تونس

تونس والاتحاد الأوروبي: طوافـات الإغاثة كرمز لتحوّل استراتيجي في الأمن البحري

في لحظة تتجاوز الطابع البروتوكولي، وتغوص في عمق التحوّلات الجيوسياسية والأمنية التي تشهدها منطقة البحر الأبيض المتوسط، أشرف وزير الدفاع الوطني، خالد السهيلي، يوم الأربعاء 24 سبتمبر 2025 على موكب دخول طوافتي الإغاثة “VS001″ و”VS002” حيّز الخدمة الفعلية ضمن أسطول جيش البحر، في القاعدة البحرية الرئيسية بحلق الوادي. هذا الحدث، وإن بدا تقنياً في ظاهره، يحمل في طيّاته دلالات استراتيجية عميقة تتصل بموقع تونس في معادلة الأمن الإقليمي، وبطبيعة الشراكة المتجددة مع الاتحاد الأوروبي.

تونس: من الاستجابة إلى الريادة في أمن المتوسط
لم يعد دور تونس مقتصراً على تلقي الدعم أو تنفيذ برامج التعاون، بل باتت اليوم تُقدّم نفسها كفاعل إقليمي مسؤول، يملك رؤية واضحة في إدارة التحديات الأمنية، وعلى رأسها الهجرة غير النظامية، والبحث والإنقاذ البحري، ومكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود. حيث ان دخول الطوّافتين حيّز الخدمة ليس مجرد تعزيز تقني، بل هو تعبير عن انتقال نوعي في العقيدة الأمنية التونسية، التي باتت تدمج البُعد الإنساني في عملياتها العسكرية، وتُراهن على الجاهزية السريعة لإنقاذ الأرواح في عرض البحر.

شراكة تونسية أوروبية: من الدعم إلى التمكين
في كلمته، لم يكتف وزير الدفاع الوطني بالإشادة بالعلاقات التاريخية مع الاتحاد الأوروبي، بل أكّد على أن هذه الشراكة تجاوزت منطق الدعم التقني لتُصبح تمكيناً مؤسساتياً، قائماً على الثقة المتبادلة والتكامل في الأدوار. فالاتحاد الأوروبي، الذي يواجه تحديات أمنية متصاعدة على حدوده الجنوبية، يرى في تونس شريكاً موثوقاً، قادراً على لعب دور الوسيط الأمني والإنساني في آنٍ واحد.

من جهته، عبّر سفير الاتحاد الأوروبي بتونس عن ارتياحه لمستوى التعاون، مؤكداً أن ما تحقق خلال ثلاثين سنة من الشراكة لم يكن مجرد تراكم مشاريع، بل بناء تدريجي لمنظومة أمنية مشتركة، تُراعي خصوصيات كل طرف، وتُعزز الاستقرار في المتوسط.

الطوّافتان: أدوات سيادة وتجسيد لرؤية استراتيجية
تُعدّ الطوّافتان “VS001″ و”VS002” أكثر من مجرد تجهيزات بحرية متطورة، إذ تمثّلان تجسيدًا لرؤية سياسية وأمنية متكاملة. فهما تمثلان التقاء الإرادة التونسية في حماية الأرواح البشرية، مع الالتزام الأوروبي بدعم الشركاء الجنوبيين في مواجهة التحديات العابرة للحدود. كما أن إدماجهما في منظومة خفر السواحل والمركز الوطني لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ، يعكس وعياً مؤسساتياً بأهمية العمل المنسّق، والامتثال للمعايير الدولية، في زمن باتت فيه الكوارث البحرية مرآةً لأزمات أعمق.

نحو هندسة أمنية جديدة في المتوسط
هذا الحدث، وإن بدا تقنيًا في ظاهره، يندرج ضمن مقاربة أمنية جديدة آخذة في التشكل بمنطقة المتوسط، حيث لم تعد الحدود تُرسم فقط بالجغرافيا، بل بالتعاون، وبالقدرة على الاستجابة السريعة، وبالتحوّل من ردّ الفعل إلى الفعل الاستباقي. تُعلن تونس، من خلال هذا الموكب، أنها ليست على هامش هذه المقاربة الأمنية، بل في صميمها؛ حيث تعرف بدورها، وتُرسّخ مكانتها كدولة ذات سيادة، وشريك موثوق، وفاعل إنساني في زمن الأزمات.

ملاك الشوشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى