ثقافة

المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون في دورته الـ25: منصة للإبداع الإعلامي وتعزيز الهوية الثقافية العربية

في قلب العاصمة التونسية، وعلى مسرح قرطاج الروماني الذي يعد واحداً من أبرز المعالم الثقافية في العالم العربي، افتُتحت مساء يوم الإثنين 23 يونيو 2025 الدورة الخامسة والعشرون من المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون. هذا المهرجان الذي يُعتبر من أرقى الفعاليات الإعلامية في المنطقة، يعود هذا العام ليجمع بين قاعات النقاش والتكنولوجيا الحديثة، مبرهنًا على قدرة الإعلام العربي على التأقلم مع المستجدات العالمية، وفي الوقت نفسه تعزيز هويته الثقافية المشتركة.

دورة جديدة تتسم بالإبداع والابتكار

تعتبر دورة هذا العام بمثابة نقطة تحول جديدة في مسار المهرجان، حيث ارتفع سقف التوقعات مع التطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها القطاع الإعلامي العربي. هذه التغيرات لم تقتصر فقط على المحتوى الإعلامي بل شملت أيضًا البُنى التحتية، والتقنيات الجديدة في الإنتاج، والتوزيع، مما يعكس السعي المتواصل من قبل المهرجان لتحقيق نقلة نوعية في تطوير الإعلام العربي وتوجيهه نحو مستقبل أكثر مرونة وإبداعًا.

وبجانب ذلك، فإن المهرجان يُعدّ مزيجًا من الفعاليات التي تُغطي العديد من المجالات الإبداعية والفنية، بداية من الاحتفالات الفنية مرورًا بـ المسابقات الإعلامية، وصولاً إلى المعارض التكنولوجية التي تعرض آخر ما توصلت إليه صناعة الإعلام من أدوات وتقنيات.

حضور كبير… وصابر الرباعي يفتتح الدورة

حفل الافتتاح، الذي جرى في المسرح الروماني بقرطاج، كان مناسبة ثقافية وفنية استثنائية، شارك فيها الفنان التونسي صابر الرباعي، الذي قدم حفلاً موسيقيًا متنوعًا استعرض فيه أجمل أغانيه القديمة والجديدة. لكن الأبرز في الحفل كان تفاعل الجمهور الكبير مع أغنية التراث الفلسطيني التي أداها الرباعي، وهو ما أضاف عمقًا وجدانيًا للأمسية وأعطى رسالة عن وحدة العرب في مواجهة التحديات الكبرى.

إلى جانب الرباعي، حضر حفل الافتتاح وزيرة الشؤون الثقافية التونسية أمينة الصرارفي، و رئيس اتحاد إذاعات الدول العربية محمد بن فهد الحارثي، فضلاً عن عدد من سفراء الدول العربية في تونس، وفنانين عرب وإعلاميين وصحفيين من مختلف أنحاء العالم العربي، مما عزز من روح الوحدة العربية في هذه الفعالية الكبرى.

تكريم أبرز الأسماء في الإعلام والفن العربي

إحدى اللحظات البارزة في حفل الافتتاح كانت لحظة تكريم نخبة من النجوم العرب في مجال الإعلام والفن. شمل التكريم عددًا من الشخصيات اللامعة التي قدمت إسهامات كبيرة في مجالاتهم، على غرار الإعلامية التونسية دنيا الشاوش، الممثلة المصرية مي عمر، الفنان المصري حمادة هلال، والممثلة اللبنانية جوليا قصار، بالإضافة إلى الإعلامية الجزائرية رانيا سيروتي، المخرجة والممثلة الأردنية رانيا إسماعيل، و الإعلامية اليمنية سونيا المريسي.

هذا التكريم يعكس القيمة الكبيرة التي يوليها المهرجان للـ عطاءات الإعلاميين والفنانين العرب الذين أسهموا في رفع مستوى الإنتاج الثقافي والإعلامي العربي، وشكلوا جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية المشتركة للأمة العربية.

