ثقافة

رؤوف ماهر يعد هيئة مهرجان بلاريجيا الدولي بإحياء عرض خيري: الفن في خدمة الإنسانية

في ليلة صيفية مفعمة بالمشاعر والألوان، تحول فضاء المركب الثقافي عمر السعيدي بجندوبة إلى مسرح حيّ للمحبة والانتماء، حيث أضاء الفنان التونسي رؤوف ماهر سماء المدينة بعرض فني استثنائي، ضمن فعاليات الدورة 49 لمهرجان بلاريجيا الدولي. هذا الموعد الثقافي الذي بات أحد أبرز التظاهرات الصيفية في الشمال الغربي للبلاد، شهد حضورا جماهيريا كثيفا غصّت به مدارج مسرح الهواء الطلق، في مشهد عكس العطش للفن الراقي واللقاءات الإنسانية.
صوت الوطن… ونبض المقاومة
منذ اللحظة الأولى، بدا العرض مختلفا في روحه ورسائله. افتتح رؤوف ماهر السهرة بموال مؤثر، طاف فيه عبر جهات البلاد من الشمال إلى الجنوب، مجسّدا من خلال صوته العذب وحدة تونس وتنوعها. وجاءت كلماته بمثابة اعتراف حبّ بكل شبر من الوطن، مؤكدا بذلك أن انتماءه الفني والوجداني يتجاوز الجغرافيا نحو عمق الهوية.
غير أن اللحظة الأشد تأثيرا كانت عند تخصيصه لأغنية مهداة إلى الشعب الفلسطيني، حيث ظهر متوشحا بالكوفية الفلسطينية، في حركة رمزية اختزلت الكثير من المعاني، وجعلت من الخشبة منبرا للدعم والمناصرة. الأغنية، التي حملت نبرة وجدانية عالية، لقيت تفاعلا كبيرا من الجمهور، الذي صفق طويلا وشاركه الغناء، في مشهد جمع بين الفن والقضية.
وعدٌ بالعودة… ولكن هذه المرة من أجل الخير
ما ميّز هذا الحفل أيضا لم يكن فقط الجانب الفني، بل البعد الإنساني الذي حضر بقوة. ففي لفتة نبيلة، أعلن رؤوف ماهر، خلال حديثه للجمهور، عن نيته العودة إلى جندوبة في أقرب الآجال لإحياء عرض ثانٍ، لكن في إطار خيري، يذهب ريعه لدعم المبادرات الثقافية والاجتماعية بالجهة. هذا الإعلان، الذي وثّقه مراسل “راديو إي آف آم” رشيد قروي، قوبل بتصفيق حار وامتنان واضح من الحضور، وكذلك من هيئة مهرجان بلاريجيا، التي أثنت على المبادرة واعتبرتها علامة من علامات التزام الفنانين الحقيقيين بقضايا مجتمعاتهم.
علاقة خاصة بين الفنان وجمهوره
لم تكن الأمسية مجرد حفل غنائي، بل تظاهرة استثنائية جمعت بين الترفيه والتعبير عن الانتماء والمواقف. الجمهور، الذي تفاعل مع كل الأغاني واللوحات الراقصة، أعاد التأكيد على أن الفن الأصيل لا يزال قادرا على ملامسة القلوب وإحداث الأثر. وبدا واضحا أن العلاقة التي تجمع رؤوف ماهر بجمهوره في جندوبة تتجاوز الحضور الفني إلى رابطة وجدانية قائمة على الاحترام المتبادل والاعتراف المتبادل.
بلاريجيا… مهرجان يستعيد روحه
يُحسب لمهرجان بلاريجيا الدولي في دورته 49 قدرته على استقطاب فنانين ذوي قيمة فنية وإنسانية مثل رؤوف ماهر، مما يؤكد أن هذه التظاهرة بدأت تستعيد مكانتها كمحطة ثقافية بارزة في المشهد الصيفي التونسي. والرهان اليوم، كما يقول عدد من المتابعين، هو الحفاظ على هذا الزخم وتعزيزه من خلال دعم الفن الهادف وفتح المجال أمام المبادرات الثقافية ذات البعد الاجتماعي.
بين الفن والواجب
قد يكون العرض الذي أحياه رؤوف ماهر في جندوبة واحدا من عشرات الحفلات التي يقدمها في الصيف، لكنه بلا شك يحمل خصوصية لا تُخفى: فن يلتقي بالرسالة، وصوت يحتضن قضايا الوطن والإنسان، وعودة مرتقبة لعرض خيري تجعل من الفنان أكثر من مجرد مؤدٍّ، بل شريكا فعليا في تنمية مجتمعه.
في زمن تزداد فيه الحاجة إلى مبادرات تدمج بين الإبداع والمسؤولية، يبرز موقف رؤوف ماهر كمثال يُحتذى، ويعيد طرح السؤال: هل يستطيع الفن أن يُغيّر الواقع؟ يبدو أن الجواب أتى من جندوبة هذه المرة… بنعم قوية، وإيقاع يرقص على أنغام الأمل.
ملاك الشوشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى