أخبار

جندوبة: حادثة إهانة صحفية تفضح فوضى التنظيم وتجاوزات الأمن والحماية المدنية في مهرجان بلاريجيا الدولي

حين تُهان الكلمة… وتُكمّم العدسة
في مشهد صادم ومؤسف، شهدت فعاليات مهرجان بلاريجيا الدولي بجندوبة حادثة تمثّل انتكاسة أخلاقية ومهنية، حيث تعرّضت صحفية دُعيت رسميًا لتغطية عرض للمهرجان، يوم 2 أوت 2025، إلى الإهانة وسوء المعاملة من طرف عنصر من الحماية المدنية وآخر من الأمن، رغم أنها مارست عملها ضمن الإطار المحدد لها من طرف الهيئة الإعلامية للمهرجان.

تفاصيل الحادثة: الأمن والحماية بدلًا من الحماية… أصبحوا أداة طرد؟
حسب شهادتها، كانت الصحفية في الطابق العلوي من المركب الثقافي، حيث طُلب منها من قبل المسؤول الإعلامي البقاء لمتابعة الفعالية. إلا أن فردًا من الحماية المدنية صحبة عون أمن، اقتحما المكان قاما بالتهدد عليها وأطلقا صرخات في وجهها، قبل أن يطرداها بطريقة مهينة، ويمنعاها من أداء عملها الصحفي في ظروف مهنية محترمة.
وقد قال عنصر من الحماية المدنية للصحفية بنبرة حادة: “قتلك تخرج، معناها تخرج… اهبط من هنا”! مبرّرًا ذلك بأن الطابق العلوي غير مؤهل لوجود أشخاص غير تقنيين نظرًا لوجود “كابلوات الضوء”.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ رفضت الصحفية مغادرة مكانها لأنها كانت تنتظر صعود المسؤول الإعلامي، الذي هاتفته في الغرض وطلبت منه الصعود لحل الإشكال.
فطالت الإهانات المسؤولَ الإعلامي نفسه، الذي حاول تهدئة الموقف والدفاع عن الصحفية. حيث قُوبل بدوره بعدم احترام وتقليل من شأنه و الاستهزاء به، قبل أن يُسمح له فقط ببقاء ابنته في الطابق العلوي. وهو ما دفعه، في لحظة توتر، إلى توجيه كلامه إلى الصحفية قائلاً بحدة: “إي، يا مدام، اهبط”!
وتعود بداية الحادثة المهينة إلى اعتراض المسؤول الفني على تواجد الصحفية وبعض الحاضرين في الطابق العلوي، مما دفعه إلى استدعاء عناصر من الأمن والحماية المدنية لطردهم.

وهنا تطرح الحادثة عدة تساؤلات:
لماذا يُطلب من الصحفية البقاء في مكان غير امن و غير مؤهل أصلاً لوجود غير التقنيين؟
لماذا لم يتم تخصيص مكان ملائم مسبقًا لضمان أداء الصحفية لمهامها في ظروف مهنية؟
ولماذا يُسمح فقط لابنة المسؤول الإعلامي (بناءا على طلبه) بالبقاء في نفس المكان الغير امن و الغير المؤهل بينما يُمنع الصحفيون والحضور الآخرون؟

وقد شهد عدد من الحاضرين، الذين كانوا في الطابق السفلي، ما جرى من تجاوزات وإهانات دون أن يتدخّل أحد لوقف ما يحدث أو التنديد به، ما زاد من الشعور بالإهانة والتهميش لدى المعنيين بالأمر.
هذه الحادثة ليست مجرد مشادّة فردية، بل تكشف عن خلل بنيوي في التنظيم والتنسيق بين الجهات الأمنية وهيئة المهرجان، وتطرح تساؤلات جدية حول احترام الصحافة والحريات العامة.
والمؤسف في كل ذلك، أنه لم يصدر أي اعتذار رسمي للصحفية بعد ما تعرضت له من إساءة ومعاملة مهينة.

من التغطية إلى الإهانة: مَن يحمي الصحفي؟
في دولة يُفترض أنها تكرّس حرية التعبير والعمل الصحفي، من غير المقبول أن يتحوّل الصحفي إلى هدف للترهيب والتضييق، خصوصًا خلال فعالية ثقافية يُفترض أنها تحتفي بالتنوع والتعددية. إن وجود الصحفيين في الفعاليات العامة لا يجب أن يُنظر إليه كتهديد، بل كضمانة للشفافية وتوثيق للأحداث.
من المؤسف أن تنقلب وظائف الأمن والحماية من صيانة النظام وضمان حسن سير الفعاليات، إلى أدوات طرد وإهانة. ويزداد الوضع خطورة عندما تتحوّل هذه الممارسات إلى سلوك ممنهج.
ومن المعروف أن بعض عناصر الحماية المدنية والأمن لا يرحبون بوجود الصحفيين، خشية أن يرصدوا تجاوزاتهم، بل يصل الأمر أحيانًا إلى حدّ الاستهزاء بأصحاب المهنة وعدم احترامهم. في حين أن دورهم الأساسي في المهرجانات والمناسبات العامة هو حماية جميع المتواجدين، وضمان سير الفعاليات في ظروف ملائمة وآمنة.

فوضى تنظيمية أم محاولة ممنهجة لتكميم الأفواه؟
ما حدث في جندوبة لا يجب النظر إليه بمعزل عن سياقه الأوسع، حيث سبق للمهرجان أن شهد ممارسات مشابهة حسب مصادر مطلعة، تعكس وجود نية مبيتة لتقليص هامش الحريات، والتحكّم في الرواية الإعلامية للحدث.
وليست هذه المرة الأولى التي يسعى فيها القائمون على المهرجان إلى افتعال المشاكل وبثّ الفتنة و الفوضى في محاولات لتشويه سمعة التظاهرة. فقد سُجّلت سابقًا ممارسات مماثلة تم التكتّم عليها من قبل المنظّمين وبعض الجهات المتنفذة.
و في ظل غياب أماكن مخصصة للصحفيين، وتجاهل لاحتياجاتهم المهنية، يتضح أن المسألة لا تتعلق فقط بسوء تنسيق، بل بتقاعس ممنهج عن احترام مبادئ حرية الإعلام وكرامة العاملين فيه.

في الختام، إن حادثة جندوبة لا يجب أن تمر مرور الكرام، ليس فقط لحماية الصحفية التي تعرّضت للإهانة، بل لحماية ما تبقى من هامش حرية التعبير في الفضاءات الثقافية. على القائمين على المهرجان أن يدركوا أن النجاح لا يُقاس بعدد الحضور أو الأضواء المسلطة، بل بمدى احترامهم للقيم التي يُفترض أن تُكرّسها التظاهرات الثقافية.

ملاك الشوشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى