نشرت رئاسة الجمهورية، اليوم الخميس 30 جوان، مشروع الدستور المقترح على الاستفتاء يوم 25 جويلية، في الرائد الرسمي للجمهورية.
وجاء في التوطئة ما يلي:
نحن الشعب التونسي، صاحب السيادة، الذي حقّق بداية من يوم 17 من شهر ديسمـبر من سنة 2010 ،صعودا شاهقا غير مسبوق في التاريخ، ثائرا على الظلم والاســــتــبداد وعلى التجويع والتنكيل في كل مرافق الحياة.
نحن الشعب التونسي الذي صبر وصابر لمدة أكثر من عقد من الزمن إثر هذه الثورة المباركة، فلم ينقطع عن رفع مطالبه المشروعة في الشغل والحرية والكرامة الوطنية، ولكنه لم يلق في المقابل سوى شعارات زائفة، ووعودا كاذبة، بل وزاد الفساد استفحالا، وتفاقم الاستيلاء على ثرواتنا الطبيعية والسطو على المال العام دون أي محاسبة. فكان لابد من موقع الشعور العميق بالمسؤولية التاريخية من تصحيح مسار الثّورة بل ومن تصحيح مسار التاريخ، وهو ما تم يوم 25 من شهر جويلية من سنة 2021 ،تاريخ ذكرى إعلان الجمهورية.
نحن الشعب الّتونسي الذي قدم جحافل الشهداء من أجل الانعتاق والحرية، فاختلطت دماؤهم الطاهرة الزكية بهذه الأرض الطيبة،
راسمين بدمائهم فوقها لوني الراية الوطنية.
وقد عبرنا عن إرادتنا واختياراتنا الكبرى من خلال الاستشارة الوطنية التي شارك فيها مئات الالاف من المواطنين والمواطنات في تونس ومن خارجها، وبعد النظر في نتائج الحوار الوطني حتى لا ينفرد أحد بالرأي أو تستبد أ ي جهة بالإختيار.
نحن الشعب التونسي
نقر هذا الدستـــور الجديد لجمهورية جديدة دون أن ننسى تاريخنا الحافــل بالأمجاد والتّضحيات وبالآلام والبطولات.
لقد عرف وطننا العزيز حركات تحرر شتى، وليست أقلّها حركة التحرر الفكري في أواسط القرن التّاسع عشر، التي تلتها حركة تحرير
وطني منذ بداية القرن العشرين حتى حصول تونس على استقلالها وتخلّصها من الهيمنة الأجنبية.
بدأت حركة تحرر فكري فحركة تحرير وطني، وجاء الانفجار الثّوري في 17 من شهر ديسمبر من سنة 2010 ،وانطلقت إثرها حركة
الّتصحيح بمناسبة الذّكرى الرابعة والستّين لإعلان الجمهورية، للعبور إلى مرحلة جديدة في التاريخ، للعبور من اليأس والاحـباط إلى الأمل
والعمل والرجاء، إلى مرحلة المواطن الحر ،في وطن حر كامل السيادة، إلى مرحلـة تحقيق العدالة والحرية والكرامة الوطنية.
إنّنا نقر هذا الدستور مستلهمين من أمجاد الماضي وآلامه ومتطلّعين لمستقبل أفضـل لنا ولأجيال سوف تأتي من بعدنا لترفع الراية
الوطنية أعلى وأعــلى في كل محفل وتحت كل سماء.
إنّنا نرتضي هذا الدستور مستحضرين تاريخنا الدستوري الضارب في أعماق التّاريخ من دستور قرطاج إلى عهد الأمان, إلى إعلان
حقوق الراعي والرعية وقانون الدولة التونسية لسنة 1861 ،فضلا عن النّصوص الدستورية التي عرفتها تونس إثر الاستقلال.
نجح عدد منها بعض النجاح، وتم الانحراف بعدد غير قليل منها حين تحولت النصوص إلى وسيلة لإضفاء مشروعية شكلية زائفة على الحكّام.
وإنّنا، في هذا الاستحضار لتاريخ تونس الدستوري، تقتضي الأمانة التّأكيد على أن من بين أهم النصوص الدستورية الدستور الذي
عرفته تونس في مطلع القرن السابع عشر وكان يحمل إسم الميزان ويعرف عند السكّان آنذاك بالزمام الأحمر، لأن سفره كان أحمر اللّون.
وقد حرره تونسيون ممن كانوا مؤمنين بقيمة العدل الذي يرمز إليه الميزان. وتم توزيعه على السكان الذين كانوا يلوذون بما فيه من
أحكام إن توقعوا حيفا ممن كانوا يسمون بالخاصة.
نحن الشعب التونسي،
نسعى بهذا الدستور الجديد إلى تحقيق العدل والحرية والكرامة، فلا سلم إجتماعي دون عدل، ولا كرامة للإنسان في غياب حرية
حقيقية، ولا عزة للوطن دون سيادة كامـلة ودون استقلال حقيقي.
إنّنا نؤسس إلى تركيز نظام دستوري جديد يقوم لا فقط على دولة القانون بل على مجتمع القانون حتّى تكون القواعد القانونية تعبيرا
صادقا أمينا عن إرادة الشعب، فيـستبطنها ويحرص بنفسه على إنفاذها ويتصدى لكل من يتجاوزها أو يحاول الإعتداء عليها.
إننا، ونحن نقر هذا الدستور الجديد، مؤمنون بأن الديمقراطية الحقيقية لن تنجح إلاّ إذا كانت الديمقراطية السياسية مشـــــفوعة
بديمقراطية اقتصـــاديــة واجتماعية، وذلك بتمكين المواطن من حقّه في الاختيار الحر ،ومن مساءلة من اختاره ومن حقّه التوزيع العادل للثروات الوطنية.
نحن الشعب التّونسي،
نؤكّد مجددا انتماءنا للأ مة العربية وحرصنا على التمسك بالأبعاد الإنسانية للدين الإسلامي، كما نؤكد انتماءنا للقارة الإفريقية وهي
التسمية التي تجد جذورها في التسمية التي كانت تطلق على وطننا العزيز.
نحن شعب يرفض أن تدخل دولتنا في تحالفات في الخارج، كما نرفض أن يتد ّخل أحد في شؤوننا الداخلية. نتم سك بالشرعية الدولية
وننتصر للحقوق المشروعة للشعوب التي من حقّها، وفق هذه الشرعية، أن تقرر مصيرها بنفسها وأولها حق الشعب الفلسطيني في أرضه
السليبة وإقامة دولته عليها بعد تحريرها وعاصمتها القدس الشريف.
نحن الشعب التّونسي، صاحب السيادة،
نجـدد تمسكنا بإقامـــة نظام سياسي يقوم على الفصل بين الوظائف التشريعيـة والتنفيذية والقضائية، وعلى إرساء توازن حقيقي بينها.
كما نجدد التأكيد على أن النظّام الجمهوري هو خير كفيل للمحافظة على سيادة الشـــعب وتوزيع ثروات بلادنا بصفة عادلة على كلّ
المواطنين والمواطنات.
وإنّنا سنعمل ثابتين مخلصين على أن تكون التّنمية الاقتصادية والاجتماعية مستمرة دون تعثر أو انتكاس في بيئة سليمة تزيد تونس
الخضراء إخضرارا من أقصاها إلى أقصاها، فلا تنمية مستمرة دائمة إلا في بيئة سليمة خالية من كل أسباب التلوث.
نحن الشعب الّتونسي الذي رفع يوم 17 ديسمبر من سنة 2010 شعاره العابر للتّاريخ، الشعب يريد، نقر هذا الدستور أساسا تقوم
عليه جمهورية تونسية جديدة.