بمناسبة الذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاق الشراكة مع تونس، نشر سفراء الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بتونس اليوم الخميس 17 جويلية 2025، بيانا تحت عنوان ”الاتحاد الأوروبي – تونس: رؤية مشتركة ومستقبل نبنيه معا” تطرقوا فيه لعلاقات الشراكة بين تونس ودول الاتحاد الأوروبي وتقييم هذه الشراكة ومستقبلها في ظل التطورات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم.
وفي ما يلي نص البيان:
في عام 2025، وفي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، واضطراب النظام العالمي التعددي، وأزمة حقوق الإنسان، والعديد من التحديات العالمية (المناخ، والهجرة، وغيرها)، يحتفل الاتحاد الأوروبي وتونس، اليوم 17 جويلية، بالذكرى الثلاثين لتوقيع اتفاق الشراكة بينهما، مؤكدين التزامهما بالحفاظ على وحدتهما.
وقد أرسى هذا الاتفاق، وهو الأول من نوعه في المغرب العربي، إطارًا لتطوير الحوار والتعاون بين تونس والاتحاد الأوروبي. وازدادت هذه المبادرة المشتركة بُعدًا ورؤيةً بالنظر إلى أن أوروبا، في ذلك الوقت، وبينما كانت تشرع في إعادة توحيدها التاريخي شرقًا، كانت تُشدد أيضًا على الأهمية التاريخية الكبيرة لتطوير علاقاتها مع جوارها الجنوبي. إن توقيع مذكرة التفاهم عام 2023، وإعداد ميثاق المتوسط هذا العام، وهو لبنة جديدة في مسار برشلونة، يُظهران التزامًا واضحًا بجعل هذه الشراكة أساسًا للاستقرار والتجارة والتضامن في منطقة متغيرة.
لذا، نحن نعيش اليوم لحظةً حاسمةً للاحتفال بهذا الاتفاق، الذي شكّل منعطفًا تاريخيًا في العلاقات بين تونس وأوروبا، وأرسى أسس شراكة استراتيجية واقتصادية وسياسية وإنسانية.
على مدى ثلاثة عقود، استمرت هذه الشراكة في التطور والتدعيم. وهي ترتكز على أهداف مشتركة: التنمية المستدامة، والتضامن، والرغبة في تحقيق ازدهار مشترك بين ضفتي المتوسط.
الاتحاد الأوروبي شريك قوي وموثوق لتونس، ويرغب في أن يظل كذلك. ولا تقتصر متانة هذه الشراكة على مجرد التصريحات، بل تتجلى عمليًا من خلال الأفعال والنتائج، وهو ما توضحه الأرقام والإحصاءات. إذ يُعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الرئيسي لتونس، حيث يستقبل 70% من الصادرات التونسية. وتتميز هذه العلاقة التجارية بتوازنها – مع وجود فائض لصالح تونس في أغلب الأحيان – مما يُبرز طبيعة شراكتنا القائمة على مبدأ الربح للجميع. كما يظل الاتحاد الأوروبي المستثمر الرئيسي في تونس، إذ تُمثل الاستثمارات الأوروبية 88% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتُسهم في 90% من فرص العمل التي تُوفرها هذه الاستثمارات في تونس. وهناك مشاريع ملموسة في مجالات الصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين والطاقة. وبفضل اتفاق الشراكة، الذي يُعفي معظم الصادرات التونسية إلى الاتحاد الأوروبي من الرسوم الجمركية، تمكنت تونس من دمج سلاسل القيمة الصناعية الأوروبية، وزيادة قيمة صادراتها، وتنويع قطاعاتها الإنتاجية، وخاصةً النسيج والصناعات الغذائية ومكونات السيارات.
وتوجد مشاريع ملموسة في جميع المجالات، بما في ذلك الصحة والتعليم والمساواة بين الجنسين والبنية التحتية ــ بدءا بالدعم المالي بقيمة 123 مليون يورو (حوالي 416 مليون دينار) الذي خصصه البنك الأوروبي للاستثمار لبناء الجسر الجديد في بنزرت ــ فضلا عن قطاع الطاقة حيث تساهم العديد من المشاريع المشتركة في تعزيز سيادة تونس في هذا المجال.
إلى جانب الاقتصاد، عزز اتفاق الشراكة الروابط بين شعوبنا. فقد شارك آلاف الطلاب والباحثين الشباب التونسيين في برنامج إيراسموس+ (Erasmus+)؛ وساعدت برامج التنمية الإقليمية في تعصيرالمدارس والمستشفيات والبنية التحتية المحلية. ودعم الاتحاد الأوروبي مبادرات تعزز المساواة بين الجنسين، وتشغيل الشباب، والانتقال الرقمي والطاقي؛ وقد قام المجتمع المدني التونسي بدورًا رئيسيًا في التنمية المستدامة والتحول الديمقراطي في البلاد.
ومنذ توقيع اتفاق الشراكة، أصبح الاتحاد الأوروبي شريكًا محوريًا لتونس، حيث قدم الدعم الفني والمالي والسياسي للعديد من مشاريع الإصلاح التي أطلقتها البلاد. وبمناسبة هذه الذكرى الثلاثين، يسعى الشريكان لإعطاء دفع جديد لعلاقتهما. ويركز الحوار الاستراتيجي الذي بدأ في السنوات الأخيرة على التحديات المستقبلية المشتركة: تغير المناخ، والإدارة الإنسانية والتضامنية في مجال الهجرة، ومكافحة تدفقات الهجرة غير النظامية، والابتكار التكنولوجي، والتدريب، والأمن الغذائي.
ويُعدّ الاحتفال بهذه الذكرى كذلك فرصةً للتأمل في سُبل تعميق الشراكة، القائمة على احترام متبادل أكبر، والالتزام بالقيم الأساسية، ومراعاة مصالح جميع الأطراف، لا سيما الشباب والهجرة والإصلاحات الاقتصادية والشركات الصغيرة والمتوسطة والمناطق الأقل نموًا.
خلال النصف الأول من عام 2025، سلّطت المؤتمرات والمعارض والمنشورات والمشاريع الثقافية الضوء على إنجازات هذه الشراكة الفريدة، مع فتح حوار شامل حول مستقبلها. وكان يوم أوروبا، الذي يُحتفل به في 9 ماي، حدثًا بارزًا في هذا الصدد، حيث نُظمت فعاليات في عدة مناطق من تونس للاحتفاء بهذه الشراكة.
بعد ثلاثين عامًا من توقيعه، لا يزال اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس ركيزةً أساسيةً للشراكة الأورومتوسطية. فقد ساهم في بناء جسور قوية بين الشعوب والمؤسسات والاقتصادات. ولكن، بعيدًا عن هذا التقييم، يجب أن نتطلع الآن إلى العقود القادمة، برغبة مشتركة في مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين معًا.
زر الذهاب إلى الأعلى