أخفقت وزارة المالية التونسية بإقناع البنوك المحلية بمواصلة إقراض الدولة، بعدما فشلت في مناسبتين متتاليتين في إصدار أذون خزينة لتأمين موارد لصالح الموازنة العامة بقيمة 150 مليون دينار.
وأعلنت السلطات التونسية عدم تمكنها للمرة الثانية من إصدار أذون خزينة طويلة المدى لتنطلق، غدا الثلاثاء، في محاولة ثالثة من أجل رفع المبلغ المطلوب من البنوك المحلية في إطار عمليات الاقتراض الداخلي لسداد عجز الموازنة.
وقالت وزارة المالية إنها تنوي فتح اكتتاب جديد، غدا الثلاثاء، من أجل طرح أذون خزينة للمرة الثالثة، بهدف تجاوز مأزق التمويل الذي تتخبط فيه المالية العمومية نتيجة توقف المفاوضات مع “صندوق النقد الدولي” وبقية الشركاء الماليين لتونس.
وأكدت وزارة المالية أنها تنوي طرح أذون خزينة بنسبة فائدة تراوح بين 7.5% و8% لتعبئة قروض محلية تسدد في الفترة المتراوحة بين عامي 2028 و2033.
وقال الخبير المالي معز حديدان إن عوامل ضبابية المشهد السياسي والاقتصادي تجعل البنوك أكثر إقبالا على شراء أذون الخزينة على المدى القصير مقابل رفض التمويل على المدى الطويل لأن قائم قروض الدولة لدى البنوك المحلية بلغ مستوى قياسيا يقدر بـ18 مليار دينار.
وأكد حديدان، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن المصارف أصبحت أقل إقبالا على تمويل الموازنة عن طريق أذون الخزينة قصيرة المدى، مقابل عزوف عن شراء الأذون طويلة المدى التي تطرحها الدولة، مشيرا إلى أن البنك المركزي يساهم في إعادة تمويل القروض القصيرة، وهو ما يوفر للبنوك السيولة الكافية لشراء أذون الخزينة.
وأفاد، في سياق متصل، بأن عدم وضوح الرؤية بشأن نسبة الفائدة المديرية يفسر أيضا فشل الحكومة في إقناع البنوك بتمويل الموازنة على المدى الطويل، مؤكدا أن البنوك تبحث عن المردودية المالية بالإقبال أكثر فأكثر على أذون الخزينة قصيرة المدى.
وتحتاج الحكومة التونسية إلى تعبئة موارد مالية عبر الاقتراض بقيمة 18.5 مليار دينار تونسي، أي نحو 6.77 ملايين دولار، لتمويل موازنة الدولة لسنة 2021. وتتوزع القروض بين اقتراض داخلي في حدود 5.6 مليارات دينار واقتراض خارجي بقيمة 13 مليار دينار.
في 22 جويلية الماضي، تمكنت الحكومة من تعبئة موارد بقيمة 1400 مليون دينار بإصدار أذون خزينة لمدة لا تتجاوز 90 يوما بمعدل فائدة يقدر بـ6.52% في عملية وصفت بأنها أكبر عملية شفط سيولة من البنوك.
وتكشف معطيات وزارة المالية، في تقريرها حول متابعة تنفيذ ميزانية الدولة للعام الحالي، عن تعبئة قروض خارجية طيلة الربع الأول من 2021 تناهز قيمتها 889.5 مليون دينار، أي نحو 325 مليون دولار، في حين بلغت أقساط القروض المسددة في الفترة ذاتها 689.7 مليون دينار، ما يعادل 255 مليون دولار.
وتتزايد حاجة تونس إلى القروض المحلية بسبب توسع عجز الموازنة إلى 11% من الناتج المحلي الإجمالي جراء تداعيات فيروس كورونا وعدم توصل السلطات إلى اتفاق مالي جديد مع صندوق النقد الدولي الذي علّق مفاوضاته مع تونس عقب التدابير التي أعلن عنها الرئيس قيس سعيد في 25 يوليو/تموز الماضي بتجميد أعمال البرلمان وإقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي.
وبعد نحو 50 يوما من إعلان التدابير الاستثنائية، لا تزال تونس تنتظر خريطة طريق اقتصادية وسياسية جديدة.
وقالت وكالة “ستاندرد أند بورز”، في تقرير نُشر يوم الخميس الفائت، إن العجز المرتفع لموازنة تونس أدى إلى وضع الدين العام على مسار غير مستدام، فيما يمكن أن يؤدي عدم الاستقرار السياسي الحالي إلى تعريض صفقة مع صندوق النقد الدولي للخطر ويفرض تحديات كبيرة.
وأكد التقرير أنّ البنوك التونسية ستواجه بيئة اقتصادية وتشغيلية أكثر صعوبة ومخاطر عالية، نتيجة تدهور في ربحية البنوك التي تعمل في بيئة شديدة التنافسية ومجزأة مع آفاق تنمية مضطربة، وربما تزايد الخسائر المرتبطة بنشاط الإقراض.