أكد عدد من أساتذة القانون في تونس، أهمية تفعيل المحكمة الدستورية، والتسريع بإصدار القانون المنظم لعملها، منوهين بما اعتبروه تقليصًا لصلاحياتها والحد من دورها بموجب دستور 2022، وتداعيات ذلك على المشهد العام في تونس.
-
أهمية إرساء المحكمة الدستورية في تونس
وقال أستاذ القانون العام بالجامعة التونسية الصغير الزكراوي، في كلمته خلال ندوة صحفية عقدها الثلاثاء 21 ماي 2024، مرصد رقابة بعنوان “غياب المحكمة الدستورية هشاشة المنظومة القانونية والسياسية في ظل سنة انتخابية”، إنه “يجب إرساء المحكمة الدستورية لضمان انتقال سلس للسلطة في حالة الفراغ السياسي على مستوى أعلى هرم للسلطة”، مشيرًا إلى “أننا نعيش في إطار نظام الفرد الواحد وغياب المؤسسات”، وفق قوله.
وأضاف الزكراوي أن “ما وقع في إيران منذ أيام يجعلنا نطالب بتفعيل المحكمة الدستورية اليوم قبل الغد، حيث تم تمرير السلطة بكل سلاسة في إيران”، مشددًا على أن “إمكانية بقاء الدولة في حالة فراغ لا تُقبل، وفق العقل السياسي السليم”.
وبيّن أنه يجب أن يكون مسار انتقال الحكم سلسًا وواضحًا في حالة الفراغ، وأنه “لا يجب أن نستهين بهذه المسألة لأنها مسألة جوهرية وأساسية” وفق تقديره، متسائلاً “أين عقل الدولة؟”.
وتابع قائلاً “المطلب الأساسي هو أنه لا يجب أن نستهين بالمصالح العليا للدولة وإمكانية حدوث حالة الفراغ”.
-
قوانين ومراسيم “خرقت” مبادئ أساسية
ولفت أستاذ القانون العام بجامعة المنار، إلى أن “المحكمة الدستورية مُطالبة بالاشتغال على مراقبة عديد القوانين، على غرار القانون المتعلق بالمضاربة والمرسوم عدد 54، وعديد المراسيم الأخرى أيضًا التي تضمنت خرقًا لمبادئ أساسية معروفة”، معتبرًا أنه “لو كانت هناك محكمة دستورية لما مرت مثل هذه المراسيم”.
وأشار إلى أنه طال انتظار صدور القانون الذي سينظم سير عمل المحكمة الدستورية وصلاحياتها في تونس، مضيفًا أنه “لا يمكن لأي دولة أن تقول عن نفسها ديمقراطية إذا لم تكن لها محكمة دستورية”.
-
النظام الديمقراطي رهين تفعيل المحكمة الدستورية
واعتبر الصغير الزكراوي أن “هذه أصبحت مسائل بديهية، إذ لا يمكن أن يكون هناك نظام ديمقراطي دون محكمة دستورية وهذه مسائل لا تناقش وندرسها في السنة الأولى قانون، فيجب أن يتوفر الفصل بين السلط وتتوفر المحكمة الدستورية في أي بلد ديمقراطي حتى تسهر على علوية وسمو الدستور”.
وقال إن “هناك فراغًا كبيرًا، وتناقضًا بين أن نقول إننا دولة ديمقراطية وحقيقة أنه ليس لنا محكمة دستورية”، معتبرًا أن هناك غيابًا للإرادة السياسية وأن “السلطة لا تريد إرساء المحكمة الدستورية في تونس”.
واستذكر الزكراوي الأزمة السياسية التي عاشت على وقعها تونس خلال سنة 2021 خاصة، وقال إنه “لو كانت هناك محكمة دستورية لما شهدنا الصراع بين الرئاسات الثلاثة قبل 25 جويلية 2021، ولو كانت هناك محكمة دستورية لما شهدنا ما حدث يوم 25 جويلية أساسًا”.
-
تركيبة المحكمة الدستورية.. ما تداعياتها؟
وفيما يتعلّق بتركيبة المحكمة الدستورية اعتبر الصغير الزكراوي، أنه “لا يمكن أن يتصور محكمة دستورية تتركب من قضاة فقط”، قائلًا: “هذا نادي متقاعدين وليست محكمة دستورية”.
كما أضاف أن تركيبة المحكمة الدستورية يمكن أن تضم قاض إداري وقاض عدلي على الأقل، مشيرًا في المقابل إلى أن “التركيبة كلها من القضاة لا تُستساغ وستكون المحكمة بهذا الشكل مجرّد ديكور”، وفق توصيفه.
وبدوره اعتبر خالد الدبّابي أستاذ القانون العام والعلوم السياسية، أن التركيبة القضائية للمحكمة الدستورية هي “تركيبة هشّة ستجعل منها محكمة محافظة بطبيعتها وتقتصر على الرقابة على دستورية القوانين فقط دون أن تكون سلطة مضادة للسلطات الأخرى وتحرص على تطبيق الدستور” وفق تقديره.
-
بناء “دولة القانون” في تونس في غياب المحكمة الدستورية
واستطرد في الحديث عن دولة القانون، مؤكّدً أن “بناء دولة القانون في تونس ظلّ منقوصًا منذ الاستقلال بسبب غياب المحكمة الدستورية، وأنه لا يمكن الحديث عن دستور دون إرساء محكمة دستورية”.
ولفت إلى أنه “في ظل غياب المحكمة الدستورية فإنه من الممكن أن تتسلل السلطة التشريعية بوضع قواعد تشريعية تخالف الدستور جملة وتفصيلاً، وفي غياب محكمة دستورية، لا يكون الدستور دستورًا بالمعنى الحقيقي للكلمة ويمكن للسلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية أن تخرقه متى شاءت ذلك”.
-
تقليص الصلاحيات الممنوحة للمحكمة الدستورية
وأشار إلى تراجع الصلاحيات الممنوحة للمحكمة الدستورية بموجب دستور 2022، مقارنةً بدستور 2014، معتبرًا أن “الصلاحيات الحالية للمحكمة الدستورية محدودة، رغم أنها تبقى مهمة في ظل وجود عديد النصوص التي تخرق الدستور وخاصةً منها النصوص المتعلقة بالحقوق والحريات”.
وأضاف قائلاً: “نحن في حاجة إلى غربلة حقيقية لكل التشريعات، والمحكمة الدستورية تقريبًا محكمة منزوعة الصلاحيات وتركيبتها لا مثيل لها في القانون المقارن”.
ومن جهتها أكدت زهور وعمارة الباحثة والأستاذة الجامعية في القانون العام، أن دستور 2022 حذف الدور السياسي للمحكمة الدستورية الذي أقره دستور 2014 وحصر دورها في مراقبة دستورية القوانين على غرار قانون المالية، أما دورها في تكييف حالات الاستثناء وتسجيل الخرق الجسيم للدستور فقد تم إسقاطه بموجب دستور 2022، وفقها.
واعتبرت الباحثة والأستاذة الجامعية في القانون العام، أن “تونس عرفت وجهًا مشوهًا للعدالة الدستورية أو محاولة لإرسائها في ظل ممارسات التركيع السياسي” حسب قولها.
ويشار إلى أن البرلمان التونسي فشل في عديد المناسبات في تركيز المحكمة الدستورية وانتخاب أعضائها طيلة السنوات الفارطة، إلى أن أقرّ الرئيس التونسي قيس سعيّد مبدأ التعيين عوضًا عن الانتخاب، وتم تبسيط إجراءات التعيين من بين القضاة الأقدم في الدوائر التعقيبية للأقضية الثلاثة (عدلي وإداري ومالي).
وفي تقريره الصادر مؤخرًا، اعتبر مرصد رقابة أنه “رغم إعلان الرئيس التونسي منذ جويلية 2022 عن ضرورة الإسراع في إعداد مشروع القانون المنظم للمحكمة الدستورية واعتبار النواب ورئيس البرلمان التونسي أن هذا القانون هو من أولويات المجلس، فإنه لا أثر لأي مبادرة تشريعية في الغرض لا من رئيس الجمهورية ولا من النواب” وفقه.
زر الذهاب إلى الأعلى