أكد رئيس مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية أمين غالي، أنّ الإيقافات الأخيرة التي استهدفت ناشطين بارزين في المجتمع المدني التونسي غير مشروعة، وتهدف للتضييق على عمل الجمعيات التي تدافع عن المهاجرين، كما أوضح أنّ العمل الجمعياتي أصبح صعبًا وأنّ تلقي التمويلات من الخارج هو إجراء قانوني سليم، وفقه.
-
كيف تقيّم واقع العمل الجمعياتي في تونس بين الماضي والحاضر؟
المجتمع المدني كان حاضرًا في كل مجالات الحياة العامة في تونس، وكانت له مساهمات هامة وناجعة في المجال الاجتماعي والثقافي والحقوقي والاقتصادي، وساعد الآلاف على بعث مشاريعهم كما ساهم في تطوير مناهج التدريس في المدارس والمعاهد والجمعيات.
كما كان للعمل الجمعياتي أثر هام على السياسات العامة في البلاد، من خلال اقتراح قوانين في البرلمان التونسي وتعامل مع أجهزة الدولة بكل حرفية، لخدمة البلاد، وطبعًا دون أن ننسى حصول منظمات المجتمع المدني على جائزة نوبل للسلام سنة 2015.
كما أثبتت دراسة سابقة، أنّ ثلثي التونسيين ينظرون نظرة إيجابية للمجتمع المدني، وأنّ حوالي 5% منهم منخرطين في العمل الجمعياتي، إضافة إلى انتفاع ملايين التونسيين من أنشطة الجمعيات على مدى سنوات طويلة.
كل هذا يجعل العمل الجمعياتي في تونس يغلب عليه الطابع الإيجابي أكثر من السلبي.
لكن اليوم، وبعد إجراءات 25 جويلية 2021، أصبح واقع العمل الجمعياتي صعبًا في نتيجة مباشرة للخطاب السياسي، حيث أنّ مؤسسات الدولة لم تعد تريد التعامل مع منظمات المجتمع المدني.
بالإضافة إلى ذلك، أغلق البرلمان التونسي أبوابه أمام منظمات المجتمع المدني، كما أنّ الرأي العام في تونس ينساق وراء توجه الدولة والخطاب السياسي، ما يعني أن الجمعيات باتت تجد صعوبة كبيرة في ممارسة نشاطاتها بشكل طبيعي.
-
قلتَ إنّ العمل الجمعياتي في تونس يغلب عليه الطابع الإيجابي، إذن كيف تفسر حملات الشيطنة التي تستهدف منظمات المجتمع المدني بين الحين والآخر؟
بعد ثورة جانفي 2011، لم تكن هناك حملات شيطنة تستهدف منظمات المجتمع المدني بل كان هناك صراع بين موازين القوى. وحينها كانت الدولة ضعيفة، وهو ما مهد الطريق أمام منظمات المجتمع المدني لفرض نفسه والمساهمة في تعبئة الفراغ داخل الدولة، لتكون موجودة في كل المجالات والقضايا الهامة.
ثم تدريجيًا ومع بداية سنة 2017، بدأت الدولة تتعافى وتمّت حينها محاولات للتقليص من دور المجتمع المدني في تونس، الذي نجح لسنوات في تعويض الدولة في عدة مجالات.
لكن بعد إجراءات 25 جويلية/يوليو 2021، كانت هناك حملة شيطنة بالفعل لكنها لم تستهدف فقط الجمعيات وإنما استهدفت القضاة والمحامين والصحفيين ورجال الأعمال، أي يمكن القول إنها استهدفت كل النخب الموجودة في البلاد.
-
الرئيس التونسي قيس سعيّد اتهم بعض الجمعيات بتلقي أموال من الخارج واتهم القائمين عليها بالخيانة والعمالة، ما رأيكم؟
أودّ الإشارة إلى أنّ تلقي الأموال من الخارج لدعم العمل الجمعياتي هو إجراء قانوني سليم، حيث أنّ القانون التونسي والدولي يسمح للجمعيات بتلقي تمويلات من الخارج حسب شروط وآليات.
وطبعًا أي جمعية تلتزم بالشروط والآليات المطلوبة فهي بذلك تحترم القانون، لذلك لا يمكن اتهام أي كان بالعمالة والخيانة مادام حريصًا على تطبيق القوانين التي تنظم عمله وأنشطته.
وأنا لا أعتقد أن تهم الخيانة والعمالة ستساهم في تدعيم الفضاء المشترك، خصوصًا وأنّ عددًا كبيرًا من منظمات المجتمع المدني تحصل على هذه التمويلات لتنفيذ مشاريع بناءة في تونس وأيضًا لمعاضدة مجهودات الدولة في بناء المدارس وإصلاح المستشفيات وإجراء تقييم سليم للعمليات الانتخابية والتصدي للتجاوزات.
ثم إنّ أغلب التمويلات التي تحصل عليها الجمعيات مراقبة ومعرّف بها وتمر عبر القنوات الرسمية للدولة، وهذا يعني أنه من غير الصواب اتهام كل ناشط في المجتمع المدني يتحصل على تمويل خارجي بالخيانة والعمالة.
-
لكن هذا لا ينفي وجود جمعيات تتعلق بها تجاوزات وشبهات فساد مالي؟
هذا مؤكد، هناك بعض الجمعيات التي تتعلق بها تجاوزات وأخطاء ولم يكن تمويلها سليمًا، أو هي مقربة من أحزاب سياسية، لكن هذه الأخطاء لا تعني التعميم واتهام كل الجمعيات بتجاوز القانون.
وفي شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023، قامت رئاسة الحكومة التونسية بتعليق نشاط حوالي 170 جمعية، لكنها لم تكشف عن طبيعة الأخطاء التي دفعتها لاتخاذ هذا القرار.
ونحن إذ نتأسف لوجود هذا العدد من الجمعيات التي تتعلق بها أخطاء وتجاوزات، فإننا نعتبرها في الوقت ذاته، رسالة إيجابية أن الدولة التونسية لديها آليات لمراقبة العمل الجمعياتي وتسليط العقوبات على الجمعيات التي تجاوزت القانون، دون تعميم وتسليط عقاب جماعي على كل الجمعيات.
ويجب الإشارة إلى أنّ العقاب الجماعي ليس حلاً، وأنّ العقاب يكون دائمًا فرديًا ويستهدف الجمعيات التي أخطأت وتجاوزت القانون.
على خلفية الإيقافات الأخيرة التي شملت نشطاء بارزين في المجتمع المدني، هل ترى أنّها إيقافات مشروعة أم هي خطوة للتضييق على الجمعيات المدافعة عن المهاجرين الأفارقة؟
حسب رأيي هي إيقافات غير مشروعة، وأعتبر أنّ نشطاء المجتمع المدني الذين تم إيقافهم مؤخرًا لا يمثلون خطرًا على الدولة، وإيقاف رئيسة سابقة لجمعية وأم لرضيع فيه تعسّف، ولا أرى أنها تمثل خطرًا على المجتمع.
هذه الإيقافات جاءت بطريقة تعسفية وهي تهدف أيضًا للحدّ من عمل منظمات المجتمع المدني والتضييق على عمل الجمعيات المدافعة عن المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء.
وأرى أنّ النشطاء الذين يعملون في الجمعيات التي تُعنى بشؤون المهاجرين أصبحوا يعملون بتخوف، عقب الإيقافات التي طالت زملائهم. وطبعًا هذه المخاوف مشروعة.
-
تزداد المخاوف أيضًا لدى منظمات المجتمع المدني من توجه السلطة في تونس لإصدار قانون جديد ينظم العمل الجمعياتي ويلغي المرسوم 88 لسنة 2011؟
نعم هناك قانونان يتم العمل عليهما لتنظيم العمل الجمعياتي في تونس، النسخة الأولى أعدّتها مجموعة من البرلمانيين وتم قبولها وتوجيهها قبل نحو 3 أشهر من الآن إلى لجنة الحقوق والحريات، أما النسخة الثانية فيتم إعدادها حاليًا من قبل رئاسة الحكومة وهي في اللمسات الأخيرة.
اطلعنا على النسخة التي تم إعدادها من قبل مجموعة من البرلمانيين وأرى أنها نسخة تهدف لتغيير كل المكتسبات الموجودة في المرسوم 88 لسنة 2011، حيث نلمس توجهًا للتخلي عن مبدأ الإعلام بتكوين جمعية إلى مبدأ الحصول على الترخيص.
كما أنه سيتمّ تقسيم الجمعيات حسب الاختصاصات وإعطاء السلطة التشريعية للوزارات لرعاية هذه الجمعيات والإشراف عليها، إضافة إلى التوجه نحو منح السلطة التقديرية للإدارة كي تتمكن من التحكم في أنشطة الجمعيات.
كما سيخضع التمويل الأجنبي للجمعيات إلى الترخيص المسبق وهم يفكرون في إعطاء هذه المسؤولية للجنة التحاليل المالية التي أكدت من جهتها أن هذا ليس من دورها.
-
حسب رأيك هل تهدد بنود القانون الجديد العمل الجمعياتي في تونس وحرية التنظم؟
طبعًا هي تهدد العمل الجمعياتي وحرية التنظم في تونس، خصوصًا وأن كل من يفكر في تكوين جمعية سيكون مطالبًا بتقديم مطلب وملف للإدارة ومن ثم ينتظر ردها إما بالموافقة أو بالرفض.
هذا التوجه يعرقل تكوين الجمعيات ويعرقل الأنشطة الجمعياتية بسبب نظام الرخص، هذا إلى جانب قرارات تعليق النشاط التي ستصبح من مهام المحكمة الإدارية.
هذا القانون فيه نقاط ستساهم في تحجيم دور منظمات المجتمع المدني في تونس عكس المرسوم 88 الذي يضمن حرية العمل الجمعياتي ويتوافق مع المعايير الدولية.
-
مادام المرسوم 88 يتوافق مع المعايير الدولية، لماذا كل هذا الإصرار على تنقيحه أو إلغائه؟
هذا الإصرار يأتي بهدف الرجوع بنا إلى الوراء وللتراجع عن الحقوق والحريات، لأن المجتمع المدني في تونس أثبت اعتمادًا على دراسات موثوقة وبشهادة الخبراء بأن المرسوم 88 يحتوي على كل الضمانات لحماية الجمعيات وتأطير العمل الجمعياتي.
ونحن طالبنا عديد المرات بأنه عوضًا عن إدخال تنقيحات على المرسوم أو تغييره بقانون جديد، فإنه من الأفضل أن نعمل بشكل مشترك لضمان حسن تطبيقه من خلال تحسين أداء الإدارة العامة للجمعيات وتعزيز المراقبة القضائية.
لكن في المجمل فإن مرسوم عدد 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات هو مرسوم كافٍ وشافٍ.
-
إذن في حال تم إلغاء المرسوم 88، هل سيكون القانون الجديد بمثابة رصاصة الرحمة على العمل الجمعياتي؟
دعيني أسألك ما إذا كان المرسوم 54 قد كان بمثابة رصاصة الرحمة على العمل الإعلامي في تونس؟ قطعًا لا، لأنّ الصحفيين والإعلاميين يؤمنون برسالتهم وواصلوا عملهم رغم التهديدات التي يمثلها هذا المرسوم.
نفس الشيء بالنسبة للقانون الجديد الذي سيصدر ويلغي المرسوم 88، فهو لن يكون رصاصة الرحمة للعمل الجمعياتي، لأن المجتمع المدني يؤمن بقضيته ورسالته وسيواصل عمله ويحاول التصدي لكل محاولات الرجوع به إلى الوراء.
زر الذهاب إلى الأعلى