رأي: الإنقلاب الأبيض في السعودية…وبعد..
بقلم بشير النفزي – نائب المجلس الوطني التأسيسي وقيادي في تونس الارادة:
فوجئ العالم بقرار الملك سلمان فجر هذا اليوم بإزاحة الأمير محمد بن نايف عن ولاية العهد و عزله من كل المناصب التي يشغلها بما فيها منصب وزير الداخلية و تعيين إبنه محمد بن سلمان مكانه وليا للعهد. قرار مباغت و يطرح أكثر من تساؤل. من ناحية فالأمير محمد بن نايف ولي العهد السابق كان رجل “أمريكا” المدلل و الذي إضطلع سابقا بمهام أمنية جد ناجحة جعلت من الإدارة الأمريكية وقتها تفضله على غيره لولاية العهد و هو ما تحقق بالفعل حينما قام الملك سلمان بإزاحة الأمير مقرن و تنصيب الأمير محمد بن نايف خلفا له…في المقابل، و أمام القبول الكبير للأمير بن نايف، فإن ولي العهد المعين اليوم محمد بن سلمان عرف بإندفاعه و بالزج بالمملكة في معارك مباشرة، أحسبها، غير مدروسة مثل الحرب على الحوثيين في اليمن و عملية عاصفة الصحراء و التحالف الإسلامي و العربي و غيرها من مواجهات حضرت فيها القوة و غابت عنها المناورة السياسية… مما جعل الإدارة الأمريكية السابقة “تنزعج” نسبيا من نزعته الإندفاعية… ولكن أن تصل الأمور لتزكية محمد بن سلمان في مقابل التخلي عن محمد بن نايف ، فإن ثمن رضاء الإدارة الأمريكية كان باهظا و أظنه تجاوز ما قدمته الرياض لترامب (أكثر من 400 مليار دولار أمريكي) مستغلين التركيبة المزاجية و عقلية الصفقات التي تميز الرئيس الأمريكي… تعيين محمد بن سلمان هو إنعكاس لسياسة المملكة على المدى المتوسط و قوامها مواصلة إختيار الحلول الميدانية و الهجومية و بالتالي مزيد خسارة دورها الإستراتيجي و الإقليمي و التي مافتأت تتخلى عنه لصالح تركيا و إيران … كذلك، فلقد نجد ردود أفعال متباينة في صلب العائلة المالكة ذاتها حيال قرار التعيين خاصة و أن شقا من العائلة مثلا هو ضد الحصار السعودي الإماراتي البحريني على قطر و الطريف أن محمد بن نايف ولي العهد المعزول هو رأس حربة هذا الشق و علاقته بقطر جد ممتازة…
ما حصل في المملكة السعودية سيحصل في دولة الإمارات، وسنسمع قريبا بتعيين محمد بن زايد نائب حاكم أبو ظبي حاكما لهذه الإمارة و رئيسا للإمارات مكان الأمير خليفة بن زايد والذي هو شبه معزول و لا أستغرب إنقلابا أبيض من قبيل الإستناد على تعلة العجز الصحي…
من المفارقات كذلك أن هذا الثنائي “الموعود” هما العقلين المدبرين للحصار على دولة قطر وهما من يدفعا تكلفة قصر النظر الدبلوماسي و السياسي لقرار بلديهما في مقابل تسجيل قطر نقاط دبلوماسية كبيرة و كسبها لأشواط في المعركة الدبلوماسية و الدولية جعلتها تعكس الهجوم و اليوم بالذات تفتح أبواب كانت مغلقة و مسكوت عنها لعل أبرزها تقرير مجلس الشيوخ الأمريكي الصادر بالأمس و المتعلق بأحداث 11 سبتمبر و الذي وقع ذكر دولة الإمارات أكثر من أربعين مرة كنقطة عبور و تبييض للأموال التي بواسطتها وقع تمويل هجمات 11 سبتمبر على برجي التجارة العالمية….
في المحصلة، فتعيين محمد بن سلمان وليا للعهد هو حدث مهم و الأهم هو فهم تفاصيله و لا أستغرب أن يقوم الملك سلمان بالتنازل للحكم لصالح ولي عهده و قد يكون ذلك سريعا حيث أن مختلف المعارك التي إنخرطت فيها السعودية كانت من تدبير و بتزكية محمد بن سلمان…
أخيرا، كل هذه التطورات تنذر بتغييرات جيوإستراتيجية عميقة و قد نشهد قريبا تشكل ثلاث محاور إقليمية جديدة ستكسر المشهد السياسي الحالي و لا أبالغ إن قلت أن المملكة العربية السعودية ستكون أحد أبر الخاسرين لو لم تراجع بعمق و بصفة جذرية سياساتها الإقليمية و الدولية.