صدر في تونس عن دار عليسة للنشر كتاب “أطياف العجائبي: من الأفق السرديّ إلى الأفق الثقافيّ” للباحث التونسي الدكتور علي السياري، وورد الكتاب في 432 صفحة.
وقد تناول الباحث في هذا الكتاب موضوعا نقديّا طريفا كثيرا ما شغل النقاد في الغرب وفي العالم العربي وهو العجائبي.
وتكمن الإضافة الواضحة لهذا البحث المتميّز في تقديمه لفهم جديد للعجائبي ولقراءة معمّقة للتحوّلات التي طرأت على المفهوم في علاقتها بنظريّات الأدب وفي علاقتها بالمقاربات الفلسفيّة لقضيّة العقليّ والتخييليّ في الأدب قديما وحديثا، كما أنّه نظر إلى زوايا أهملها النقاد فحاول إضاءتها عبر منهجيّة صارمة في البحث تجمع بين النظري والتطبيقي.
وقد تألّف كتاب “أطياف العجائبي: من الأفق السرديّ إلى الأفق الثقافيّ” من أبواب ثلاثة. أمّا الأوّل فعوانه: “هيرمينوطيقا العجائبي”، ويحتوي على فصلين اثنين، عنوان الأوّل هو “العجائبيّ من منظور النقد الغربي”، وعنوان الفصل الثاني هو “العجائبيّ من منظور النقد العربي”.
وأمّا الباب الثاني فعنوانه: “شعريّة العجائبي”، وهو مقسّم إلى ثلاثة فصول، الأوّل عنوانه “عتبات الكتابة واللغة الروائيّة”، والثاني عنوانه “خصائص الحكاية في السرد العجائبي”، والفصل الثالث عنوانه “الخطاب القصصي العجائبي”.
وأمّا الباب الثالث فعنوانه “العجائبي والثقافة: نحو منظور جديد”، وهو مقسّم إلى فصلين، عنوان الأوّل هو “روافد العجائبي في المخيال الروائي المغاربي”، وعنوان الفصل الثاني هو “جماليّات تلقّي العجائبي”.
وقد اعتمد الباحث على مدوّنة سرديّة لمصادر بحثه، وهي تضمّ عشر روايات عربيّة تمّ اختيارها بدقّة ووفق شكل يستجيب لأهداف البحث.
واعتمد أيضا على مراجع مهمّة صدر أغلبها في السنوات الأخيرة وهو ما جعل البحث مواكبا للموضوع النقدي الذي يشتغل عليه.
وممّا جاء في هذا البحث هو أنّ “العجائبيّ مجال منفلت عن التحديد حيث يصعب تلمّس كلّ جوانبه، ولذلك يعدّ مفهوما مرنا قابلا للتحوّل، وقابلا، أيضا، للفهم والمقاربة من عدّة أوجه”.
وكذلك جاء في الكتاب أنّ الروايات المدروسة في البحث استفادت في تشييد عوالمها السردية العجائبيّة وفي ابتناء شعريّتها من انفتاحها على مخيال عربيّ إسلامي غنيّ بالموروث الشعبي والديني والأسطوري، وزاخر بالخارق واللامألوف واللامعقول، حيث نهلت منه ووظّفته وفق طرائق متعدّدة، حيث إنّ هذا الموروث كان، في مجمله، مهملا ومُلقى في درجات متدنّية من الاهتمام بسبب المكائد الثقافية التي تعرّض إليها، وبسبب “المؤامرات” التي حاكتها ضدّه الثقافة العربية الإسلامية المتمركزة على سلطة الفقهيّ والنخبويّ.
وممّا انتهى إليه الناقد أيضا في هذا الكتاب هو أنّ الميل أصبح واضحا في السرد العجائبي الحديث إلى حصر العجائبيّ في الغرابة المقلقة (وفق المفهوم الذي قدّمه لها سيقموند فرويد). وهذه الغرابة المقلقة هي مجال من مجالات العجائبيّ ومفهوم من المفاهيم المجاورة له والمتاخمة لحدوده. والغرابة، كما قال فرويد، هي “مجال يتعلّق بكلّ ما يثير القلق والهلع والرّعب، ويبعث عليه”.
ويرى الباحث أنّ الطرافة باتت تكمن في أنّ ما يبعث على هذه المشاعر الإنسانيّة لم يعد منحصرا، فقط، في ما وراء الطبيعة وما فوق طاقة العقل وما هو منفلت عن حدود المنطق والإدراك العقلي مثل مصّاصي الدماء والكائنات اللاّمرئيّة والسعالى والغيلان والأحصنة المجنّحة وبساط الريح والسندباد البحري والمصباح السحري كما هو الأمر في العجائبي الكلاسيكي سواء في الآداب الغربيّة أو في الأدب العربي القديم (خاصة من خلال “ألف ليلة وليلة”)، بل إنّ ما يبعث على الذّعر والقلق والخوف، أي على الغرابة المقلقة، بات متّصلا، اتّصالا شديدا، بما هو قابل للتفسير المنطقي والعقلي، ولكنّه يستعصي على الفهم، ويظلّ محتفظا بأسراره المبهمة ورموزه وألغازه وشيفراته المعقّدة والمتشابكة حدّ الاستعصاء على فكّها.
ولذلك، يرى الباحث أنّ الرواية العجائبيّة، وهي تشيّد عوالمها السرديّة وتبنيها، باتت غير محتاجة إلى استدعاء ما هو خارج عن دائرة الواقع والطبيعة والعقل والوجود لإنتاج الغرابة لأنّها حقّقت اكتفاءها من غرابة ما هو داخل تلك الدائرة.