أعلن معهد نوبل للسلام قبل قليل فوز ماريا ريسا من الفلبين وديمتري مراتوف من روسيا بجائزة نوبل للسلام؛ لدورهما في الدفاع عن الحريات الصحفية، وتكريما للحق في حرية التعبير الذي وصفته اللجنة المانحة للجائزة بأنه معرض للخطر في مختلف أنحاء العالم.
وقالت رئيسة لجنة نوبل النرويجية بيريت رايس أندرسن -في مؤتمر صحفي- إن الصحفية الفلبينية ماريا ريسا والصحفي الروسي ديمتري مراتوف حصلا على الجائزة “لنضالهما الشجاع من أجل حرية التعبير في الفلبين وروسيا”.
وأضافت “وهما من ناحية أخرى يمثلان جميع الصحفيين الذين يدافعون عن هذه المُثُل في عالم تواجه فيه الديمقراطية وحرية الصحافة أوضاعا صعبة بشكل متزايد”.
وقالت إن “الصحافة الحرة المستقلة القائمة على الحقائق تعمل على الحماية من إساءة استخدام السلطة والأكاذيب والدعاية للحرب”.
وهذه المرة الأولى التي يحصل فيها صحفيون على الجائزة منذ أن فاز بها الألماني كارل فون أوسيتسكي عام 1935 لكشفه عن برنامج بلاده السري لإعادة التسلح بعد الحرب.
وقال مدير معهد أبحاث السلام هنريك أوردال إن “التقارير الدقيقة التي تساعدنا على البقاء على اطلاع والحصول على فكرة عن الأحداث الجارية في الوقت الحقيقي ضرورية للنقاش العام الجيد والمؤسسات الديمقراطية”.
وهنأ الكرملين رئيس تحرير صحيفة “نوفايا غازيتا” الروسية المستقلة ديمتري مراتوف بفوزه بجائزة نوبل للسلام على جهوده في حماية حرية التعبير.
وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس فلاديمير بوتين للصحفيين “نهنئه؛ إنه موهوب وشجاع”.
كما هنأ مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الصحفييْن الفلبيني والروسي، وعدّ فوزهما بجائزة نوبل للسلام “إقرارا بأهمية عمل الصحفيين في أكثر الظروف صعوبة”.
وقالت المتحدثة باسم المكتب رافينا شامداساني -في إفادة للصحفيين من جنيف- “على مر الأعوام شهدنا زيادة في الهجمات التي تستهدف الصحفيين وخلال الإغلاق المرتبط بكوفيد-19 أيضا”.
وأضافت “أعتقد أنني أتحدث نيابة عن المفوضة السامية ميشيل باشليه عندما أهنئ كل الصحفيين الذين يقومون بعملهم كي نستمر في معرفة ما يحدث حولنا، ولتوصيل أصوات الضحايا في كل مكان”.
وتُسلم الجائزة -التي تتألف من شهادة وشيك بقيمة 10 ملايين كرونة (980 ألف يورو)- تقليديا في العاشر من ديسمبر/كانون الأول، وهي ذكرى وفاة ألفريد نوبل (1833-1896).
وبعد جائزة السلام -وهي الوحيدة التي تُمنح في العاصمة النرويجية- سيعود موسم نوبل إلى ستوكهولم لمنح جائزة الاقتصاد الاثنين.
من ديمتري مراتوف؟
يبلغ مراتوف من العمر 59 عاما، وهو أحد أكثر الصحفيين الروس الذين يحظون بالتقدير.
وشغل -منذ عام 1995- عدة مرات منصب رئيس تحرير “نوفايا غازيتا” التي شارك في تأسيسها الزعيم السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف عام 1993.
وتعد “نوفايا غازيتا” من أهم الصحف في روسيا، وهي صحيفة يومية معروفة بموقفها النقدي في الشؤون السياسية والاجتماعية الروسية، كما تعد واحدة من وسائل الإعلام القليلة التي ما زالت تنتقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقالت لجنة نوبل عن مراتوف إنه منذ عقود دافع عن حرية التعبير في روسيا في ظل ظروف صعبة بشكل متزايد.
وأشارت اللجنة إلى أنه رغم عمليات القتل والتهديدات، رفض رئيس التحرير ديمتري مراتوف التخلي عن السياسة المستقلة للصحيفة، ودافع باستمرار عن حقوق الصحفيين.
ونقلت وكالة الأنباء الروسية (تاس) عن مراتوف قوله بعد الإعلان عن الجائزة “لا يمكنني أن أستأثر بكل الفضل في ذلك؛ الفضل يرجع إلى نوفايا جازيتا؛ إنه يرجع إلى من ماتوا وهم يدافعون عن حق الناس في حرية التعبير”.
ومنذ عام 2000، قُتل 6 من الصحفيين والمساهمين في الصحيفة على خلفية عملهم، بمن فيهم الصحفية الاستقصائية الأبرز آنا بوليتكوفسكايا.
والخميس الماضي، ترأس مراتوف في مقر الصحيفة حفل تكريم بوليتكوفسكايا التي قُتلت قبل 15 عاما.
وكانت بوليتكوفسكايا من أشد المنتقدين لبوتين وحروب الكرملين في الشيشان، وقُتلت بالرصاص في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2006، في مدخل مبنى شقتها في وسط موسكو، وكانت حينها تبلغ من العمر 48 عامًا.
من ماريا ريسا؟
صحفية فلبينية تقيم في العاصمة مانيلا، وقالت في وقت سابق إنها تعيش منذ 2016 على وقع التهديدات بالاغتصاب والقتل.
وقالت لجنة نوبل في بيانها إن ريسا تستخدم حرية التعبير لفضح إساءة استخدام السلطة والعنف، وتنامي الاستبداد في بلدها الأم الفلبين.
وعام 2012، شاركت الصحفية ريسا في تأسيس “رابلر” (Rappler)، وهي شركة وسائط رقمية للصحافة الاستقصائية في الفلبين.
واستعرضت الصحفية الفلبينية ماريا ريسا في مقال بصحيفة “واشنطن بوست” (washingtonpost) الأميركية -في مايو/أيار الماضي- تجربتها الصحفية وما تتعرض له من تهديدات ومضايقات.
وأكدت أنها تتعرض باستمرار للتعليقات المسيئة والعنصرية والتشهير، وتُتهم بترويج الأخبار الكاذبة، ولا يتوقف الأمر على النيل من كرامتها والتشكيك في مصداقيتها، بل يتعداه إلى مخاطر حقيقية تواجهها في أحد أخطر دول العالم حسب مؤشرات حرية الصحافة.
وأضافت ريسا أن تلك الهجمات والتعليقات المسيئة عبر الإنترنت مهدت الطريق لمقاضاتها وإدانتها في يونيو/حزيران الماضي بتهمة “التشهير الإلكتروني”.
وصدرت في حقّها 10 مذكرات توقيف في أقل من عامين، واحتُجزت مرتين في ظرف 6 أسابيع، وهي تواجه حاليا 9 دعاوى منفصلة، وإذا تمّت إدانتها بجميع التهم، فقد تقضي بقية حياتها في السجن.
وفي ظل ما تعيشه من تحديات، حصلت ريسا قبل أيام على جائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة لعام 2021.
الفائزون بنوبل للسلام في العشرية الماضية
في ما يأتي قائمة بالفائزين في السنوات العشر الماضية بجائزة نوبل للسلام:
2020- برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، تقديرا لـ”جهوده في محاربة الجوع وتحسين الظروف لإحلال السلام في مناطق النزاع”.
2019 – رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تقديرا لجهوده في صنع السلام مع إريتريا بعد نزاع استمر عقودا.
2018- الطبيب الكونغولي دينيس موكويغي والناشطة الإيزيدية ناديا مراد الضحية السابقة لتنظيم الدولة الإسلامية، تكريما لجهودهما في مكافحة العنف الجنسي المستخدم في النزاعات في العالم.
2017- الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية (آيكان) لإسهامها في اعتماد معاهدة تاريخية لحظر الأسلحة النووية.
2016- الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس عن التزامه بإنهاء النزاع المسلح مع متمردي “القوات المسلحة الثورية الكولومبية” (فارك).
2015- الرباعي الراعي للحوار الوطني في تونس المؤلف من 4 منظمات من المجتمع المدني، والذي أتاح إنقاذ الانتقال الديمقراطي في البلاد؛ وهي الاتحاد العام التونسي للشغل، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية، والهيئة الوطنية للمحامين بتونس، والرابطة التونسية لحقوق الإنسان.
2014- ملالا يوسف زاي (باكستان) وكايلاش ساتيارتي (الهند) عن “نضالهما ضد اضطهاد الأطفال والشباب ودفاعهما عن حق كل الأطفال في التعليم”.
2013- منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن جهودها الهادفة إلى تخليص العالم من أسلحة الدمار الشامل.
2012- الاتحاد الأوروبي، بوصفه أهم مشروع أسهم في إرساء السلام في قارة مزقتها حربان عالميتان.
2011- إيلين جونسون سيرليف وليما غبوي (ليبيريا) وتوكل كرمان (اليمن) عن نضالهم بوسائل سلمية من أجل أمن المرأة وحقوقها بالمشاركة في عملية السلام.