_نرجح السيناريو المعتدل في مواجهة فيروس كورونا لكن نستعد للسيناريو الأسوأ…
_إمكانية الانزلاق واردة في أي لحظة…
_عدد الإصابات الجديدة لا يجب أن يؤَوَل أو يفسر تفسيرًا خاطئًا
اجرت وكالة الاناضول حوارا مع وزير الصحة الدكتور عبد اللطيف المكي، وفي التالي فحوى الحوار، وفق ما جاء في موقع وكالة الاناضول:
رجّح وزير الصحة التونسي، الدكتور عبد اللطيف المكي، أن تواجه تونس سيناريو معتدلًا في مواجهة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، مشددًا على أنها تستعد في الوقت نفسه للسيناريو الأسوأ.
وقال المكي، في مقابلة مع الأناضول: “هناك هدوء في العدوى، وتأكدنا منه بالتجربة الأولى من استعمال الفحوص السريعة (الأسبوع الماضي ببعض المناطق)، وهي تحاليل تبحث عن الفيروس في الدم”.
وسجلت تونس، منذ السبت الماضي، تراجعًا في الإصابة بالفيروس، تراوحت بين إصابتين و17 إصابة.
وتابع المكي أن “الخطة التي رسمتها الوزارة آتت أُكُلها، وكذلك الخطة التي رسمتها رئاسة الحكومة آتت أُكُلها، فالاستراتيجية الوطنية لمقاومة الكورونا هي استراتيجية أفقية، فصحيح وزارة الصحة تلعب دورًا مهمًا، لكن الكثير من الوزارات، بما فيها رئاسة الحكومة، لها دور في تنفيذ وإنجاح هذه الخطة.”
وضع مطمئن.. ولكن
إلا أن المكي بدا غير مطمئن للأرقام بقوله: “لكن هذا لا يجب أن يؤَوَل أو يفسر تفسيرًا خاطئًا؛ فالإجراءات التي قمنا بها وعمليات التقصي واكتشاف الحالات المريضة وعزلها ونقلها إلى النزل أو المستشفيات للتقليل من منسوب العدوى أعطت نتيجة”.
واعتبر أن التصدي للفيروس “يشبه قيادة سيارة في طريق وعرة.. إمكانية الانزلاق واردة في أي لحظة.”
واعتبر أن هذه النتائج “مؤقتة، ويمكن أن تصبح دائمة إذا استمرّينا في تنفيذ استراتيجيتنا بالدقة والكفاءة اللازمة.”
حجر صحي موجه
أقرت تونس، منذ 22 مارس الماضي، حجرًا صحيًا شاملًا، وتم إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية، باستثناء رحلات إجلاء العالقين.
وقرر مجلس الأمن القومي، الأسبوع الماضي، اتباع سياسة الحجر الصحي الموجّه، أي السماح لبعض القطاعات بالعودة إلى النشاط الاقتصادي، وتخفيف إجراءات الحجر.
وقال المكي إن “الحجر الصحي الموجّه هو في اتجاه القطاعات والفئات والجهات التي تأتي منها الخطورة بأن تبقى في الحجر.”
وأردف: “لذلك نحن لم نقل برفع الحجر، بل قلنا الجحر الصحي الموجه، أي التركيز على تنفيذ الحجر لكل مصادر الخطر التي تجعل الوباء يعرف موجة ثانية.”
ورأى أنه “على الحكومة حُسن التخطيط بالدقة اللازمة، وقد تشكلت لجنة من عديد الوزارات للتخطيط لهذا التوجيه، والمواطن عليه الالتزام الذكي والحازم لما سيُطرح عليه من التزامات وسلوكيات، فلا نريد أن نحمي الناس من الكورونا ونتركهم يموتون بالجوع أو بأسباب أخرى .”
واستطرد: “فترة الحجر الموجه، التي تنطلق من الرابع من ماي القادم لا نعلم مدتها.. والأمر يمكن أن يُراجع، ويعود حجرًا صلبًا إذا رأينا مؤشرات إخلال أو رجوع”.
ودعا إلى “المحافظة على النتيجة التي تم تحقيقها إلى حد الآن، ولكن في نفس الوقت السماح للناس والبلاد أن تقضي بعض مصالحها”.
وأوضح أن “هناك شركات مهددة، فهي تصديرية وحرفاؤها (عملاؤها) يطلبون أشياءً (بضائع)، وهناك سنة دراسية يجب أن ننقذ منها المناظرات (الامتحانات)، مثل البكالوريا وامتحان التاسعة (التعليم الإعدادي) والسادسة (ابتدائي) وهناك سنة جامعية يجب أن تُنقذَ.”
استعداد لسيناريو أسوأ
تراجع مؤشرات انتشار الفيروس بتونس لم يجعل السلطات مطمئنة إلى انفراج نهائي.
وقال المكي: “منظمة الصحة العالمية ذكّرت الدول بأن مواجهة كورونا هي مسألة طويلة الأمد.”
وتابع: “الصين نفسها إلى حد الآن لم ترفع كل القيود؛ لأنها تخشى موجة ارتدادية.. نحن في سباق مسافات طويلة مع كورونا.”
ورأى أن “أي دولة تحترم نفسها، وتريد أن تبقي على المصداقية وتستثمر في الثقة بينها وبين شعبها، لابد أن تقرأ احتمالًا لأسوأ السيناريوهات، حتى وإن كان واردًا بنسبة 1 بالمائة.”
وتابع: “هكذا فعلنا، رغم أننا نرجح السيناريو المعتدل، لكن نستعد للسيناريو الأسوأ.. إن لم يحدث فلا مشكل، فالخسارة ستكون في المادة.. لكن لو لا قدر الله وتكون الصورة العكسية، لا نستعد ويحدث، تكون الخسارة في الأرواح والمعنويات”.
وفي سياق الاستعداد للسيناريو الأسوأ قال المكي: “هناك لجنة بالوزارة لإقامة المستشفيات الميدانية، والمستشفى الميداني بقاعة الرياضة بالمنزه (العاصمة تونس) هو من بواكير عملها، وستُنشئ مستشفيات أخرى استعدادًا للسيناريو الأسوأ، رغم ضعف نسبة وروده.”
احتكار المواد الطبية
أعرب العديد من المشتغلين بالقطاع الصحي عن مخاوفهم من عدم توفر المستلزمات الطبية لحماية الكوادر الصحية التي تتعامل مع مرضى “كورونا”.
لكن المكي قال إن المخاوف “زالت.. قمنا بالكثير من الاقتناءات (الشراء)، وهي تصل تباعًا ولم يعد مطروحًا سوى حسن استعمالها وفق مقاييس طبية، لكي لا يقع تبديد أموال”.
ولقطع الطريق على أية نزعة احتكارية محتملة، قال المكي: “تمّ احتكار السوق التونسية من هذه المنتجات لصالح الدولة ونقتنيها عبر الصيدلية المركزية (حكومية)، وتوزّع في مسالك رسمية عبر الوزارة، للقطاع العام والقطاع الخاص.”
وأردف: الدولة سعت إلى “عدم تحوّل مسألة مكافحة الكورونا، وخاصة المستلزمات، إلى مادة تجارية ربحية، أولًا خشية على نجاعة استراتيجية المواجهة، فالاختبار السريع عندما لا يستعمل بطريقة طبية يمكن أن يعطي آمالًا زائفة للمواطن أنه محمي من الكورونا، في حين أن القراءة لم تكن دقيقة، وثانيًا للحيلولة دون الاستغلال.”
نقائص بالخارطة الصحية
قال المكي إن وزارته تفكر في مسائل استراتيجية تهم نقائص المنظومة الصحية التونسية، وذلك بصورة موازية مع التصدي لكورونا”، وهذا العمل “لم يأخذ الحجم الكافي من الإعلان عنه”.
واضطرت السلطات التونسية إلى نقل مصابين بـ”كورونا” من مناطق داخلية عديدة لمئات الكيلومترات إلى مناطق شرقي البلد، لعدم توفر مؤسسات صحية قادرة على إيوائهم.
وأضاف: “هناك عمل لفتح الملفات الاستراتيجية في الوزارة بهدوء، ثم ستأخذ كل الاهتمام بعد إنجلاء موجة الكورونا، وإن كانت هذه الأزمة ستبقى وسنتعايش معها ونقاومها.”
وأوضح: “سنعطي الملفات الإصلاحية الأخرى الأهمية، فمن مزايا (جائحة) الكورونا أنها بينت أن قطاع الصحة هو قطاع استراتيجي يعاني، ولابد أن يجد الحظوة الكافية ليس فقط من حيث التمويل، بل من حيث الإصلاح وتطوير منظومات تقديم الخدمات الصحية، بل وحتى من حيث تطوير المفاهيم الصحية.”
سياسات دولية جديدة
حول التعاون الدولي في مكافحة “كورونا”، قال المكي: “في بداية مواجهة الأزمة كأن العالم أغمى عليه (فقد الوعي)، ونسي أننا ننتمي لنفس الإنسانية، وانشغل الكل بوضعه الوطني، لكن صارت صحوة، ونشطت الاتصالات والعلاقات والتشاور.”
وأضاف: “رغم اضطراب سوق التزود بالمواد الطبية، خاصة المواد المخبرية للتحليل، لكن العالم في النهاية رجع إلى ذاته، وبدأت الاتصالات.”
وعبّر المكي عن أمله في “أن يؤسس ما حصل لرؤية عالمية جديدة لإدخال مزيد من السياسات السلمية بالعالم”.
واعتبر أن “هذا الفيروس هو نوع من التهديد البيولوجي، وهو فيروس طبيعي، لكنه يعطينا فكرة عما يمكن أن تفعله الأسلحة البيولوجية وغيرها من المخاطر الموجودة، كالأسلحة النووية والمشاكل البيئية.”
ودعا المكي إلى “سياسات دولية تأمينية للعالم ضد هذه المخاطر الاستراتيجية، وأن تَضعف نزعات التوتر وخلق المشاكل واللامبالاة بالقضايا البيئية، ويشهد العالم مزيدًا من الأمان وتكون السياسات منتجة للأمان في إطار من التضامن الدولي”.
وسجلت تونس، حتى مساء الأحد، 949 إصابة بـ”كورونا”، توفى منهم 38، وتعافى 216، وإجمالًا أصيب مليونين و943 ألف شخص بالعالم، توفى منهم نحو 204 آلاف، وتعافى ما يزيد عن 842 ألفًا، وفق موقع “worldometer” المختص برصد ضحايا الفيروس. (وكالة الاناضول)