دعت حركة النهضة رئيس الحكومة المكلّف، الحبيب الجمَلي، إلى «مراجعة» الأسماء التي اقترحها داخل التشكيلة الحكومية الجديدة، فيما أبدت الرئاسة التونسية «تحفّظها» على بعض الأسماء، في حين رجح مراقبون مرور سيناريو «حكومة الرئيس» في حال لم يقم الجملي بالتعديلات المطلوبة مع استمرار الانقسام داخل الكُتل البرلمانية حول التركيبة الحكومية الجديدة، والتي سيتم عرضها على جلسة منح الثقة نهاية الأسبوع الحالي. وكان مكتب البرلمان قرّر عقد جلسة عامة يوم الجمعة 10 جانفي لعرض التشكيلة الحكومية التي اقترحها الحبيب الجملي من أجل نيل ثقة البرلمان. حيث تحتاج للحصول على ثقة 109 نواب (الأغلبية المكلفة) كي تتمكن من ممارسة عملها. وفي بيان أصدره دعا مجلس شورى حركة النهضة، جميع الكتل البرلمانية إلى منح الثقة لصالح حكومة الحبيب الجملي «مع تسجيل التحفظ على خيار استبعاد الكفاءات الحزبية واقتراح بعض الشخصيات التي لا تستجيب لانتظارات الكثير من التونسيين». كما دعا المجلس رئيس الحكومة المكلف إلى «تكثيف مشاوراته مع مختلف الكتل البرلمانيّة وكافة أعضاء مجلس نواب الشعب لتوفير الحزام السياسي الضروري للحكومة وضمان الانطلاقة المناسبة لها»، مشيراً إلى أن دعم الحركة للحكومة ولأعضائها «مرتبط بمقدرتها على الوفاء بمقتضيات الدستور وإنفاذ الإصلاحات الضرورّية ومكافحة الفساد والفقر وإعطاء الأولوّية للتشغيل والتنمية الجهويّة تحقيقاً لأهداف الثورة». وقال رئيس المجلس، عبد الكريم الهاروني، إن الحبيب الجملي «خرج عن سياسة النهضة لكنه لم يتمرد عليها»، مشيراً إلى أن الحركة ستطلب من الجملي مراجعة بعض الأسماء قبل موعد جلسة منح الثقة في البرلمان، في إطار ما يسمح به الدستور. فيما أكد رئيس البرلمان وحركة النهضة، راشد الغنوشي، أن حكومة الجملي هي «حكومة سياسية وليست حكومة تكنوقراط»، مشيراً إلى أنه يمكن تعديل تشكيلة الحكومة، و»ما دامت القائمة لم تقدم بعد إلى الجلسة العامة فالأمر يبقى متاحاً وممكناً». ولا يتضمن الدستور نصاً واضحاً حول إمكانية تعديل أسماء التشكيلة الحكومية من عدمها قبل عرضها على البرلمان، حيث ينص الفصل 89 على أن «تعرض الحكومة موجز برنامج عملها على مجلس نواب الشعب لنيل ثقة المجلس بالأغلبية المطلقة لأعضائه. عند نيل الحكومة ثقة المجلس يتولى رئيس الجمهورية فوراً تسمية رئيس الحكومة وأعضائها». وأشارت رشيدة النيفر، المستشارة الإعلامية، إلى أن رئيس الحكومة المكلف، الحبيب الجملي، لم يسلّم الرئيس قيس سعيّد القائمة النهائية لتشكيلته الحكومية «وكان هناك نوع من الضبابية في ما يخص هذه التركيبة». كما أشارت إلى أن الرئيس سعيّد طلب تغيير بعض الأسماء، لكن الجملي لم يستجب لهذا الأمر. إلا أن الجملي نفى وجود «اعتراض» من قبل الرئيس التونسي على بعض الأسماء داخل تشكيلته الحكومية، مشيراً إلى أن سعيد «قبِل» التشكيلة الحكومية التي قدمها له، ثم أحالها على رئيس البرلمان. وكان سعيّد التقى رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، وسلّمه قائمة أعضاء الحكومة المقترحة، ودعاه لتحديد موعد لجلسة خاصة من أجل منحها ثقة البرلمان. فيما أعلن حزب قلب تونس عن تأجيل اجتماع كان مخصصاً لاتخاذ قرار حول منح الثقة لحكومة الجملي من عدمه، حيث أكد النائب عن الحزب، عياض اللومي، أن الوقت «ما زال مبكّراً» لاتخاذ قرار حول هذا الأمر، في إشارة إلى إمكانية التشاور مجدداً مع حركة النهضة بخصوص منح الثقة للحكومة الجديدة. وكان القيادي في الحزب، حاتم المليكي، قال، إن الحزب سيساند الحكومة إذا اتخذت محاربة الفقر أولوية في عملها، فضلاً عن التركيز على مشكلات القطاع الاقتصادي والمرفق العمومي، ومحاربة سوء الإدارة والفساد وسوء توزيع الثروات. فيما بدا ائتلاف الكرامة متردداً حول التصويت لصالح الحكومة في البرلمان، حيث دون رئيس كتلته، سيف الدين مخلوف، على موقع «فيسبوك»: «إذا صوتنا لصالح الحكومة سيقولون إننا خونة للثورة ولوعودنا الانتخابية، وإننا بعنا القضية وقد اشترانا نبيل القروي. وإذا صوتنا ضدها، سيقولون إننا السبب في سقوط الحكومة وفي ضياع مصالح التونسيين وفي الأزمة السياسية والاجتماعية التي سيتسبب فيها بقاء الدولة بلا حكومة، وسيتم اتهامنا بالعبثية وعدم المسؤولية، وإذا صوتنا جزئياً (مع وضد) فسنكون –بنظرهم- تابعين لحركة النهضة ونتلقى التعليمات من مونبليزير (مقر الحركة). اللهم ألهمنا رشداً من عندك وثباتاً عند الاختيار، تقينا بهما من كل زلل وتحفظنا بهما من كيد البعيد وقسوة القريب». هذه المواقف المتناقضة داخل الكتل البرلمانية دفعت عدداً من المحللين والمراقبين إلى ترجيح كفّة «حكومة الرئيس»، في حال لم يوافق رئيس الحكومة المكلف على تعديل تركيبته الحكومية، حيث دوّن الباحث والمحلل السياسي، د. طارق الكحلاوي: «جلسة منح الثقة لحكومة الجملي 10 جانفي. أسبوع كامل للضغط عليه لتغيير بعض الحقائب من قبل نهضة- قلب تونس. أطول وأصعب مفاوضات خاضها الجملي هي مع الحزب الذي كلفه. في المقابل، قيس سعيد ينتظر، إذ إن الجملي يمكن أن يقاوم الضغوط ويرفض التغيير. ومن ثمة احتمال سقوط حكومته في البرلمان رغم صعوبته بدا ممكناً أكثر من أي وقت مضى». وتحت عنوان «ما الذي يعنيه تأخير المصادقة على الحكومة؟»، كتب الباحث والمحلل السياسي د. رياض الشعيبي: «هذا الاضطراب وعدم وضوح الرؤية لدى الجميع قد يكون دفعهم للبحث عن مزيد من الوقت لبلورة مواقفهم بشكل نهائي، وربما إعطاء الفرصة للسيد الحبيب الجملي لتدارك الملاحظات العديدة التي جهر بها رئيس الجمهورية من جهة، وحركة النهضة من جهة ثانية، ولم لا حتى مراعاة بعض المواقف الإيجابية التي صدرت عن بعض الكتل التي تنوي المصادقة على الحكومة. إذا لم يتحقق شيء من ذلك خلال هذه الفسحة الزمنيّة التي حددها المكتب، فإننا بالفعل نتّجه لتكليف جديد يعين بمقتضاه رئيس الجمهورية شخصية جديدة لإعداد تشكيلة حكومية جديدة تحظى بموافقة الأغلبية المطلقة في المجلس». وفي حال لم ينجح رئيس الحكومة المكلف، الحبيب الجملي، بالحصول على ثقة البرلمان قبل منتصف الشهر الجاري، فسيتم المرور إلى سيناريو «حكومة الرئيس»، حيث سيكلّف الرئيس قيس سعيد شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة «في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية»، وفق الفصل 89 من الدستور التونسي.
مقالات ذات صلة
شاهد أيضاً
إغلاق