أثار الحريق الذي اندلع مؤخرًا بمصب النفايات ببرج شاكير الواقع بمنطقة سيدي حسين غرب العاصمة، وتحديدًا يوم الثلاثاء 4 جوان المنقضي، جدلًا واسعًا تواصل الى اليوم وسط تحذيرات من انعكاساته الخطيرة على الإنسان والبيئة.
وانعكس الحريق الأخير في المصب سلبًا على صحّة المواطنين القاطنين على تخومه، إذ عانى بعضهم من صعوبة في التنفّس وحالات اختناق، مثلما وثّقته شهادات بعض المتساكنين في بعض وسائل الإعلام أوالفيديوهات التي نشرت على صفحات التواصل الاجتماعي.
وفي تصريح خاص لـ”نيوز بلوس” قدمت إشراق رحومة مساعد أول لرئيس بلدية سيدي حسين جملة من الحلول لحل معضلة مصب برج شاكر وذلك من خلال تحويل المصب الى منطقة اخرى وغلقه نهائيا و قطع التعامل مع النفايات وفق النمط القديم أي رمي النفايات وردمها في الأرض
و أوضحت أنه من الضروري مواكبة التطّورات الحاصلة في مجال التعامل مع النفايات على غرار الرسكلة والتثمين على اعتبار ان معالجة النفايات في تونس تتطلب سياسة ورؤية و طريقة التصّرف في النفايات في مصبّ برج شاكير قديمة وعشوائية وانا ضد التمشي المتّبع للتصرّف في النفايات في تونس والذي يعتبر مصدرًا لتلوث الهواء والماء والتربة.
وشدّدت على ضرورة المرور إلى مرحلة التنفيذ فيما يخص إعادة تثمين النفايات وتحويلها إلى مصادر أخرى للطاقة أو السماد.
و يعتبر المصب المراقب ببرج شاكير، الذي دخل حيز الاستغلال منذ ماي 1999 وتمتد مساحته على 124 هكتارا، الموقع النهائي لردم النفايات بولايات تونس الكبرى، حيث استقبل المصب منذ بداية سنة 2019 إلى موفى شهر أكتوبر من نفس السنة حوالي 726 ألف طن من النفايات أي بمعدل يومي في حدود 2500 طن يتم شحنها عن طريق ما يقارب 300 شاحنة يوميا، وهي كميات رهيبة مقارنة بطاقة المصب والحالة الفنية لعديد المنشآت.
و يستقبل المصب كل سنة قرابة المليون طن من النفايات أغلبها مواد عضوية تنساق في التربية وتنبعث منها روائح كريهة إلى جانب غاز الميتان، إضافة الى ان احتراق المواد العضوية التي تحتوي عليها النفايات يفرز أكسيد الكربون السام الذي يسبّب الأمراض.
و بالتوازي مع ذلك يعدّ مصبّ “برج شاكير” مورد رزق للمئات من الأشخاص، من جميع الأعمار، ومن الجنسين، والذين يتوافدون على المكان منذ ساعات الصّباح الأولى، بهدف البحث بين أكوام الفضلات عمّا يمكن بيعه، على غرار بقايا الأطعمة والملابس والمواد البلاستيكية والنحاس وغيرها، وخصوصاً المواد التي يمكن إعادة رسكلتها.
وكشفت الأرقام أنّ أكثر من 8 آلاف تونسي، يطلق عليهم تسمية “البرباشة”، يعيلون أسرهم من نبش القمامة التي تمثّل مورد رزقهم الأساسي، والذين تراهم يجوبون الشّوارع والأنهج يبحثون داخل حاويات الفضلات عن القوارير البلاستيكيّة وعلب المشروبات المعدنيّة أو البلوريّة أو عن بعض التّجهيزات أو الأدوات المنزليّة التي تحتوي على معادن قابلة للتّحويل.
ويباشر الأعوان القارون بالمصب وعددهم في حدود السبعون نفرا عملهم بصفة دائمة في إطار الإتفاقية المشتركة القطاعية للتصرف في النفايات الصلبة والسائلة، الصادرة في21 نوفمبر 2014 بالرائد الرسمي. وقد أقرت الاتفاقية في فصلها التاسع مبدأ استمرارية العمل بالنسبة للأعوان المباشرين بمواقع الاستغلال، حيث أنه إثر انتهاء الآجال التعاقدية للصفقات، يلتزم المستغل الجديد للمنشآت بالإبقاء على الأعوان المباشرين مع المحافظة على جميع حقوقهم المالية والاجتماعية. كما يمارس الأعوان حقهم النقابي تحت غطاء الجامعة العامة للأعوان البلديين.
———————————————————————————————————
ومن ناحية أخرى، اصبحت عملية استغلال هذه المنشآة تواجه صعوبات كبيرة نتيجة ارتفاع عدد البرباشة والذي تجاوز 700 شخصا إضافة إلى ما يفوق 150 وسيلة نقل والتي يتم ركنها على مستوى مكان التفريغ والمسلك المؤدي له لجمع سلعهم وهو ما يتسبب في تعطيل عملية تفريغ النفايات وخاصة في أوقات الذروة (من التاسعة صباحا إلى الواحدة بعد الظهر).
هذا إضافة إلى الأضرار الحاصلة بالمصب، حيث تسبب إشعال البرباشة للنار في العديد من الحرائق لعل آخرها الحريق الذي نشب يوم 04 جوان 2019 والذي ادى الى تعطل استغلال المصب ونتج عنه مشاكل اجتماعية كبرى. كما أن المصب يتعرض يوميا للعديد من السرقات وخاصة سرقة الأسلاك الكهربائية مما عطل عمليات استقبال وردم النفايات ومعالجة مياه الرشح وجعل عملية استغلال المصب أكثر تعقيدا.
ويرفض سكان الأحياء المجاورة رفضا قطعيا أي توسعة جديدة للمشروع مما لم يسمح للمستغل السابق بإنجاز حوض لتجميع المياه المشبعة بالأملاح. مما جعل عملية معالجة مياه الرشح تتوقف بسبب عدم وجود أحواض فارغة لتجميع المياه المشبعة بالأملاح الناتجة عنها.
رغم أن المصب المراقب ببرج شاكير قد إستهلك منذ بداية إستغلاله سنة 1999 جل المساحة التي وضعت تحت تصرفه والتي تمسح حوالي 124 هك، وحيث قامت الوكالة بتاريخ 3 أوت 2018 بعملية الإستلام الوقتي للخانة السابعة، فقد تم منذ تاريخ 3 سيتمبر 2018 إرسال جميع الرسومات والوثائق اللازمة للمستغل قصد إعداد مخطط الإستغلال طبقا لكراس الشروط قبل الشروع في إستغلالها.
ورغم أن الوكالة لم تصادق على مخطط الإستغلال لعدم جدية التدابير الوقائية المتخذة، فقد بدأ المستغل بإستغلال الخانة السابعة بتاريخ 27 أكتوبر 2018. مما إنجر عنه الحريق الذي نشب بها بتاريخ 29 أكتوبر 2018 أي بعد 3 أيام فقط من دخولها حيز الإستغلال.
وبمعاينة الموقع، وبالرجوع إلى أعوان المراقبة وحسب سرد المستغل للواقعة، فقد ثبت إشعال النار من طرف عدد من البرباشة للنحاس على بعد متر واحد من الطبقة العازلة للخانة (géomembrane et géotexile) والمكونة من مادة سريعة الإلتهاب. وقد تم ذلك في ظل غياب واضح للمستغل حيث لم يتم تسجيل أي شكاية بمركز الشرطة أمام التهديد الواضح الذي تعرضت له المنشآة.
كما اندلع حريق ثاني بتاريخ 4 جوان 2019 اتى على جزء كبير من الخانة السادسة كما توسع نحو الخانة السابعة التي اصبحت ممتلأة بالنفايات و مياه الرشح المتأتية من الخانة السادسة بسبب عدم قدرة على مزيد استيعاب كميات النفايات الواردة على المصب.