في أجواء مشحونة بالتحديات الأمنية المتصاعدة التي تواجه القارة الإفريقية، احتضنت مدينة بنغازي في 21 أغسطس 2025 أعمال الاجتماع المغلق للجنة خبراء جهاز المخابرات والأمن الإفريقي (السيسا)، في خطوة تمهيدية للقمة المنتظرة لرؤساء الأجهزة الأمنية والمخابرات، المزمع انعقادها ضمن فعاليات مؤتمر “سيسا 20”.
-
اجتماع استثنائي في ظرف حساس
لم يكن اجتماع بنغازي مجرد لقاء تقني بين خبراء الأمن والاستخبارات، بل عكس إدراكًا جماعيًا لدى الدول الإفريقية بضرورة تفعيل التعاون المشترك أمام قضايا باتت عابرة للحدود، بدءًا من الإرهاب العابر للقوميات، مرورًا بظاهرة الهجرة غير النظامية، وصولًا إلى التهديدات الحديثة مثل الأمن السيبراني.
ويشير مراقبون إلى أن التوقيت والمكان يحملان رمزية سياسية؛ إذ تأتي الاستضافة الليبية في لحظة سعي البلاد لإعادة تموضعها كفاعل إقليمي، ما يمنح الاجتماع بعدًا يتجاوز الطابع الفني ليأخذ أبعادًا جيوسياسية. أجندة واسعة.. وملفات شائكة امتدت مناقشات لجنة الخبراء على مدار ثلاثة أيام، وتركّزت على أربعة محاور رئيسية:
1. مكافحة الإرهاب: حيث تم التوافق على ضرورة إنشاء آليات أكثر فاعلية لتبادل المعلومات الاستخباراتية، باعتبارها خط الدفاع الأول أمام الجماعات المتطرفة التي تنشط في مناطق النزاعات.
2. الهجرة غير النظامية: التي تحولت إلى أزمة معقدة تربط بين الجوانب الإنسانية والأمنية والاقتصادية، ما يتطلب مقاربات مشتركة لمعالجتها بدلًا من الحلول الفردية.
3. الجريمة المنظمة العابرة للحدود: والتي تغذي شبكات تهريب السلاح والمخدرات والاتجار بالبشر، وتُعد من أبرز مهددات الاستقرار السياسي في عدة دول.
4. الأمن السيبراني: كملف مستحدث يتطلب تعاونًا تقنيًا لبناء قدرات إفريقية قادرة على حماية البنى التحتية الرقمية من الهجمات المتزايدة.
أحد الأهداف المحورية لهذا الاجتماع هو صياغة توصيات عملية سترفع إلى قمة رؤساء الأجهزة الأمنية. وبحسب مصادر مطلعة، فإن التركيز انصبّ على تقديم مقترحات قابلة للتنفيذ، بعيدًا عن الشعارات العامة، من أجل تسهيل عملية اتخاذ قرارات حاسمة وسريعة. ليبيا..
اختيار مدينة بنغازي لاستضافة هذا اللقاء لم يكن تفصيلًا عابرًا، بل عكس ثقة الاتحاد الإفريقي بقدرة ليبيا على لعب دور في هندسة الأمن القاري. فالبلاد التي عانت لعقد من تحديات داخلية، تسعى اليوم إلى إعادة تثبيت حضورها كمحور استقرار إقليمي.
ويرى محللون أن استضافة هذا الاجتماع “إشارة سياسية مزدوجة”: دعم لليبيا في مسارها نحو الاستقرار، وتأكيد على أن أمنها جزء لا يتجزأ من أمن القارة.
-
“السيسا”.. رافعة الأمن الإفريقي
منذ تأسيسه، يمثّل جهاز المخابرات والأمن الإفريقي (السيسا) إحدى أهم الآليات العملية للاتحاد الإفريقي في مجال الأمن والسلم.
فوظيفته تتجاوز التنسيق إلى بناء شبكة استخباراتية قارية، تهدف لتوحيد الرؤى والجهود، بما يتيح صياغة سياسات جماعية قادرة على مواجهة التحديات المتسارعة.
ينتظر أن يمهّد نجاح اجتماع بنغازي إلى تيسير أعمال القمة المقبلة، عبر تقديم أرضية صلبة لرؤساء الأجهزة الأمنية تمكنهم من حسم القرارات الاستراتيجية. فالرهان الأكبر يتمثل في قدرة الدول الإفريقية على التحرك ككتلة واحدة، بعيدًا عن التباينات السياسية، لمواجهة تهديدات لا تعترف بالحدود.
ملاك الشوشي
زر الذهاب إلى الأعلى