خلص صندوق النقد الدولي، في وثيقة تضمنت توضيحاته على خمس اسئلة أساسية، تتعلق بتونس نشرها، مؤخرا، إلى أنّه يتعيّن على تونس “بذل جهود كبيرة لأنّ اقتصادها لايزال عرضة لتأثير الهزات الخارجية وخاصة تباطؤ النمو في أوروبا وتلّقب سعر البترول والمخاطر الأمنية”.
وتعلّقت الأسئلة، التي نشرها الصندوق على موقعه الالكتروني، بتقييم الوضع الاقتصادي في تونس وكيفيّة التخفيض من الدين العمومي دون إلحاق الضرّر بالفئات الفقيرة وتقليص حجم الاجور وبالاجراءت التي يتوجب إقرارها لتقليص التضخم ودعم الطاقة.
ويرى الصندوق أنّ لجوء الحكومة التونسية المكثف الى أسواق المال الدولية لتعبئة تمويلات يجعل من تونس عرضة الى الارتفاع المفاجئ لنسب الفائدة والى تقلب مزاج المستثمرين ” خاصة وان “تونس توجه هذه التمويلات الى المصاريف الجارية ومنها تسديد اجور الوظيفة العمومية والى دعم الطاقة وهذا غير عادل بالنسبة للشباب التونسي”.
* كيف يقيّم صندوق النقد الدولي الوضع الاقتصادي لتونس وهل ثمة تحسن ؟
حققت تونس تقدما كبيرا، خلال السنوات الاخيرة، فقطاع السياحة يشهد انتعاشة منذ سنة 2018 والفلاحة تظهر تحسنا. كما ان قطاع الفسفاط استعاد نشاطته منذ مطلع 2019
والنفقات الاجتماعية ارتفعت الى 2,7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2019.
وتقدمت الحكومة على درب إرساء الاصلاحات الاقتصادية، إذ تراجع عجز الميزانية من 6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2017 الى 4,6 بالمائة سنة 2018 نظرا لارتفاع المداخيل الجبائية.
وأفضى اعتماد نظام سعر صرف تحدّده السوق أكثر، إلى كبح عجز المعاملات الجارية من خلال دفع الصادرات واعادة تكوين احتياطي من العملة الاجنبية. كما تراجع التضخم رغم بقائه مرتفعا نسبيا عند نسبة 7,5 بالمائة مع موفى 2018.
لكن، في المقابل، يتعين على تونس بذل جهد أكبر خاصة وأنّ اقتصادها لايزال عرضة لتاثير الهزات الخارجية وخاصة تباطؤ النمو في أوروبا وتقلب أسعار البترول والمخاطر الأمنية.
وينتظر ان ترتفع نسبة النمو، خلال سنة 2019، بشكل طفيف بيد أنّ الاستثماراتستبقى ضعيفة وكذلك الصّادرات فيما سيبقى معدل البطالة في مستوى في حدود 15,5 بالمائة خاصة في صفوف الشباب والنساء والتونسيين المقيمين خارج المراكز الحضرية.
ومن المهم جدا، ان تعمل السلطات التونسية على تقليص التضخم والتخفيض التدريجي للدّين العمومي والدّين الخارجي، اللذين مثّلا على التوالي 77 بالمائة و94 بالمائة من النّاتج الدّاخلي الخام للبلاد سنة 2018.
والأمر الايجابي، في ظل هذه الأرقام، هو أنّه يمكن رفع هذه التّحديات حتّى ينعم المواطن التونسي بأثر هذه الاصلاحات. وقد انخرطت السلطات التونسية على سبيل المثال في تنفيذ اصلاحات من شأنها مساعدة القطاع الخاص على احداث مواطن العمل علاو ة على إقرار إجراءات اجتماعية فعّالة تحمي الأسر ضعيفة الدخل من تأثيرات التعديلات الجارية على مستوى الاقتصاد الكمي.
كما يتجلى من الأهمية بمكان، احتواء نمو كتلة الأجور في الوظيفة العمومية والتقليص من الدعم الموجه لقطاع الطاقة ، هي الوسيلة الوحيدة الواقعية حتى تظهر للعيان النتائج الاولية على مستوى الاقتصاد الكلي وتستشعرها مختلف الفئات الاجتماعية.
ويعمل صندوق النقد الدولى، بالتوازي، وفي اطار التعاون مع المجموعة الدولية، على مواصلة دعم جهود تونس من خلال مساعدة مالية وأخرى فنية تتعلق بدعم القدرات.
* كيف تقّلص تونس الدين العمومي دون الإضرار بالفئات الضعيفة؟
يرى صندق النقد الدولي، أن توسع القطاع العمومي، المتأتي من الرفع المتكرر للاجور ونمو كتلة الاجور الناجم عنه، يشكل احد الاسباب الاساسية لارتفاع عجز الميزانية في تونس. وساهم عجز الميزانية المرتفع وتراجع سعر صرف الدينار في تراكم سريع للدين العمومي، ليبلغ 77 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وهو ما يشكل عائقا هائلا للبلاد.
وتسعى تونس الى مجابهة مشكل الدين العمومي من خلال اقرار استراتيجية تقوم على اربعة عناصر تنطلق من رفع العائدات الضريبية مرورا بتقليص الدعم الموجه للطاقة وكبح جماح نمو كتلة الاجور وصولا الى اصلاح نظام التقاعد.
وبين الصندوق، أن السلطات في تونس تعي أنّ هذه الاصلاحات يمكن ان تضع الفئات ذات الدخل المحدود في مواجهة صعوبات مما جعلها تقدم ،حديثا، على دعم القدرة الشرائية للفئات الهشة.
* لماذا تقليص كتلة الاجور رغم ارتفاع كلفة الحياة؟
يتعين على تونس، التي باتت تمتلك كتلة اجور في القطاع العمومي من بين الأعلى عالميا ( 15 بالمائة من الناتج الداخلي الخام)، التحكم في هذه الكتلة من خلال اعادة توجيه الانفاق العمومي الى استثمارات والى انفاق اجتماعي يفضى الى نمو مدمج.
وقامت الحكومة التونسية للحد من العجز التجاري، خلال سنة 2019، على الرغم من هذه الزيادات غير المتوقعة للاجور، بمزيد
الترفيع في الضرائب وفي سعر الطاقة مما يضر بالمجتمع بصفة عامة وبالقطاع الخاص رغم أن هذا الاخير ضروري لاحداث مواطن الشغل وتقليص البطالة المرتفعة.
وتشير التجارب الدولية المتعلقة بالتحكم في كتلة الاجور الى أنّ اعتماد مقاييس صارمة في مجال التوظيف ووضع برامج مغادرة الطوعية، قد يكون ناجعا على المدى البعيد بيد انه يحتاج الى وقت للحصول على نتائج ملموسة. وبالمحصلة فان “الاعتدال ” الضريبي يجب ان يكون احد مكونات استراتيجية السلطات لتقليص ارتفاع كتلة الاجور على المدى القصير.
* ماهي الاجراءات الي يوصي بها الصندوق لتقليص التضخم؟
اصبح ارتفاع الاسعار في تونس امرا يبعث على الانشغال لدى جميع التونسيين الذين لم يعرفوا نظيرا له منذ سنة 1990 وقد استقرت نسبة التضخم ،مؤخرا، عند حدود 7 بالمائة، اي ما يعادل مرتين المعدل التاريخي.
وقد أقدم البنك المركزي التونسي، لمعالجة التضخم على رفع نسبة الفائدة المديرية ب275 نقطة اساسية منذ شهر مارس 2019 لتبلغ 7,75 بالمائة، حاليا. وقد بدأت هذه السياسية تؤتي أكلها في مجال كبح نمو القروض.
وأسهم التضييق المالي الذي اعتمدته تونس للحد من التضخم في حماية القدرة الشرائية وخاصة لدى الفئات الاكثر هشاشة والذين ليسوا عرضة للتاثيرات الهامة لارتفاع الاسعار وحسب بل لا يمتلكون الأدوات للاحتماء منها. كما يتيح تخفيض الاسعار تقليص عدم ثقة الفاعلين الاقتصاديين مما يساعد على جذب الاستثمار والشغل.
* لماذا يوصى الصندوق تونس بتقليص الدعم الموجه للمحروقات؟
يشكل دعم المحروقات في تونس، 2,5 بالمائة من الناتج الداخلي الخام ،أي زهاء نصف عجز الميزانية لسنة 2018 ويعد اكثر من المبالغ الموجهة الى البرامج الاجتماعية .
ويخدم الدعم، أساسا، الفئات الاكثر رخاء في المجتمع والتي تمتلك أكبر عدد واكبر حجم من العربات وتستهلك نسبة اعلى من الكهرباء المستخدم في تكييف الهواء على سبيل المثال.
ويستفيد 20 بالمائة من التونسيين الاكثر ثراء من 28 بالمائة من اجمالي قيمة الدعم في حين يتلقى 20 بالمائة من الاكثر هشاشة في المجتمع 14 بالمائة فقط، مما يجعل المبالغ المخصصة للدعم غير عادلة.
كما ان الدعم يشجع على المزيد من الاستهلاك ويؤثر سلبا على المبادلات الجارية لا سيما وأنّ البلاد تورد النصيب الاكبر من الطاقة المستهلكة وتبلغ 8 بالمائة من الناتج الداخلي الخام و 80 بالمائة من حجز المبادلات الجارية سنة 2018.
ويبدو من الضروري الالغاء التدريجي للدعم وقد بدأت السّلطات التونسية في العمل ضمن هذا التوجه عبر التّرفيع في عدّة مناسبات في أسعار المحروقات في سعر استهلاك الكهرباء والغاز الطببعي.
ويدعم صندوق النّقد الدولي توجه تونس نحو تحسين الرعاية الاجتماعية وخاصة تقليص الثأثيرات السلبية على الفئات الهشة. وقد زادت الاعتمادات الموجهة الى البرامج الاجتماعية الى 2,7 بالمائة من الناتج الداخلي الخام سنة 2019 مقابل 1,9 بالمائة خلال 2017.
المصدر: وات