فقدت أكبر مموّليها.. ما هي منظمّة الصحّة العالميّة وما هو دورها؟
كانت منظمة الصحة العالمية حديث وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة، بعد توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على أمر تنفيذي لبدء عملية انسحاب الولايات المتحدة من هذه المنظمة وهي المرة الثانية التي يأمر فيها ترامب بالانسحاب منها.
وعلّل الرئيس الأمريكي انسحابه قائلا: “منظمة الصحة العالمية خدعتنا، والجميع يخدعون الولايات المتحدة.. لن يحدث هذا بعد الآن”.
ترامب يوقّع على قرار الانسحاب من منظمة الصحة العالمية
فمن هي منظمة الصحة العالمية؟ ماهو دورها؟.. وماذا يعني الانسحاب منها؟
”نحن ندافع من أجل تأمين حياة أوفر صحّة وأكثر أمناً.. وهدفنا الاستجابة للطوارئ الصحّية وتعزيز العافية والوقاية من الأمراض وتوسيع نطاق إتاحة الرعاية الصحّية، ونسعى إلى منح الجميع فرصة متساوية في التمتّع بحياة آمنة وصحّية” هكذا تعرّف المنظمة نفسها عند الولوج إلى موقعها الرسمي،.
تضم المنظمة 194 دولة وتنتخب الدول الأعضاء، المدير العام الذي يتولى قيادة المنظّمة في تحقيق أهداف المذكورة أعلاه في مجال الصحّة العالميّة، ومقرها الحالي في جنيف بسويسرا، ويديرها تيدروس أدهانوم.
تيدروس أدهانوم غيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية
يتكوّن فريق منظمة الصحة العالمية من ما يزيد على 8000 موظف مهني من خبراء العالم البارزين في مجال الصحّة العامة، بمن فيهم الأطباء وأخصائيو الأوبئة والمتخصصون في الشؤون العلمية والمديرون.
النشأة والتأسيس:
في أفريل 1945، وخلال مؤتمر تأسيس الأمم المتحدة (UN) الذي عقد في سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية، اقترح ممثلو البرازيل والصين إنشاء منظمة صحية دولية وعقد مؤتمر لصياغة دستورها، الذي وقّعه في 22 جولية 1946، ممثلو 51 دولة عضوا في الأمم المتحدة و10 دول أخرى.
دستور منظمة الصحة العالمية (صورة من الموقع الرسمي للمنظمة)
في الـ7 من أفريل 1948، دخل دستور المنظمة حيّز النفاذ وهو التاريخ الذي أصبح يُعرف بيوم الصحة العالمي ويُحتفل به كل عام، ليتم الاعلان رسميا عن بعث منظمة الصحة العالمية، كسلطة توجيهية وتنسيقية ضمن منظومة الأمم المتحدة فيما يخص المجالَ الصحي. وهي مسؤولةٌ عن تأديةِ دورٍ قيادي في معالجة المسائل الصحية العالمية، وتصميم برنامج البحوث الصحية ووضع القواعد والمعايير وتوضيح الخيارات السياسية المسندة بالبيّنات وتوفير الدعم التقني إلى البلدان ورصد الاتجاهات الصحية وتقييمها.
من أين تأتي المنظمة بتمويلاتها؟
بلغت ميزانية منظمة الصحة العالمية 6.83 مليار دولار في عام 2024-2025، وتتلقّى المنظمة التمويل من مصدرين رئيسيين هما، الدول الأعضاء التي تدفع اشتراكاتها ”المقدّرة”، والمساهمات الطوعية المقدمة من الدول الأعضاء والشركاء الآخرين.
الاشتراكات المقدّرة هي نسبة مائوية من الناتج المحلي الإجمالي لبلد المعني ويجب أن توافق الجمعية العامة للأمم المتحدة على النسبة المائوية وتوافق عليها أيضا الدول الأعضاء كل سنتين خلال جمعية الصحة العالمية. وتغطي الاشتراكات المقدرة أقل من 20% من الميزانية الإجمالية.
ويأتي ما تبقّى من تمويل المنظمة في شكل مساهمات طوعية، معظمها من الدول الأعضاء ومن منظمات الأمم المتحدة الأخرى والمنظمات الحكومية الدولية والمؤسسات الخيرية والقطاع الخاص، وغيرها من مصادر التمويل.
للمنظمة 6 مكاتب اقليمية يتفرّع منها أكثر من 150 مكتبا يتوزعون على أنحاء الأقاليم الستة، والمدير العام للمنظّمة هو من يضع الرؤية الشاملة، بينما يتولى المديرون الإقليميون قيادة عمل المكاتب الإقليمية الستة والمكاتب القطرية التابعة لها.
المكاتب الإقليمية والفرعية التابعة للمنظمة حول العالم
المكاتب الإقليمية الستة ومن يقودها
ربيكا ماتشيديزو مويتي المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لأفريقيا: تم انتخابها يوم 1 فيفري 2015 لتكون بذلك أول سيدة تتقلد منصب المدير الإقليمي لأفريقيا.
خارباس باربوسا، المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية للأمريكتين: انتخبت الدول الأعضاء الدكتور خارباس باربوس البرازيلي، أثناء انعقاد المؤتمر الصحي الثلاثين للبلدان الأمريكية في 28 سبتمبر 2022.
حنان بلخي، المديرة الإقليمية للمنظمة لإقليم لشرق المتوسط: عيّن المجلس التنفيذي للمنظمة حنان بلخي مديرةً إقليمية للمنظمة لشرق المتوسط في جانفي 2024.
الدكتور هانس كلوغه، مدير المنظمة الإقليمي لأوروبا: هو دكتور ابتدأت ولايته في 1 فيفري 2020، بعد ترشيحه من قبل اللجنة الإقليمية لأوروبا وتعيينه من قبل المجلس التنفيذي.
سايما وازد، المديرة الإقليمية للمنظمة لجنوب شرق آسيا: تقلدت سايما وازد المنصب لولاية مدتها خمس سنوات اعتباراً من 1 فيفري 2024.
سايا ماو بيوكالا، المدير الإقليمي للمنظمة لغرب المحيط الهادئ: تقلد سايا ماو بيوكالا منصب المدير الإقليمي لغرب المحيط الهادئ لولاية مدتها خمس سنوات منذ فيفري 2024.
المديرون الإقليميون لمنظمة الصحة العالمية
ماذا تقدّم منظمة الصحة العالمية للعالم؟
كلما حدثت أزمة صحية عالمية، أو كارثة طبيعية، وخلال الأزمات والنزاعات والحروب، تتطلع البلدان والعاملون في المجال الصحي والطبي والناس العاديون صوب منظمة الصحة العالمية، والتي تعمل فورا على تقدم التوجيهات والدعم.
التصدي لحالات الطوارئ:
من بين مهام فريق منظمة الصحة العالمية، هو الاستجابة للتصدي لحالات الطوارئ خلال النزاعات والحروب والتهديد المستمر لتفشي الأمراض، وقد استجابت المنظمة للحروب في غزة والسودان وأوكرانيا وضمنت وصول اللقاحات والإمدادات الطبية المنقذة للحياة إلى المناطق النائية والخطرة.
وفي الواقع، غالبا ما تذهب فرق منظمة الصحة العالمية إلى حيث لا يذهب الآخرون. فهي تقوم بشكل روتيني بإجلاء المرضى المصابين وتوفير المعدات والإمدادات والخدمات المنقذة للحياة في المناطق التي مزقتها النزاعات أو الكوارث.
وكانت منظمة الصحة العالمية بين وكالات الأمم المتحدة التي تعاونت مع وزارة الصحة الفلسطينية في حملة التطعيم واسعة النطاق ضد شلل الأطفال في قطاع غزة بعد تسجيل أول حالة في القطاع عام 2024 منذ 25 عاما، وفق ما ورد في موقع المنظمة.
تتبع الأزمات الصحية ومعالجتها:
تقوم فرق من خبراء منظمة الصحة العالمية طوال الوقت بفحص آلاف المعلومات، بما في ذلك المنشورات العلمية وتقارير مراقبة الأمراض، والبحث عن إشارات تفشي الأمراض أو غيرها من تهديدات الصحة العامة، من إنفلونزا الطيور إلى كوفيد-19.
وتعمل المنظمة على التعبئة للوقاية من تفشي الأمراض المعدية واكتشافها والاستجابة لها مع تعزيز إمكانية الحصول على الخدمات الصحية الأساسية.
القضاء على الأمراض في العالم:
ترى منظمة الصحة العالمية أنّه بالامكان القضاء على مجموعة كبيرة من الأمراض والحالات المرضية، بما في ذلك الأمراض المعدية المهملة والأمراض المنقولة بالنواقل، والأمراض المنقولة جنسيا، والأمراض التي تنتقل من الأم إلى الطفل، والأمراض التي يمكن أن تمنعها اللقاحات.
توفر منظمة الصحة العالمية الأدوية والمعدات الطبية الأساسية بينما تعمل على تمكين وتعزيز قدرات المختبرات لتشخيص الأمراض حيثما أمكن ذلك.
حملات التطعيم:
وعديدة هي المشاريع التي تعمل عليها المنظمة ولعل أهمها حملات التطعيم، حيث قامت في عام 1974، ببرنامج التحصين الموسع، في البداية، كان البرنامج يهدف إلى تطعيم الأطفال في جميع أنحاء العالم ضد الأمراض الستة التالية: الدفتيريا (الخناق)، السعال الديكي، التيتانوس ( الكزاز)، شلل الأطفال، الحصبة والسل.
ليتم بعدها توسيع البرنامج لاحقاً ليشمل 13 لقاحاً موصى به عالمياً و17 لقاحاً إضافياً موصىً به لحالات معينة.
انجازات.. لا تخلو من الانتقادات
يظل القضاء على الجدري أحد أكبر إنجازات منظمة الصحة العالمية، حيث كان هذا المرض مدمراً تسبب في وفاة الملايين قبل القضاء عليه.
وبذلت منظمة الصحة العالمية جهوداً مكثفة للقضاء على الجدري في عام 1967، وتضمنت تلك الجهود برنامجاً ضخماً للتحصين والمراقبة في جميع أنحاء العالم لعدد من السنوات.
بعد أكثر من عشر سنوات من العمل، أعلنت منظمة الصحة العالمية القضاء على الجدري في عام 1980. وهو المرض المعدي الوحيد الذي تم القضاء عليه.
كما اعلنت المنظمة عن القضاء على شلل الأطفال في معظم البلدان، رغم تسجيل بعض الحالات في بعض البلدان، كما أحرزت المنظمة تقدما كبيرا في الحملة التي أطلقت عام 1955 للقضاء على الملاريا قبل إيقافها في عام 1969، ليصبح تحقيق النتائج المرجوة من المبادرة أقلّ بطيئاً منذ ذلك الحين.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن القرارات المختلفة التي اتخذتها جمعية الصحة العالمية، وهي هيئة صنع القرار في المنظمة، وتجتمع سنوياً وتتكون من ممثلين عن الدول الأعضاء، أعادت تأكيد هذا الهدف الذي وضع عام 1955 حتى عام 2015.
وفي عام 2021، أوصت منظمة الصحة العالمية بأول لقاح للوقاية من الملاريا عند الأطفال، وفي عام 2023، أطلقت منظمة الصحة العالمية برنامج تطعيم لتوفير 18 مليون جرعة من أول لقاح للملاريا على الإطلاق لـ 12 دولة في مناطق شتى من أفريقيا بحلول عام 2025.
تتبنى المنظمة حاليا آفاقا جديدة، حيث أعلنت أنها تتجه نحو استغلال الذكاء الاصطناعي في الصحة الرقمية، في ظل نمو تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي في مجال الصحة. كما تعمل على مواجهة الأزمة الصحية المميتة المرتبطة بالمناخ، اعتبارا لتأثير التغيرات المناخية على ما لا يقل عن 3.5 مليار شخص، أي ما يقرب من نصف سكان العالم.
الانجازات التي حققتها وتحققها منظمة الصحة العالمية ترافقها العديد من الانتقادت على غرار تحميلها جزء من مسؤولية تفشي فيروس الإيبولا في غرب أفريقيا في عام 2014، حيث أُلقيَ اللوم على ضعف التواصل والموظفين لإخفاقهم في الاستجابة بسرعة لتفشي المرض.
كما تعرضت منظمة الصحة العالمية لانتقادات شديدة بسبب الطريقة التي تفاعلت بها مع فيروس كورونا، حيث أعلنت الرئيس الأمركي دونالد ترامب حينها أن المنظمة خضعت لسيطرة الصين في أعقاب الوباء، معلنا الانسحاب منها، قرار أبطله الرئيس السابق جو بايدن بعد توليه الرئاسة في 2021.
لكن فور توليه المنصب رئيسا جديدا لامريكا لولاية ثانية، وقّع ترامب أمرا تنفيذيا بالانسحاب مرة ثانية من منظمة الصحة العالمية.
أكبر مانح لمنظمة ينسحب.. فهل يمثل هذا القرار ضربة كبيرة للمنظمة؟
تعد الولايات المتحدة أكبر داعم مالي للمنظمة، إذ تساهم بنحو 18 في المائة من إجمالي تمويلها، وقد أعربت المنظمة في بيان، صادر الثلاثاء 21 جانفي 2025، عن أسفها للقرار، معربة عن أملها في أن يعدل ترامب عنه.
الانسحاب الأمريكي من منظمة الصحة العالمية يعني حتما إجراء عملية إعادة هيكلة، وقد يؤدي إلى عرقلة عمل العديد من المبادرات الصحية العالمية، حيث ذكر مدير عام المنظمة الصحة العالمية أنه سيتم خفض التكاليف ومراجعة البرامج الصحية التي ستكون لها الأولوية، وجاء ذلك في مذكرة داخلية لموظفي المنظمة نشرتها وكالة الانباء “رويترز”.
وقال إن قرار ترامب جعل الوضع المالي أكثر صعوبة، وإن المنظمة تخطط لخفض نفقات السفر بصورة كبيرة، ووقف التوظيف كجزء من سلسلة من التدابير التي تهدف لخفض التكاليف.
ويثير الانسحاب مخاوف أخرى تتعلق بتراجع المكاسب التي تحققت على مدى عقود من الزمان في مكافحة الأمراض المعدية مثل الإيدز والملاريا والسل. خسارة أخرى قد يتسبب فيها قرار ترامب وتتمثل في استدعاء واشنطن للموظفين والمتعاقدين الفيدراليين الذين يعملون مع المنظمة ما يعني خسارة مئات الموظفين ذوي الخبرة المتخصصة في الصحة العامة.
وأكدت الأمم المتحدة أمس الخميس، أن الولايات المتحدة من المقرر أن تنسحب رسميًا من المنظمة في الثاني والعشرين من جانفي 2026.