نددت جمعية تقاطع من أجل الحقوق والحريات،أمس، بالتتبعات المتواترة في حق العميد السابق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني، على خلفية قضايا رأي.
وذكّرت الجمعية، في بيان لها، بأنّ وكالة الجمهورية بالمحكمة الابتدائية أصدرت قرارًا بإجراء بحث تحقيقي ضد المحامي والعميد الأسبق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني، على خلفية مشاركته في ندوة، حول موضوع “مكافحة الإفلات من العقاب وإطلاق سراح السجناء السياسيين، انعقدت بباريس في شهر فيفري/شباط الماضي”.
وذكرت أنّه تم تتبعه، على هذا الأساس، في قضية تتعلق بـ” استعمال أنظمة معلومات لنشر وإشاعة أخبار وبيانات تتضمن معطيات شخصية ونسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير والإضرار به والتحريض على الاعتداء عليه، والحث على خطاب الكراهية، طبق الفصل 24 من المرسوم عدد 54″.
وعن التفاصيل، قالت جمعية “تقاطع”، إنه تم في شهر فيفري 2024، إجراء ملتقى في باريس، حيث كان موضوعه حول واقع حقوق الإنسان بتونس ومكافحة الإفلات من العقاب وإطلاق سراح السجناء السياسيين، وكان ذلك بحضور الرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي بصفته مدافعًا عن حقوق الإنسان والديمقراطية، مع مشاركة العميد السابق عبد الرزاق الكيلاني في هذا اللقاء”.
ولفتت إلى أنه “على إثر ذلك قررت السلطات القضائية بتونس فتح تحقيق ضد عبد الرزاق الكيلاني رفقة المنصف المرزوقي، مع توجيه عدد من التهم المذكورة في الفصل 24 من المرسوم عدد 54 المتعلق بمكافحة الجريمة الإلكترونية”.
وأشارت الجمعية إلى أنّ البحث كان مقتصرًا على مقطع الفيديو المنشور في صفحة المنصف المرزوقي، والذي بدوره تحدث فيه حول القضايا الحقوقية بتونس بالإضافة إلى تعبيره عن تضامنه مع المعتقلين السياسيين، وتشبيهه بأن الوضع في تونس لا يختلف عن الماضي، وكان جالسًا إلى جانبه عبد الرزاق الكيلاني.
ونقلت الجمعية عن الكيلاني قوله إنّ “إحالته على القضاء كانت مبنية على الكلمة التي ألقاها المنصف المرزوقي يومها، دون ذكر مداخلته هو شخصيًا والإشارة فقط إلى مشاركته فقط في ذلك اللقاء”.
وعند سؤاله عن إجراءات التقاضي، قال الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني إنه “تم التوجه كتابيًا من قبل الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بتونس إلى رئيس فرع المحامين بتونس، وإعلامهم بوجود تتبع جزائي ضده، كما ذكر أنه تم استدعاؤه للمثول أمام قاضي التحقيق بتاريخ 2 أفريل 2024، وإن هذا الأخير كان غائبًا وقد أبلغ ممثل عميد المحامين بذلك وبأنه سيحدد موعدًا آخر في الغرض، دون تقديم تاريخ محدد، حسب ما ورد في نص البيان.
وعلى هذا الأساس، اعتبرت جمعية “تقاطع” أنّ إحالة عبد الرزاق الكيلاني على أنظار القضاء، بسبب مشاركته في ندوة تتعلق بقضايا حقوقية، يعد انتهاكًا لحقوق الإنسان، خاصة منها الحقوق المدنية والسياسية للأفراد والتي من بينها الحق في التجمع السلمي والمشاركة في الندوات والاجتماعات وغيرها من أشكال التجمع السلمي الذي تحميه المادة 21 من العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية.
كما ذكّرت بأن الحق في التجمع السلمي والمشاركة في الندوات والاجتماعات يعتبر حقًّا مكفولًا بنص الدستور التونسي، وذلك باعتبار أنه لم تتم الإشارة إلى مداخلة الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني، وإدراج اسمه في هذه القضية اقتصر فقط على مشاركته في الندوة، دون إعلامه بما نسب إليه من أفعال، علاوة على هذا فإن استعمال المر سوم عدد 54 من أجل فتح بحث تحقيقي.
ناهيك عن ذلك، رأت الجمعية أنّ عدم الإشارة إلى مداخلة الكيلاني وما جاء على لسانه، يعد استهدافًا وعقابًا له على خلفية نشاطه ودفاعه عن الحقوق والحريات وانتقاده للسلطة السياسية القائمة، هذا بالإضافة إلى ما يمثله المرسوم عدد 54 من انتهاكات لحقوق الإنسان، وتقييد للحقوق والحريات، كما يتعارض مع النصوص والاتفاقيات الدولية التي تحمي هذا الحق.
وذكرت منها المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، إذ جاء فيه “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس وتلقي ونقل المعلومات والأفكار من خلال أي وسيلة إعلامية ودونما اعتبار للحدود”، كذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وهي مواثيق تعتبر تونس طرفًا فيها وملزَمةً باحترامها. هذا بالإضافة إلى أن هذا النص يتعارض مع مضمون الدستور التونسي، الذي جاء فيه ضمن الفصل 37 أن “حريّة الرّأي والفكر والتّعبير والإعلام والنّشر مضمونة. لا يجوز ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات”.
جدير بالذكر أن العميد السابق للمحامين عبد الرزاق الكيلاني يواجه قضية أخرى، وفق الجمعية، تعود إلى مارس 2022، إثر محاولته زيارة وزير العدل الأسبق نورالدين البحيري بالمستشفى والتي يواجه فيها تهمًا على معنى الفصول 79 و125 و136 من المجلة الجزائية والتي تم عرضه فيها سابقًا على أنظار القضاء العسكري الذي بدوره أعلن عدم اختصاصه وإعادة القضية للنظر فيها من قبل القضاء العدلي، حيث تم تحديد تاريخ 2 ماي 2024 من أجل سماعه كمتهم في القضية.
وسبق أن استنكرت لجنة العدالة بجنيف، في بيان أصدرته بتاريخ 2 أفريل 2024، “الاستهدافات المتلاحقة ضد المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان وعميد المحامين التونسيين السابق، عبد الرزاق الكيلاني”، مضيفةً أنها تتعلق فيما يبدو بعمله كمحام ومدافع عن حقوق الإنسان، واعتبرت أن ذلك يتعارض مع القانون التونسي والمعاهدات والمواثيق الدولية والأممية الموقعة عليها تونس.
يذكر أنّ الرئيس التونسي قيس سعيّد كان قد أصدر المرسوم عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال في 13 سبتمبر 2022، وقد أثار جدلًا واسعًا في تونس واعتبرته منظمات حقوقية أداة جديدة لمزيد التضييق على حرية التعبير في تونس، خاصة وأنه تمت على أساسه عديد التتبعات والإحالات القضائية وأيضًا أحكام سجنية في حق سياسيين ومدونين وصحفيين ومحامين وغيرهم.
زر الذهاب إلى الأعلى