ثقافة

فرقة “شَكّام” تختتم الدورة العاشرة لأيام قرطاج الموسيقية بعرض موسيقي يعكس رحلة ثقافية بين الشرق والغرب

اختتمت الدورة العاشرة لأيام قرطاج الموسيقية مساء يوم الجمعة 24 جانفي 2025، في حدث موسيقي بالغ الأهمية، حيث كان مسك الختام في مسرح الجهات بمدينة الثقافة مع فرقة “شَكّام”، التي قدّمت عرضاً استثنائياً جمع بين عبق الشرق وسحر الغرب في تجربة موسيقية تعدّ بمثابة جسر بين الثقافات. تزامن هذا العرض مع الدورة التي امتدت سبعة أيام من الإبداع والتنوع، مقدمة للجمهور رحلة موسيقية فريدة تجسد التنوع الثقافي والتلاقح الفني الذي تتسم به هذه التظاهرة.

تأسست فرقة “شَكّام” في عام 2014 بقيادة الفنانة الإيرانية سوغول ميرزاي، ومنذ نشأتها، سعت إلى تقديم صوت موسيقي يعبر عن التلاقي بين الثقافات الشرقية والغربية. كان عرضهم الختامي في دورة 2025 بمثابة شهادة على هذه الفلسفة الموسيقية، حيث تم المزج بين الآلات التقليدية الحديثة والقديمة، وتقديمها في إطار معاصر، ليكون بذلك عرضًا موسيقيًا يعكس قضايا إنسانية كبرى مثل الحرية والعدالة. لم يكن هذا العرض مجرد تفاعل بين الآلات، بل كان تواصلًا عاطفيًا يتجاوز الحدود الجغرافية والثقافية، محاكياً أصوات الماضي بآمال المستقبل.

“شَكّام” اختارت أن تغني في لغتين: إحداهما موسيقية تقليدية تستمد جذورها من الموسيقى الفارسية والعربية، والأخرى معاصرة تمزج بين الارتجال والابتكار. هذه المغامرة الموسيقية بدأت بتجربة تُحتسب على تعدد الأنماط الموسيقية التي استخدمتها الفرقة. عزفت سوغول ميرزاي على آلة الطار، وهو آلة تقليدية تعكس سحر الموسيقى الشرقية، بينما قدّمت كرستين زايد، الفنانة الفلسطينية، عزفًا رائعًا على آلة القانون التي تعتبر رمزًا للموسيقى العربية الكلاسيكية. أما ماري سوزان دولوا، فقد أضافت بلمستها المميزة عبر آلة الفيولا دي غامبا لمسة موسيقية تنتمي إلى التقاليد الغربية، مما أسهم في خلق لغة موسيقية تُخاطب الأذن وتصل إلى أعماق الروح. التوازن بين هذه الآلات شكّل لوحة موسيقية معقدة، حيث تتواجه الأوتار وتتناغم في نفس الوقت، مما أضاف بعدًا آخر للعمل الذي تماهى فيه الصوت والصمت بشكل مبدع.

العرض كان بمثابة حوار موسيقي بين الأزمنة والثقافات، حيث أسهمت الفرقة في إعادة تفسير التقاليد الموسيقية الفارسية والعربية، وتقديمها في قالب معاصر مبتكر. استطاعوا أن يعبروا عن تناقضات الحياة عبر الإيقاعات المتنوعة، حيث مزجوا الحنين إلى الماضي مع الأمل في غدٍ أفضل. كانت الألحان تتراوح بين العاصفة الهادرة واللحظات الهادئة المفعمة بالسلام الداخلي، مما جعل الجمهور يعيش لحظات عاطفية محملة بالتوتر والحلم.

أما على مستوى المهرجان، فقد جاء عرض “شَكّام” ليكون تتويجًا لبرنامج حافل بالألوان الموسيقية المتنوعة، التي قدمها فنانون من مختلف أنحاء العالم. كان المهرجان هذا العام منصة للاحتفاء بالتعدد الثقافي، حيث تضمن عروضًا بارزة مثل فرقة “طراباند” التي تجمع بين العراق ومصر والسويد، و**”سي المهف”** التونسية، وفرقة “أوتوستراد” الأردنية، والفنانة إليدا ألميدا من الرأس الأخضر، بالإضافة إلى مغني الراب الفلسطيني الأصل بيغ سام.

كما أعطى المهرجان فرصة للمواهب الجديدة لتتألق على مسارح تونس، حيث أُقيمت أكثر من 15 عرضًا متنوعًا من حفلات في القاعات إلى عروض في الهواء الطلق على شارع الحبيب بورقيبة، مما أتاح للمجتمع التونسي فرصة لاكتشاف إبداعات جديدة تتماشى مع روح العصر.

إن اختتام الدورة العاشرة لأيام قرطاج الموسيقية بهذه التجربة الموسيقية الفريدة من نوعها لم يكن مجرد حفل ختام، بل كان تجسيدًا للرسالة الثقافية للمهرجان، التي تسعى إلى فتح آفاق جديدة في عالم الموسيقى والفنون، وتعزيز التواصل بين الشعوب عبر اللغات الموسيقية المتنوعة.

ملاك الشوشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى