أخبارتونس

تونسيون يواجهون حرارة الصيف دون مياه

“نعيش منذ أكثر من أسبوع دون ماء في درجة حرارة مرتفعة تجاوزت الأربعين، فعشرات العائلات تتكبد الويلات هنا في منطقة الشرايطية من ولاية القيروان للحصول على القليل من الماء من أجل الشرب أو الطبخ”، بهذه الكلمات تحدث حسن الخرداني عن معاناته وجيرانه من تكرار انقطاع المياه.

وقال الخرداني وهو مواطن أصيل منطقة الشرايطية من ولاية القيروان إنّهم يعيشون فترة صعبة دون مياه صالحة للشرب وذلك بالتزامن مع ارتفاع لافت في درجات الحرارة وسط وعود من السلط الجهوية بإعادة الماه قريبًا”.

وتشهد مناطق عديدة في تونس انقطاعات متكررة للمياه تدوم لساعات أو أيام، وهي انقطاعات أغلبها مبرمجة تُشرف عليها الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه ضمن سياسة تقسيط المياه الذي أعلنتها وزارة الفلاحة التونسية في مارس 2023، ومددت العمل بها في نهاية شهر سبتمبر 2023، لمواجهة أزمة ندرة المياه وتراجع مخزون السدود بسبب الجفاف المتواصل الذي تعيش على وقعه البلاد.

  • الجفاف يعمق مخاوف التونسيين من العطش 

ووفق شهادة حسين الخرداني، فإنّ سكان منطقة الشرايطية يلجؤون لشرب مياه المواجل التي تكون في غالب الأحيان ملوثة وغير صالحة للشرب، بالإضافة إلى تكبدهم أعباءً إضافية وهي شراء صهاريج المياه بمبالغ مالية قد تصل إلى 75 دينارًا للصهريج الواحد (1000 لتر) مع التكفل بمصاريف نقلها، وفقه.

وأوضح أنّ السكان عجزوا عن سقي حيواناتهم وخرافهم التي تعتبر مصدر رزقهم الوحيد في وقت اقتربت فيه مياه المواجل المجمعة من الأمطار على الانتهاء، خصوصًا بعد انحباس الأمطار عن النزول لأشهر طويلة.

وأشار إلى أنهم عاشوا سنة من أصعب السنوات في حياتهم بعد استفحال أزمة المياه، معبرًا عن مخاوفه من أن تستفحل الأزمة مستقبلاً ويضحون مهددين بالعطش في درجات حرارة عالية، وفقه.

وفي ولاية جندوبة، يعاني أيضًا آلاف السكان من تكرار انقطاع المياه في حين تبرر السلطات هذه الانقطاعات التي تتواصل في بعض الأحيان لأسابيع بوجود مشاكل في شبكات توزيع المياه.

ويعيش سكان منطقة عين مازوز من معتمدية طبرقة منذ أكثر من شهر دون ماء صالح للشرب، ما دفعهم إلى تنفيذ تحركات احتجاجية للمطالبة بإرجاع المياه لهم وإصلاح شبكات التوزيع التي أصبحت مهترئة وغير قادرة على القيام بوظيفتها.

وتقول أسماء ضيفي، أصيلة منطقة عين مازوز، إنّ معاناتهم بدأت مع بداية شهر جوان الفائت عندما بدأت الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه “الصوناد” في قطع الماء على المنطقة في ساعات الليل ثم تحولت لقطعه لمدة يومين قبل أن يتم قطعه لاحقًا بشكل كامل.

تضيف: “في البداية كان يتم قطع الماء وإرجاعه في أوقات معينة لكن منذ نحو 20 يومًا تم قطعه لمدة 24 ساعة دون أن يتم إرجاعه حتى لساعات قليلة في اليوم”، مشيرة إلى أنهم اضطروا لشرب المياه من الآبار والتنقل لكيلومترات طويلة لجلب الماء من أحد المعامل الصناعية.

وأكدت أسماء أنّ المسؤولين أخبروهم أنّ شبكات التوزيع التي تقوم بإيصال الماء لقريتهم وبعض القرى الأخرى المجاورة لهم مهترئة وممتلئة بالأوساخ والترسبات ما جعلها غير قادرة على القيام بدورها.

وتساءلت أسماء عن مصير عشرات العائلات في قريتها والقرى المجاورة لها التي تعاني من غياب تامّ للمياه الصالحة للشرب والعطش، خصوصًا في ظلّ ارتفاع درجات الحرارة وحاجتهم الشديدة لمياه شرب نظيفة وغير ملوثة.

  • مختصة في الموارد المائية: حان الوقت لإعلان حالة الطوارئ المائية  

ويتهم الرئيس التونسي قيس سعيّد “مجموعات إجرامية” بالوقوف وراء تكرار قطع الماء على التونسيين في عدد من المدن والولايات بهدف تأجيج الأوضاع، غير أنّ المختصين يؤكدون أنّ السبب وراء تكرار انقطاع المياه هو تواتر سنوات الجفاف بفعل التغيرات المناخية وإقرار العمل بنظام تقسيط المياه الصالحة للشرب منذ أكثر من سنة.

ففي مارس 2023، أقرت وزارة الفلاحة التونسية العمل بنظام تقسيط المياه الصالحة للشرب على أن يمتدّ هذا القرار إلى شهر سبتمبر من نفس السنة، غير أنّ الوزارة قررت التمديد في العمل بهذا الإجراء إلى أجل غير مسمى.

في هذا الإطار، تقول المختصة في الموارد المائية والتغيرات المناخية روضة قفراش إنّ تكرار انقطاع المياه في تونس يأتي بعد نحو 5 سنوات جافة عاشتها البلاد بعد سنة نزلت فيها الأمطار بكميات متوسطة.

وأوضحت قفراش  أنّ البلاد عرفت من 2016 إلى 2018 ثلاث سنوات متواترة من الجفاف، ثم تم تسجيل كميات متوسطة من الأمطار سنة 2019 تلتها 5 سنوات من الجفاف المتواصل تسببت في تراجع مخزون السدود وجفاف البحيرات الجبلية.

وأكدت، في السياق ذاته، أنّ معضلة تكرار انقطاع المياه في تونس ليست حديثة وإنما بدأت قبل سنوات طويلة، حيث أكدت أنّ ولايات الساحل (سوسة مثالاً) تعاني من انقطاع متواصل في الماء منذ نحو 4 سنوات، وفقها.

وشددت على أنّ تونس تعاني من الجفاف وأن كميات الماء الموجودة في السدود ضعيفة جدًا، خصوصًا وأنه تم فقدان كميات كبيرة جراء عمليات التبخر الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة إلى جانب ارتفاع الطلب على الماء.

وأشارت محدثتنا إلى أنّ الدولة هي المسؤول الأول عن تكرار انقطاع المياه ونقص الموارد المائية وليس الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه، مؤكدة أن الأخيرة تتولى مهمة بتنظيف كميات المياه التي تتحصل عليها من وزارة الفلاحة وتقوم بعد ذلك بتوزيعها في الشبكات.

ولفتت قفراش إلى أنّ تونس تحت خط الفقر المائي جراء تواصل الجفاف واستنزاف المائدة المائية من قبل الفلاحين وارتفاع أعداد الآبار العشوائية التي تُقدر إجمالاً بنحو 30 ألف بئر منها 10 آلاف بئر في ولاية قبلي.

وقالت روضة قفراش في ذات السياق، إنّ المائدة المائية لجبل زغوان على سبيل المثال تراجعت بنحو 10 أمتار مكعب بسبب تواصل انحباس الأمطار، داعية في ذات السياق إلى ضرورة إعلان حالة الطوارئ المائية في أقرب الآجال.

وتعليقًا على تصريحات الرئيس التونسي بخصوص افتعال قطع المياه في تونس من قبل مجموعات إجرامية، قالت قفراش إنّ وزارة الفلاحة هي من تقف وراء قطع الماء في تونس وذلك ضمن قراراتها التي أعلنتها تباعًا في شهري مارس 2023 وسبتمبر من نفس السنة بكونها ستتبع سياسة تقسيط المياه إلى أجل غير مسمى.

وأكدت أنه لا يمكن استغلال كل مياه السدود وإنما يجب ترك نحو 25% على الأقل من مخزونها من المياه لحمايتها من التشقق، مشيرة إلى أن كميات المياه الموجودة في السدود يجب أن يتم تقسيطها حتى شهر أكتوبر المقبل عن طريق قطع المياه في الليل خصوصًا.

واعتبرت قفراش أنّ أزمة المياه في تونس عميقة وهيكلية بالأساس خصوصًا في ظل عدم صيانة السدود بشكل دوري واهتراء شبكات توزيع المياه وعدم وجود حلول جذرية لمواجهة التغيرات المناخية التي أثرت على تونس بشكل لافت.

وأشارت إلى أنّ “التقرير الذي صدر عن الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه سنة 2020، أكد أنّ كميات المياه المهدورة في ولايات قابس ومدنين وتطاوين على سبيل المثال نتيجة لاهتراء شبكات التوزيع بلغت 26 مليون متر مكعب”.

ووفق قفراش، فإن 50% من المياه التي تقوم “الصوناد” بتوزيعها متأتية من السدود الكبرى في تونس، على غرار سدود سيدي البراق وسيدي سالم وسجنان وبوهرتمة، مؤكدة أنه كان من المفترض أن يتم التوقف عن استغلال كميات المياه الموجودة في سدود تونس لحماية بينتها التحتية من التشقق.

ووفق بيانات منشورة على الموقع الرسمي لوزارة الفلاحة التونسية، فإن نسبة امتلاء السدود حتى يوم 23 جويلية 2024 بلغت 27% بطاقة استيعاب قُدرت بـ 630.5 مليون متر مكعب.

ويشار إلى أنّ نصيب الفرد الواحد من الماء في تونس يقدر بـ420 متر مكعب، أي أقل من المعدل المتوسط الذي يبلغ 500 متر مكعب، وفق أرقام رسمية أعلنتها وزارة الفلاحة التونسية في ماي/أيار المنقضي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى