بمناسبة الاحتفال بالعيد الوطني الفرنسي، نُظم حفل يوم 14جويلية 2023 بمقر سفير فرنسا، و ذلك بحضور وزير الخاجية، نبيل عمار، وزير الاقتصاد والتخطيط، سمير سعيّد، أعضاء السلكين الدبلوماسي والقنصلي، النواب، الجالية الفرانسية في تونس، ممثلي المجتمع المدني والثقافة والإعلام، رجال وسيدات الأعمال في تونس والعديد من الشخصيات الأخرى.
أمنت هذا الحفل اكثر من ثلاثون مؤسسة راعية لتتعدد المأكولات والمشروبات، مثل الشركة الفرنسية لتصنيع السيارات “بيجو” التي عرضت إحدى سياراتها في مدخل الحديقة، كما حضرت بعض المؤسسات ليعرضوا منتجاتهم من النبيذ الفاخر إلى جانب حضور مؤسسات اخرى مختصة مثلا في بيع المثلاجات والقهوة.
عرف مقر إقامة السفير الفرنسي أجواء احتفالية، حيث تجمع عدد كبير من الضيوف على الرصيف قبل أن يمروا أمام نقطة التفتيش الأمني، وارتدى الحضور أبهى حللهم لاحياء هذه السهرة. يشهد هذا الحفل لأكثر من قرن ونصف من العلاقات التي توحد فرنسا وتونس. حيث تم تحقيق نجاح في عدد الحضور وهذا مقياس للعلاقات التي تجمع البلدين الذي يعتبر مطمئنا.
وبهذه المناسبة ، ألقى السفير الفرنسي بتونس، أندريه باران، خطابه حيث شكر الحضور على قدومهم للاحتفال معه بالعيد الوطني.
وأشار إلى أن “تاريخ 14 جويلية يرمز لكل فرنسي وكل فرنسية، إلى وحدة أمتنا وبناء تاريخنا وهويتنا“، قبل أن يضيف أن “ما يمثله هو ملك للجميع، القيم التي يحملها وشعارنا الوطني” أي “الحرية والمساواة والأخوة وكذلك الديمقراطية وحقوق الإنسان، قيم عالمية“. هذه القيم هي في صميم إلهام جميع الرجال والنساء أينما كانوا وبغض النظر عن وضعهم الاجتماعي أو لونهم أو دينهم.
بتأثر كبير، تحدث عن إقامته التي دامت ثلاث سنوات في تونس معربا عن شكره لجميع من ساندوه. “سيبقى بلا شك، أيها الأصدقاء التونسيون الأعزاء، لحظة مهمة بشكل خاص في حياتي المهنية. سأحتفظ بذكريات جميلة عن ترحيبكم، وكرم ضيافتكم وصداقتكم.
شكراً للذين ساعدوني في اكتشاف هذا البلد الجميل وتقاليده وثقافته.
شكراً لكل من علمني من خلال التبادلات ووجبات الطعام المشتركة ورحلاتنا التعرف عليه بشكل أفضل وفهمه بشكل أفضل.
شكراً لجميع المسؤولين وممثلي المجتمع المدني والمواطنين الذين ساندوني في مهمتي في خدمة الصداقة بين بلدينا وشعبينا“.
كما أشار إلى بعض النقاط القوية بين تونس وفرنسا. وبالفعل فإن “نصف التونسيين المقيمين بالخارج يعيشون في فرنسا ويساهمون في ازدهارها وكثير منهم حصلوا على الجنسية. ما يقرب 60٪ من الطلاب التونسيين الأجانب يدرسون في فرنسا و 60٪ من تأشيرات شنغن فهي صادرة من القنصلية العامة الفرنسية بتونس“. كما تابع” بأن تونس تحقق فائضًا تجاريًا رئيسيًا مع فرنسا، فقد ساهمت الشركات الفرنسية في عام 2022 في جذب الاستثمار الأجنبي إلى تونس“.
وفي السياق ذاته، شدد على أهمية استمرار هذا التعاون “مع الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، سيتواصل تطوير البلاد من خلال المشاريع التي تنفذها الوكالة الفرنسية للتنمية“، ثم واصل “لدعم الإصلاحات التي ستقررها السلطات التونسية لاستعادة توازن المالية العمومية وإعادة إرساء أسس نمو قوي ومستدام. وستدعم من خلالهم، في إطار مقاربة عالمية، جهود تونس لتعزيز مراقبة حدودها ومكافحة الاتجار الإجرامي في ضل احترام إنساني دولي“.
في خضم هذه الأوقات العصيبة (ازمة كوفيد، تداعيات العدوان الروسي على أوكرانيا)، اعتبر السفير أن تونس أثبتت شجاعتها وذكائها مرات عديدة في تاريخها.
وتابع: “يمكنكم الاعتماد على شباب بارع، مدرب جيداً ورائع. يمكنكم أيضًا الاعتماد على مجتمع مدني ديناميكي يهتم بالشؤون العامة. يمكنكم الاعتماد على شركاء موثوق بهم“. فبالنسبة له، من خلال هذه الأدوات والمحافظة على تفردها، وتسامحها، وكرم ضيافتها، وانفتاحها على الآخرين، وتمسكها بالحقوق والحريات، فإن تونس “ستكون قادرة على أن تجد طريق النجاح والازدهار“.
وبالنيابة عن الحكومة التونسية، أعرب عمار عن أحر التهاني وأطيب التمنيات بمناسبة العيد الوطني ولكل أبناء الوطن، متمنيا لهم المزيد من الازدهار والاستقرار والتقدم المستمر. وأشار إلى أن “14جويلية هو تاريخ يرمز إلى الثورة الفرنسية، التي تجاوز نطاقها حدود بلدك والقارة الأوروبية. إن ضخامة الرسائل التي حملتها ثورة شعبك عززت إلى حد كبير مكانة ومساهمة فرنسا في مسيرة العالم. وهذا بطبيعة الحال، يجعلني أفكر في الطابع العالمي لرسالة الشعب التونسي طوال تاريخه في السعي من أجل حياة كريمة وحرة“.
وأضاف: “بالنسبة لأولئك الذين عاشوا على أرضها دائمًا، ومن ينضمون إليها بالذكاء والمرونة والصمود ولكن دون تنازل أو عنف، فإننا فخورين في تونس بأن نكون هذه الأرض المغذية التي تدمج وتجمع على أفضل وجه جميع اختلافات المنشا، والتي هي بمثابة الكثير من الثروات المتنوعة التي تضاف وتتضاعف فيما بينها“.
ووفقا له، يجب أن نعمل بلا كلل حتى يشعر مزدوجو الجنسية، أبناء البلدين في نفس الوقت، بالحماية والدعم لأن عددًا كبيرًا منهم قدم الكثير للبلدين في جميع المجالات وفي جميع الأوقات. العلاقات الثنائية بين تونس وفرنسا تاريخية، مكثفة ومتنوعة، مع إمكانيات قوية في قطاعات المستقبل، حتى أكثر مما كانت عليه في الماضي.
كما اعتبر أن “نوعية التفاهم والتبادلات بين الرئيسين، سعيد وماكرون، تشكل حافزا هائلا لهذه العلاقات بين بلدينا والتي تتعاون أيضا بشكل مكثف وناجح على الساحة الدولية في مختلف المحافل لمواجهة التحديات الكبيرة التي لا يمكننا مواجهتها إلا سويا أو من قبل مجموعات من الدول المتحدة“.
كما عرج الوزير على زيارة العمل الأخيرة التي قام بها إلى فرنسا. وأضاف أنه رأى التزاما قويا وصادقا من أجل رفع العلاقات الثنائية ولا سيما على المستويين الثقافي والاقتصادي إلى مستوى أعلى. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر دور فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي، شريك استراتيجي آخر لتونس، مهمًا جدًا لتحقيق الأهداف المشتركة وتعزيز العلاقات على المستوى الثنائي.
وفي الاخير، ختم حديثه بهذه الجمل:
“يوم 14جويلية سعيد لجميع أصدقائنا الفرنسيين!
تعيش الصداقة والتعاون التونسي الفرنسي!
ولك مني كل أطيب تمنياتي لبقية أنشطتك المهنية والشخصية!“
و يعتبر يوم 14 جويلية يومٌ توحّدت فيه قوى الشعب الفرنسي. فمنذ عام 1880، يحتفي الفرنسيون بهذا اليوم، منذ أن أقرّته الجمهورية الثالثة عيدا وطنيا حيث يرافقه استعراض عسكري وألعاب نارية واحتفالات شعبية. لكن الجميع يعلم أن هذا اليوم يصادف ذكرى استيلاء الشعب على سجن الباستيل عام 1789، “يوم الباستيل” كما يطلق عليه في بعض البلدان. وهو يشكل كذلك صدى لعيد الفيدرالية عام 1790، ويحمل بين طيات أحداثه جميع معاني “المصالحة الوطنية”. حيث جمع الرجال والنساء الفرنسيين حول مآدب المواطنين. كان الهدف الاحتفال بالوئام والوحدة الوطنية. ومع مرور السنوات زادت وتيرة الاحتفال بهذا اليوم في المدارس والبلديات وسط تدشين نُصب الجمهورية وقرع الأجراس وتزيين البلاد وإطلاق الألعاب النارية وإقامة العروض العسكرية في قلب باريس وفي مختلف أنحاء فرنسا. وجرت العادة أن يكون الإستعراض العسكري في باريس، مكونا من وحدات مترجّلة وراكبة ووحدات على دراجات نارية وأخرى جوية والجميع يسير على طول جادة الشانزليزيه، من ساحة شارل ديغول إلى ميدان الكونكورد حيث يقدم العسكريون التحية لرئيس الجمهورية وحكومته وكبار وأهم رجال الدولة، بالإضافة إلى أعضاء السلك الدبلوماسي والضيوف السياسيين الأجانب. كما تقام في نفس اليوم مجموعة إستعراضات متفرقة من قبل قوات عسكرية جهوية في بعض المدن التي تحتوي قواعد عسكرية مثل تولون وبلفور ونيم وغيرها. وأصبح إستعراض 14جويلية العسكري رمزا للجيش الوطني المنتمي للشعب وجزءا من الاحتفال بذكريات مشتركة وآمال جماعية، وتمجيدا لحدث تاريخي تتلألأ فيه السماء بأنوار انتصارات الشعب. كما تعتبر فرصة يتجمع فيها المواطنون حول شعار الجمهورية “حرية، إخاء، مساواة”. حيث يلتقي الرجال والنساء الفرنسيون مع أصدقائهم من جميع الجنسيات، في كل مكان في فرنسا وحول العالم، للاحتفال معًا “بإيقاظ الحرية”.
في العادة، يتيح حفل العيد الوطني فرصة اكتشاف الموسيقى والثقافة الفرنسية. حيث كان هنالك حشد على حلبة الرقص في ركن الحديقة. كما استمتع الحضور بهذه الاجواء و بالماكولات الشهية و كذك بمجموعة متنوعة من المشروبات ذو الذوق الرفيع.
ملاك الشوشي