حين سئل محمود درويش عن الشعر والمستقبل فأجاب “الذاهب إلى المجهول هو الذي يبقى” . والمجهول هنا قد طرقه الروائي الهادي جاء بالله في روايته الثالثة “رواية 2160” حيث لامس موضوعا يتصل بالألفية الثالثة وخاصة ما تعلق بالبيئة والتغيرات المناخية.
الرواية عن دار عليسة للنشر 2023 من الحجم المتوسط وهي تقع في 150 صفحة وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام الأول كلمة وإهداء بقلم المؤلف والثاني الرواية والثالث تعقيب الدكتورة نور الهدى باديس.
تنفتح الرواية عن ذاتها وتحدّث عن مشروع فني في الكتابة بداية من عتبة العنوان “رواية 2160 ” إذ أن الهادي جاء بالله واع تماما بأن هدف الكاتب هو تطوير أعماله الروائية فبعد رواية “الدراوس” سنة 2002 ورواية “موسم الرزاز” 2006 و2013 في طبعتين نجده يقدم على العمل الثالث ناقدا لصوص السياسة والثقافة والبحث والعلم الذين لا هدف لهم إلا المال وبقي الإنسان خارج دائرة الاهتمام وقد فضحهم جميعا فيروس الكورونا الذي حطم وهم الإنسان.
ولسنا نبالغ إن قلنا إن الروائي جاء بالله قد قام بمغامرة بطرح هذا الموضوع فهي مختلفة عن السائد بعبارة باديس يحتار القارئ في تصنيفها على مستوى الجنس الأدبي لأنها تحتوي على فنون عديدة ومجالات كثيرة لعبور الرواية لهذه الأجناس كالشعر والقصة والإحصاء والتنجيم والطب وعلم المناخ والتعجيب.
يقسم الكاتب روايته إلى قسمين ما قبل الكارثة الكبرى وما بعدها وبين هذين الحدثين تنبجس الأحداث والأخبار ويطول الزمن فيكون في المطلق والمجهول الذي تحدث عنه درويش في بداية هذا المقال فتطول المغامرات وتدور الأحداث في مدينة “رودة” فتعيش الشخصيات الغرابة في السن والحياة فيمتد عمر الإنسان أكثر من قرن ونيف هو إنسان 2160 لعب الكاتب لعبة الذاكرة بين الماضي والحاضر والمستقبل لذلك نجد أغلب الأحداث تقوم على هذا المعنى وقد تغيرت هيأة الإنسان فأصبح ضئيل الجسم وتقلص لحمه وعضمه وهو تغير عقب الكارثة الكبرى نتيجة التغير المناخي الذي أنتج مناخا هوائيا جديدا احتوت مادة جديدة هي مزيج “من الإيدروجين والأكسجين” قال عنها الكاتب “وهي المادة التي استنشقتها الكائنات التي بقيت على قيد الحياة، مادة كانت وراء تغيير كلي لجسم الإنسان وغرائزه ومذاقاته وجسر حياته المفترض”.
وقد تحكمت في الرواية بنية زمنية مختلفة كان الاسترجاع فيها هو المهيمن عبر ثقوب الذاكرة.
أما النهاية الفاجعة لخالد الذي بدأ يفقد شيئا فشيئا مكوناته فسقط الشعر وتحلل الجلد وانتهى الجد خالد إلى التحلل ولم يبق منه غير الذكرى والرأس الذي يرمز إلى الأصالة والهوية.
أما الأسلوب العجائبي الذي اعتمده الكاتب، أليس “العجائبي سُلالة سردية تؤثر في بنية الرواية ودلالاتها”، فقد بان واضحا في هذه الرواية بداية من بناء الأحداث والشخصيات والعلاقات بينها حتى أنه استعمل تقنية الميتاروائي أو الرواية الواصفة باستعمال الرواية داخل الرواية.