تم في مثل هذا اليوم 12 أوت 1961 اغتيال المناضل الوطني صالح بن يوسف في مدينة فرانكفورت الألمانية. وصالح بن يوسف هو أحد أبرز قادة الحركة الوطنية التونسية، تولى الأمانة العامة للحزب الحر الدستوري الجديد كما تولى وزارة العدل في حكومة محمد شنيق التفاوضية بين 1950 و1952. وعارض سنة 1955 الاستقلال الداخلي الذي قبل به بورقيبة مما أدى إلى حدوث صدام بينهما. أدى الخلاف إلى حدوث شرخ في الحزب الدستوري وإلى دخول أنصار الفريقين في صراع مفتوح. ورغم حصوله على تأييد جزء كبير من الإطارات الدستورية خسر بن يوسف صراع الزعامة ووقع فصله من الحزب. و اختار بن يوسف ابتداء من جانفي 1956 اللجوء إلى المنفى وتقرب من جمال عبد الناصر. وبعد إعلان الاستقلال في مارس 1956 والجمهورية في جويلية 1957 وابتعد بن يوسف عن البلاد ليقع في النهاية اغتياله في جوان 1961 في ألمانيا. وكان الأمين العام للحزب الدستوري الحرّ الذي قاد التيار المعارض للحبيب بورقيبة قبيل الاستقلال وبعده، وهو ما كلّفه مع أنصاره الملاحقات والتنكيل إلى غاية اغتياله في “جريمة دولة واضحة المعالم” كما وصفها التقرير الختامي لهيئة الحقيقة والكرامة. تفاصيل دقيقة لملاحقة صالح بن يوسف ذكر التقرير الختامي الذي أصدرته هيئة الحقيقة و الكرامة خلال الأشهر الأخيرة أن الأمين العام للحزب الدستوري الحرّ صالح بن يوسف قاد التيار المعارض للحبيب بورقيبة قبيل الاستقلال وبعده، وهو ما كلّفه مع أنصاره الملاحقات والتنكيل إلى غاية اغتياله في “جريمة دولة واضحة المعالم”، وفق وصف التقرير. التقرير ذكر أن الحبيب بورقيبة أخذ بعد 5 سنوات من توليه رئاسة البلاد وإبعاد مجموعة “اليوسفيين”، قرارًا باغتيال خصمه السياسي الأشدّ صالح بن يوسف وذلك لإسكات صوت معارض مقلق ولضمان التفرّد بالزعامة. وبحسب ذات التقرير، ان بورقيبة كلف وقتها فريقًا أمنيًا لتنفيذ مهمة اغتيال بن يوسف الذي كان في منفى اختياري بألمانيا. وفي تقريرها الختامي بينت هيئة الحقيقة و الكرامة جملة من المعطيات أسمتها بالأدلة والبراهين التي تؤكد ثبوت مسؤولية الرئيس الحبيب بورقيبة “بصورة لا لبس فيها” في اغتيال رفيق دربه السابق وخصمه اللاحق صالح بن يوسف، مشيرة إلى أن بورقيبة اتخذ قرار تصفية غريمه على إثر لقاء عاصف جمع بينهما بمدينة زيوريخ السويسرية يوم 2 مارس 1961. انتظم هذا اللقاء بقاعة النزل الذي يقيم فيه بورقيبة وذلك بسعي منه وبتنسيق مع مدير ديوانه البشير زرق العيون. وحضر هذا الاجتماع كل من وسيلة بورقيبة وعلالة العويتي وسفير تونس بسويسرا توفيق ترجمان، إضافة لعمر الشاذلي الطبيب الشخصي لبورقيبة. كما واكب الاجتماع عناصر من الأمن السويسري بطلب بن يوسف ضمانًا لسلامته. وقد احتد النقاش في هذا الاجتماع اذ استنكر بورقيبة إحضار الأمن السويسري ورفض مصافحة بن يوسف، واتهمه بمحاولة اغتياله بواسطة مسدس كاتم للصوت أو بالسم مستدلًا برسالة أرسلها بن يوسف إلى الصادق بن حمزة استفسره فيها عن إفشائه للأمر. وانتهى اللقاء بعد تشنج بمغادرة بن يوسف بطلب من بورقيبة. كوّن بورقيبة وبإيعاز من وزير الداخلية وقتها الطيب المهيري فريق الاغتيال مكلفًا مدير ديوانه ورئيس حرسه البشير زرق العيون، ابن خالة بن يوسف، بالإشراف على المهمة. وقد ورد على لسان بورقيبة في محاضرة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار بتاريخ 15 ديسمبر 1973 وقائع عملية الاغتيال بطريقته مصرحًا أن مدير ديوانه وقائد حرسه الرئاسي البشير زرق العيون مكث بسويسرا ولم يدخل إلى ألمانيا وأنه أشار على المنفذين الإثنين بالمغادرة على أول طائرة نحو أي وجهة. وقالت الهيئة إن دقة التفاصيل المعروضة وكيف صوّب أحد المنفذين مسدسه إلى أذن الضحية وخرجا وأقفلا الباب تتطابق مع التحقيقات الألمانية ومع ما جاء بشهادة صوفية بن صالح أرملة المغدور، وهو ما يؤكد مواكبته لعملية الاغتيال وإعلامه من طرف المنفذين بتلك التفاصيل. وأضاف بورقيبة في محاضرته أنه طلب من شخص يُدعى حسن بن عبد العزيز الورداني بإحضار القاتلين لتوسيمهما مكافأة لهما عما قاموا به لتخليص تونس من “الحية الرقطاء”. وأكدت الهيئة أنه ثبت فعلًا أن بورقيبة قامت بتوسيم القاتلين وهما عبد الله بن مبروك ومحمد بن خليفة محرز بوسام الاستقلال عام 1974 بمناسبة الذكرى الأربعين لانبعاث الحزب الدستوري الحر. كما قام بمكافأة المشرف الميداني زرق العيون بالصنف الأكبر من وسام الجمهورية، وكذلك توسيم الأمني محمد الرزقي الذي اخترق تنظيم الأمانة العامة وفي استدراج صالح بن يوسف وذلك بمنح الرزقي و6 عناصر في وزارة الداخلية الصنف الثاني من وسام الاستقلال بمناسبة عيد الجمهورية عام 1974 أيضًا. كانت هذه المحاضرة اعترافًا صريحًا من بورقيبة بوقوفه وراء الاغتيال وهو ما دفع السلطات لحذف الفقرات المتعلقة بالعزم بمكافأة القتلة من النسخة الكتابية والسمعية البصرية للمحاضرة من جميع التسجيلات ومن الطبعات المتتالية للمؤلف الذي أعدته وزارة الإعلام لتوثيق المحاضرة. وثبت أيضًا أن السلط الألمانية انتهت بختم الأبحاث اللازمة في واقعة الاغتيال بتوصية من سفارة ألمانيا بتونس التي أكدت على دور البشير زرق العيون في المحيط الضيق لبورقيبة وعليه من غير الموصى به إصدار بطاقة إيقاف بحقه ذلك أن تتبعه من شأنه توريط رئيس البلاد نفسه وهو ما يعني إفساد العلاقات التونسية الألمانية. ولم يقم بورقيبة، في الأثناء، بالمطالبة بجلب جثة بن يوسف أو بفتح تحقيق قضائي حول واقعة اغتياله وهو ما يمثل دليلًا آخر على تورط الدولة في عملية التصفية. تركيبة فريق الاغتيال ثبت وقوف مجموعة تتكوّن من 5 أفراد أشرفت ونفّذت على عملية الاغتيال يقودها البشير زرق العيون وهو مدير ديوان الحبيب بورقيبة وقائد حرسه الرئاسي، وأثبتت التحقيقات الألمانية والسويسرية وجود “أدلة قاطعة” بأن زرق العيون، الذي هو للمفارقة ابن خالة بن يوسف، هو المشرف الرئيسي على كافة تفاصيل عملية تصفية ابن خالته.
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق
-
راشد الغنوشي: رئيس الجمهورية قاد انقلابا على الثورة!!25 يوليو، 2021