيرها من الشركات الألمانية العاملة في مجال التكنولوجيا والشحن وصناعة الأدوية.