المعارض… تبادل الخبرات بين الإعلاميين والمبدعين

من بين أبرز أنشطة الدورة الخامسة والعشرين، يتميز معرض الأسبو للإذاعة والتلفزيون بتوفير فرصة لعرض أحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا الإنتاج الإعلامي. هذا المعرض يضم 80 عارضًا موزعين على 100 جناح، مما يعكس التنوع الكبير في المشاركة من قبل شركات الإنتاج، والإذاعات، والتلفزيونات المحلية والعالمية. كما يتيح الفرصة للمؤسسات الإعلامية والمهنيين للتبادل المعرفي والمشاركة في ورشات عمل حول التقنيات الحديثة في مجالات الإنتاج الإعلامي، البث الرقمي، و البرمجة الإلكترونية.

هذا المعرض لا يعد فقط منبرًا للتكنولوجيا، بل هو بمثابة جسر تواصل بين الإعلاميين والفنانين العرب من جهة وبين الابتكارات التكنولوجية من جهة أخرى، وهو ما يعزز التعاون بين الدول العربية في مجال الإعلام والاتصال.

المسابقات الإعلامية: رفع مستوى الإنتاج العربي

تعكس المسابقات الإعلامية التي يُنظمها المهرجان طموحات اتحاد إذاعات الدول العربية في تحفيز الإبداع، وزيادة جودة الإنتاج في المجالين التلفزيوني والإذاعي. يتوزع المهرجان على عدة مسابقات تشمل:

  • المسابقة التلفزيونية: والتي تضم فئات رئيسية وموازية، حيث يتم تكريم أفضل البرامج والأخبار التلفزيونية المنتجة من قبل الهيئات الأعضاء، وكذلك الشبكات التلفزيونية الخاصة.

  • المسابقة الإذاعية: التي تتضمن مسابقتين رئيسيتين تركز على البرامج والأخبار الإذاعية العربية، بمشاركة المحطات الإذاعية وشركات الإنتاج المحلية والدولية.

  • مسابقة الإعلام الجديد: والتي تُعنى بالمحتوى الرقمي وتوزيعه عبر المنصات الرقمية، وتعتبر إحدى الإضافات الجديدة التي تعكس التوجه المتزايد نحو المحتوى الرقمي في عالم الإعلام.

هذه المسابقات لا تقتصر فقط على التنافس الفني والإبداعي، بل هي أيضًا مناسبة لتسليط الضوء على الاتجاهات المبتكرة في صناعة الإعلام، وتحفيز المبدعين العرب على تقديم محتوى يعكس هوية الأمة العربية ويحترم التنوع الثقافي داخلها.

دورة الـ25: خطوة نحو المستقبل

الدورة الخامسة والعشرون من المهرجان العربي للإذاعة والتلفزيون تمثل نقطة تحول رئيسية في مسار الإعلام العربي. فمن خلال الأنشطة المتنوعة التي تشمل الاحتفالات الفنية، التكريمات، المسابقات، وورشات العمل، يُثبت المهرجان مرارًا وتكرارًا أنه لا يعد فقط منصة لعرض الأعمال الإعلامية، بل هو منبر رئيسي لدعم وتطوير الإعلام العربي في مواجهة التحديات المعاصرة.

إضافة إلى ذلك، المهرجان يمثل رؤية استراتيجية لمستقبل الإعلام العربي، بحيث يجمع بين الإبداع الفني و التكنولوجيا الحديثة في إطار التعاون والتكامل بين الدول العربية. ويهدف إلى الحفاظ على الهوية الثقافية العربية وتعزيزها في عصر العولمة والتقنيات الرقمية.

يتوقع أن تُختتم فعاليات المهرجان بحفل فني يكرم أفضل الأعمال في مختلف المسابقات الإعلامية، ويُحتفل بالفائزين في جو من البهجة والاحترافية. الدورة الخامسة والعشرون، إذًا، ليست مجرد حدث عابر، بل هي مؤتمر إعلامي وثقافي يرسخ فكر التعاون العربي، ويحفز التطوير المستدام في صناعة الإعلام العربي.

ملاك الشوشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى