بعد زواجها بـ 60 يومًا، أدركت حنان، أصيلة ولاية سليانة، أنها أحبت وتزوجت رجلاً لا يفهم لغة الحوار ولا يتعامل بها معها، بل يسارع في كل نقاش أو خلاف بينهما إلى تعنيفها لفظيًا وجسديًا.
كان وقع الصدمة قويًّا على حنان (35 عامًا) التي اعتقدت أن حياتها بعد الزواج ستكون وردية مليئة بالحب والتفاهم، لكنها تحولت في لمح البصر من فتاة حالمة إلى امرأة مُعنَّفة تحاول النجاة بحياتها من زوج عنيف ومجتمع مُطبّع مع العنف.
وتقول حنان، إنّها قررت الطلاق والنجاة بحياتها من العنف الزوجي بعد زواج استمر لأشهر قليلة على الرغم من محاولات عائلتها والمقرّبين منها بمنعها من مغادرة منزل الزوجية والطلاق بحجة أنه “سيتغيّر من الوقت”.
ووفق محدثتنا، فإنها طلبت الطلاق بعد أن تعرّضت لضرب مبرح من قبل زوجها الذي كان يعلم أنها حامل بطفلهما الأول، لتبدأ رحلة معقدة من القضايا والمعاينات لإثبات تعرضها للضرر، والتي اعتبرتها “رحلة متعبة وإجراءات مجحفة تثقل كاهل المرأة أكثر فأكثر”.
تنصح حنان النساء المُعنفات بعدم السكوت على العنف أو التسامح مع المُعنِّف مهما كانت صلة القرابة التي تربطهم، مؤكدة أن السكوت عن العنف تسبب في مقتل وتشويه عشرات النساء، كما تأمل أن يتمّ تطبيق ترسانة القوانين والتشريعات التي وُجدت لحماية النساء من العنف المسلط عليهنّ.
منظمات نسوية: جرائم تقتيل النساء في تزايد والقوانين لا تُطبق
بداية شهر سبتمبر الجاري، أكدت جمعية أصوات نساء وقوع 20 جريمة قتل نساء منذ بداية 2024، مشيرة إلى أنّ هذا الرقم يعكس واقعًا مأساويًا ويؤكد أنّ وتيرة جرائم تقتيل النساء تزداد بشكل يثير القلق.
وأرجعت الجمعية هذا الارتفاع إلى ما اعتبرته “غياب السياسات العمومية الناجعة لمواجهة ظاهرة العنف ضد النساء بالتزامن مع تصاعد خطاب الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي وظهور حالة من التطبيع المجتمعي مع العنف المسلط ضد النساء مما يعمق الأزمة.
وتؤكد المنظمات النسوية في تونس أنّ ظاهرة العنف المسلط على النساء من اعتداءات وتشويه وتقتيل تشهد ارتفاعًا لافتًا سنة تلوى الأخرى، وذلك بسبب وجود عديد النقائص تشوب الإجراءات الأمنية والقضائية التي من المفترض اتباعها في حال تعرضت امرأة للعنف وفق ما يقره القانون 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة.
وأظهرت دراسة أجرتها جمعية المرأة والمواطنة بعنوان “حماية النساء ضحايا العنف بين النص والواقع”، شملت أكثر من 30 امرأة ضحية للعنف الزوجي في كل من ولايات تونس الكبرى والكاف أنّ هؤلاء النساء تعرضن لعنف خطير تمثل في تهديد بالقتل ومحاولات قتل ومحاولات خنق بالأيدي أو ضرب بساطور على مستوى الرأس وتهديد بالحرق ومحاولات الذبح.
وأكدت الدراسة، أنّ العنف المادي والمعنوي يعدّ العنف الأكثر تواترًا في الجهتين وأنّ العنف الزوجي يقوم على وجود فكرة الهيمنة والسيطرة والتحكم وخوف الضحايا من المعنفِين.
ومن أصل 20 ضحية عنف تم استجوابهنّ في ولاية الكاف، أظهرت الدراسة أنّ 6 ضحايا تمتعن بمساعدة أمنية، بينما تمتعت حالة وحيدة بالنقل للمستشفى لتلقي الإسعافات اللازمة، وتم نقل 3 ضحايا إلى مكان آمن وتمكين ضحيتين من إبعاد الزوج عن المسكن العائلي وعدم الاقتراب من الضحية، وتم الاحتفاظ بالمعتدين بالنسبة لـ3 حالات تعرّضن للعنف الزوجي. وبحسب الدراسة فإنّ أغلب ضحايا العنف يضطررن للتنقل إلى المستشفى بوسائلهنّ الخاصة.
أما بالنسبة لولايات تونس الكبرى، فقد تمتعت 3 نساء ضحايا العنف من أصل 12 تم استجوابهنّ بوسيلة أمنية كما تم نقل ضحية إلى المستشفى وأخرى لمركز إيواء آمن وتم الاحتفاظ بالمعتدي.
ووفق الدراسة ذاتها، فقد تم نصح 4 ضحايا بعدم الرجوع إلى المسكن العائلي والذهاب لمركز آمن في حين لم تتمتع 5 ضحايا بأي وسيلة حماية ولم يقع نصحهنّ بعدم الرجوع إلى المسكن العائلي والذهاب إلى مكان آمن.
وقد أثبتت الدراسة، أنه غالبًا ما يتم رفض مطالب الحماية التي تقدمها النساء المعنفات شكلاً عند خلوّها من المؤيدات اللازمة في كل من الجهتين، وأنه تم بصفة استثنائية إصدار قرارات حماية بجهة الكاف.
أما على مستوى التدابير المتخذة تطبيقًا للفصل 33 من القانون 58، من قبل قضاة الأسرة، فقد اعتبرت الدراسة أنّ بعض التدابير المتخذة من قبل قضاة الأسرة في ولايات تونس الكبرى والكاف تثير بعض الإشكالات بالنسبة للتدابير التي تهم أمن وسلامة الضحية.
وقالت مديرة مشروع حماية النساء والوقاية من جرائم تقتيل النساء في تونس وفاء وسلاتي، إنّ الدراسة تم إنجازها بالتزامن مع ارتفاع منسوب العنف المسلط على النساء بشكل لافت وارتفاع أعداد الضحايا.
وأكدت وفاء وسلاتي في حديثها مع “الترا تونس”، أنّ المنظمات النسوية توصي بضرورة تطبيق آليات الحماية وذلك من خلال الحرص على تكوين القضاة والأمنيين بشكل مستمر في مجالات مختلفة مثل العنف الزوجي واستراتيجية المعنِف وآثار العنف على نفسية الضحايا وسلوكياتهن وكيفية تقدير المخاطر.
كما أوضحت وسلاتي، أن الوزارات المعنية بحماية النساء من العنف المسلط عليهنّ مطالبة بضرورة تثمين الخبرات المكتسبة وإلزام العاملين بها على تطبيق كل البروتوكولات التي تم إعدادها مع المراقبة والمساءلة.
ناشطة نسوية: تواصل تقتيل النساء مقابل صمت الدولة
تصف الكاتبة العامة لجمعية النساء الديمقراطيات أحلام بوسروال، ارتفاع أرقام النساء اللاتي فقدن حياتهن جرّاء العنف بـ”المفزعة”، مؤكدة أن تقتيل النساء وتعنيفهن متواصل في تونس ويقابله صمت ممنهج لأجهزة الدولة.
وأكدت بوسروال في حديث مع “الترا تونس”، أنّه تمّ سنة 2023 توثيق 25 جريمة قتل راح ضحيتها نساء وفتيات غير أنّ السلطات الرسمية لم تتحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتكثيف حملات التوعية في المجتمع التونسي.
وترجّح بوسروال أن ترتفع أرقام هذه الجرائم مع نهاية سنة 2024 كما ترجّح إمكانية وقوع جرائم قتل أخرى لم يتم الإعلان عنها أو التطرق لها في وسائل الإعلام التونسية، وفقها.
وتقول الناشطة النسوية إنّ ظاهرة العنف ضدّ النساء متواصلة وباتت موجودة في جميع الفضاءات بالتزامن مع بروز لافت لخطاب الكراهية والخطابات الميزوجينية، بالإضافة إلى تنامي ظاهرة الإفلات من العقاب والتعامل مع قضايا العنف الزوجي بشكل “مُتفّه” ما ينجر عنه إفلات المعنِّف من العقاب والمساءلة القانونية.
وتؤكد محدثتنا أنّ تنامي ظاهرة الإفلات من العقاب تُعطي الثقة للمعنِّف لتكرار عنفه على الضحية، مشيرة إلى أنّ تكرار العنف في مناسبات عديدة ينجرّ عنه وقوع جرائم قتل، حيث أنّ جريمة القتل دائمًا ما يسبقها عنف نفسيّ وجسديّ ولفظيّ.
وأوضحت أنّ جمعية النساء الديمقراطيات عملت منذ سنوات على مكافحة ظاهرة تقتيل النساء في تونس، من خلال إطلاق حملات توعوية بعنوان “العنف ضد النساء يقتل مثل الوباء” سنة 2019 وحملة أخرى سنة 2020 بعنوان “صمت الدولة يقتل النساء”.
وأكدت أنه على الرغم من وجود إستراتيجية وطنية لمكافحة العنف المسلط على النساء ورغم وجود ترسانة هامة للقوانين مثل القانون عدد 58 لسنة 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضدّ المرأة، فإنّها لا تطبق بالطريقة الصحيحة والكافية إلى جانب غياب التنسيق بين الوزارات التونسية المكلفة بمكافحة هذه الظاهرة.
وأكدت أنّ المنظمات النسوية تحمّل المسؤولية للوزارات التي مُنحت لها مسؤولية مكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة بالإضافة إلى عدم اعتماد أجهزة الدولة على إطلاق حملات وطنية في كامل تراب الجمهورية لتوعية المجتمع، مشيرة إلى أنّ الحملات الوطنية عادة ما تكون ناجعة.
ودعت بوسروال السلط المعنية إلى ضرورة التجنيد للحدّ من تنامي هذه الظاهرة التي تهدد حياة النساء، مؤكدة جاهزية المنظمات النسوية للعمل على إطلاق حملات توعوية مع أجهزة الدولة والعمل بشكل تشاركي على إيجاد آليات عمل سلسة للتعامل مع النساء.
ووفق الناشطة النسوية، فإنّ الدولة لا تقوم بتوفير ميزانية كافية لوزارة المرأة والأسرة في تونس وهي ميزانية لا تسمح بتوفير مراكز إيواء كافية للنساء ضحايا العنف، مشيرة في السياق ذاته، إلى أنه وجب العمل على حماية حياة النساء والتصدي لظاهرة تقتيلهنّ.
وترى محدثتنا أنّ تقصير أجهزة الدولة في حماية النساء والفتيات ضحايا العنف زرع لديهن الإحساس بالخوف، مؤكدة أنّ هذا الخوف قد ينجر عنه مجتمعه غير متوازن يكون فيه الحكم والسيطرة لمن هو أقوى جسديًا، وفقها.
مختص في علم الاجتماع: القوانين ليست كافية للحدّ من العنف
يرى المختص في علم الاجتماع سامي نصر، أنّ ترسانة القوانين التي وضعت لمكافحة ظاهرة العنف المسلط على النساء، لم تنجح فعلاً في الحدّ من الظاهرة التي تشهد ارتفاعًا لافتًا داخل المجتمع التونسي.
وقال المختص في علم الاجتماع إنّ مكافحة العنف المسلط على النساء في تونس لا يحتاج فقط إلى رفض قانوني وإنما هو يحتاج إلى رفض مجتمعي لكل أشكال العنف.
يضيف نصر قائلًا: “صحيح أنّ تونس أصدرت قوانين هامة لمكافحة ظاهرة العنف ضدّ المرأة وأعتقد أنّ أغلبها جاءت بهدف الاستعراض، لأنّ المراهنة على القوانين الزجرية دون أن يتمّ تطبيقها بشكل فعّال وجدي ستكون نتائجها عكسية”.
وبحسب محدث “الترا تونس”، فإنّ أجهزة الدولة في تونس مطالبة بالعمل بالتشارك مع منظمات المجتمع المدني والإعلام لتغيير العقلية السائدة والتي أصبحت تستهل الاعتداء على النساء بطرق بشعة.
كما أوضح نصر أنّ العنف الرمزي المسلط على النساء مقل إقصائهنّ من المشاركة في الحياة السياسية والشأن العام والتنمر والتحرش والتهميش.. ساهم في تغذية ظاهرة العنف على النساء في تونس، مشيرًا إلى أنّ “التطبيع مع النظرة الدونية للمرأة شجع على ممارسة العنف ضدها”.
وأشار إلى أنّ العنف المسلط على النساء تحول إلى ظاهرة مجتمعية ثم انتشر في السنوات الأخيرة كثقافة بين جميع فئات المجتمع حيث أصبحت ممارسة العنف ضد النساء في تونس، عملية سهلة ومباحة، في ظلّ مجتمع طبّع مع العنف، وفقه.
زر الذهاب إلى الأعلى