رأي: الكأس التي فضحت وهم التحالف العربي !!
بقلم: أحمد برطيع – كاتب صحفي مغربي وباحث في العلوم السياسية
انتهى مسلسل الترشيح لاحتضان كأس العالم 2026 بفوز الملف الثلاثي الذي تتزعمه ولايات ترامب إلى جانب كندا والمكسيك على حساب الملف المغربي، رغم السعي الجدي للمشرفين إلى نيل هذا الحق. كان الملف المغربي يمثل فعلا حلم أمة عربية ومغاربية وإفريقية وإسلامية، يتضمن كل العناصر الرمزية التي تمنحه قوة لتنظيم هذه المناسبة العالمية.
هذه الخسارة كشفت عن عملية فرز واصطفاف في صفوف الكيانات المكونة لتلك الأمة المزعومة، التي اعتاد أعضاؤها خلق عداوات مجانية تُحجّم حظوظ التنمية والتقدم لمجتمعاتها، تلك الأمة التي تغنّت بها زورًا أوبِّرا “الحلم العربي” المجهض، ليتأكد بالملموس حجم التضامن بين أعضاء “الدين الواحد” و”اللغة الواحدة” و”المصير الواحد”.
لا يمكن لوْم المملكتين السعودية والهاشمية على منح صوتيهما للملف الثلاثي بما يتماشى مع مصالحهما الآنية والإستراتيجية لشعبيهما. من حقهما السعي وراء ضمان عيش كريم وحياة رفاه للمواطنين كلما سنحت الفرص بذلك، كما لا يمكن لوم الدول الإفريقية التي اختارت نفس نهج المملكتين في ظل تهديدات “ترامب”، الرئيس المعجب بالبنادق بمنع المساعدات على الممتنعين، بدل الإقتداء بالجمهورية الإسلامية إيران التي منحت صوتها للمغرب رغم قطعه –مؤخرا- لعلاقته الدبلوماسية معها. نعلم أن أصوات “الأشقاء” لن تغن ولن تسمن ولكنها تُطمْئن.
هكذا هي العلاقات الدولية، تُبنى بالدرجة الأولى على المصالح قبل الإيديولوجية أو الطائفية، لذا كان على المغرب توقّع هذا الخذلان من “الأشقاء” المقرّبين المشكِّلين لكتائب “التحالف العربي” ضد بلد عربي. ممارسة الحق يجب أن لا تخضع للعاطفة ولا الدين ولا أن تُبنى على انتماءات وهمية من قبيل “القومية العربية” و”الدين” وغيرها..
بالمقابل، أفرز حدث 2026 اصطفافًا جديدًا شكل بارقة أمل يمكن العمل على تطويرها لبناء حلف مع شركاء حقيقيين يتقاسمون مع المغرب إستراتجية واحدة، لنسج علاقات متينة على أرضية مشتركة. من خلال تفعيل البعد المغاربي للتقارب مع الشقيقة الفعلية الجزائر التي منحت صوتها للمغرب في بادرة حسن نية يجب تثمينها ورد جميلها، ثم دولة تونس التي تبدي دائما التزاما أخلاقيا وسياسيا اتجاه مصالح المملكة دون تسجيل أي هفوة في مواقفها. ثم البعد الإفريقي، لأن المغرب أهمل لفترة طويلة انتماءه الأول كبلد إفريقي وانخرط في نسيج بحياكة رديئة أنتجت بساط ريح سمي “عالم عربي” أقحم قسرا في بوتقته.
كون المغرب بلدًا مسلما لا ينفي عليه أنه في الأول وفي الأخير “مملكة افريقية” عريقة تمتد إلى ما قبل دولة “الأدارسة”. تاريخ يمتد كما أوضح ذلك مؤسس الحركة الامازيغية العميد محمد شفيق إلى 33 قرن. تاريخ طويل يحاول “القوميون” طمسه واختصاره في 12 قرنا فقط . هذا الإهمال الذي يطال تاريخ المملكة ومحاولة البعض إلحاقها بتاريخ لا يعنيها في شيء يهدف إلى تقزيمها وتغييب الزخم الحضاري الذي تتميز به عن دول الشرق.
لذا، يجب بعث هذا الإرث الحضاري والبشري المشرق للمملكة المغربية ونفض الغبار على حقيقته، وتقديمه للعالم حتى لا يقارن بولايات لا يتجاوز عمرها بضع سنين مثل: الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، وحتى تتبوأ المملكة المكانة التي تليق بها إلى جانب الشعوب العريقة كـ: الأتراك والفراعنة والفرس والروس، والصين والشعوب الإفريقية.. لأن تقصير وجود المملكة في عهود إسلامية فقط يضعف حجمها أمام زحف “الطفرات النفطية”.
كما يجب على المملكة أن تتعامل مع “الأشقاء” بمعيار المصالح وتمتلك جرأة تصحيح القرارات الخاطئة التي اتخذتها مجاملة لفائدة قضايا لا تعنيها لا من بعيد ولا من قريب، مثل انخراطها في “تحالف عربي” يحارب شعبا عربيا عضوًا في الجامعة العربية في تناقض صارخ مع شعارات التضامن العربي والقومية العربية والماضي المشترك والمصير المشترك.