أخبارتونس

المحامون يطالبون بالمحاسبة

لم تكن ليلة الأربعاء 15 ماي 2024 عادية بالنسبة لقطاع المحاماة في تونس، بعد صدور بطاقة إيداع بالسجن في حق المحامي مهدي زقروبة رغم أنه كان لدى التصريح بالقرار في حالة إغماء وفي وضع صحي حرج على خلفية تعرضه لـ”التعذيب” خلال نقله في فترة الإيقاف، وفق ما أكده محامون.

وكانت قد صدرت، مساء الأربعاء، بطاقة إيداع بالسجن في حق مهدي زقروبة، على الرغم من أنّه استحال استنطاقه في ظروف عادية، حسب ما أكده محامون، بسبب “الإغماء والتقيئ المتواصل طوال ساعات من التحقيق”، ورفض عرضه على الطبيب الشرعي رغم معاينة حاكم التحقيق آثار التعذيب على جسده، وفق المحامين.

وقد تم إثر صدور بطاقة إيداع بالسجن في حق مهدي زقروبة، نقله وهو مغمى عليه إلى مستشفى شارل نيكول في سيارة تابعة للحماية المدنية، حسب ما تداوله محامون أيضًا.

  • هيئة المحامين: ما تعرض له مهدي زقروبة يعد جريمة تعذيب تستوجب المؤاخذة الجزائية

وقالت هيئة المحامين، ليل الأربعاء 15 ماي 2024، إنه اتضح لدى إحالة المحامي مهدي زقروبة على أنظار حاكم التحقيق حمله لآثار عنف مادي بأجزاء مختلفة بجسده عاينها قاضي التحقيق المتعهد ما يؤكد تعرضه للتعذيب خلال الإيقاف، وفقها.

وأضافت، في بيان صادر عن مجلسها الوطني المنعقد بصفة طارئة بدار المحامي بتونس، أنّ وضع مهدي زقروبة استوجب طلب إقرار عرضه على الطبيب الشرعي، مستدركة أنه “بعد أن تم قطع الاستنطاق لاتخاذ القرار تم إعلام لسان الدفاع بتعذر عرضه هذا اليوم لأسباب أمنية حسب ما قرره قاضي التحقيق”.

وعقبت هيئة المحامين أنه “على الرغم من تدهور الحالة الصحية لمهدي زقروبة ودخوله في غيبوبة تم إصدار بطاقة إيداع في حقه وإنهاء الاستنطاق رغم فداحة الوضع الصحي الذي كان عليه، ليتم إثر ذلك نقله للمستشفى”.

وبناءً على كل ذلك، اعتبرت الهيئة الوطنية للمحامين أنّ “ما تعرض له المحامي مهدي زقروبة يعد جريمة تعذيب تستوجب المتابعة والمؤاخذة الجزائية”، محمّلةً “أعوان وزارة الداخلية الذين تولوا الاعتداء عليه كامل المسؤولية بخصوص ما تعرض له من اعتداءات وتعذيب تم توثيقها لدى قلم التحقيق”، وفق ما ورد في نص البيان.

كما دعت الهيئة عموم المحامين إلى مواصلة مقاطعة الحضور لدى باحث البداية إلى غاية موفى يوم 21 ماي2024، مذكرة بالإضراب العام الوطني الخميس 16 ماي، وداعية جميع المحامين من كافة الجهات إلى الحضور بكثافة بالزي الرسمي للمحاماة في الوقفة الاحتجاجية المعلن عليها سابقًا ببيان يوم 12 ماي 2024، أمام قصر العدالة بتونس.

  • رابطة حقوق الإنسان: مهدي زقروبة تعرض لـ”تعذيب وحشي”

وندد رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي بما تعرض له مهدي زقروبة من “تعذيب وحشي”، وفقه.

وقال الطريفي، في تدوينة له على فيسبوك: “مهدي زقروبة تعرض لاعتداء وتعذيب وحشي، وقد عاينت شخصيًا رفقة بقية المحامين والعميد آثار التعنيف والتعذيب البادية على جسده”، حسب قوله.

واستطرد قائلًا إنّ “قاضي التحقيق والنيابة رفضا عرضه على الفحص الطبي، ليواصل قاضي التحقيق استنطاق زقروبة إلى أن تقيأ وأغمي عليه”، معقبًا أنه رغم كل ذلك أصدر قاضي التحقيق بطاقة إيداع في حق مهدي زقروبة وهو في حالة إغماء وملقًى على الأرض، على حد ما ورد في تدوينته.

وختم تدوينته بالقول: “بعد الإيقافات التعسفية، المحاكمات الكيدية، الاعتداءات، المداهمات، اليوم وصلنا للتعذيب.. إلى أين بهاته المظالم؟”.

  • محامون ينددون: زقروبة تعرض لأكبر عملية تعذيب منذ أكثر من 30 سنة

وقد أثار ما حصل مع مهدي زقروبة حالة غضب واستياء في صفوف المحامين الذين نددوا بعودة ممارسات التعذيب إلى تونس، الذي ظنوا أنه انتهى باندلاع الثورة التونسية.

وقال المحامي التومي بن فرحات، في تدوينة له على فيسبوك: “نعلمكم أن المحامي مهدي زقروبة تعرض إلى أكبر عملية تعذيب منذ أكثر من 30 سنة: اعتداءات تفوق الخيال تراوحت بين الاعتداءات الجسدية في جميع أنحاء جسده وكسور ومحاولة اعتداءات جنسية”.

واستطرد قائلًا: “بعد معاينة قاضي التحقيق لكل ذلك وسماع هول الرواية الكارثية استجاب على الساعة 18:41 لطلب عرض مهدي على الفحص الطبي وتسجيل شكاية فورية في التعذيب، إلّا أننا تفاجأنا بعد ساعة ونصف من جديد بإعلامنا بتعذر حضور طبيب شرعي لمكتبه كتعذر نقله لمستشفى شارل نيكول المقابل للمحكمة بتعلة عدم القدرة على تأمين المستشفى، ثم أصدر بطاقة إيداع رغم حالة الإغماء والتقيؤ نظرًا للكسور وغيرها”.

وأضاف بن فرحات، في تدوينة ثانية، أنّه من هول ما عاينته ممثلة المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب من تعذيب تجاوز كل حدود الخيال، أغمي عليها وفقدت الوعي وتم نقلها لمستشفى الرابطة بسيارة الحماية المدنية، وفقه.

بدوره، وصف المحامي سمير ديلو ما رواه مهدي زقروبة في مكتب التّحقيق عمّا تعرّض له طيلة فترة احتجازه، وعاينه قاضي التّحقيق والمحامون الحاضرون وعلى رأسهم العميد ورئيس الفرع، بـ”الفظيع”.

وتساءل ديلو قائلًا: “ما هي الأسباب الأمنيّة التي تعلّل بها قاضي التّحقيق لتبرير رفض عرض مهدي زقروبة على الفحص الطّبّي؟ وكيف يتمّ إصدار  بطاقة إيداع في حق شخص في حالة إغماء قبل إنجاده وإسعافه ثمّ عرض القرار عليه؟ وهل سيتمّ التفاعل مع الشكاية بخصوص التّعذيب الذي تعرّض له مهدي زقروبة بنفس الدّرجة من الحماس والسّرعة التي تمّ بهما التّفاعل مع الشّكاية ضدّه؟”.

ومن جانبه، قال المحامي فوزي جاب الله، في تدوينة له على فيسبوك، إنّ “تعذيب مهدي زقروبة أثناء الاحتفاظ به، فضلًا عن تعنيفه الشديد عند إيقافه، وبالطريقة المشينة التي تم إطلاع قاضي التحقيق وهيئة الدفاع عليها، تعني الانتقال إلى مرحلة أخرى في الوضع العام في تونس”.

وأضاف قائلًا: “في أغلب حالات إيقاف السياسيين والإعلاميين والمحامين سابقًا لم يكن يدور حديث عن تعذيب مقصود، بل تم في الغالب الأعم معاملتهم بدرجة مقبولة من الاحترام خصوصًا من الفرق المختصة”.

وشدد المحامي على أنّ “التعذيب إذا جُرّب وأفلت مرتكبه من العقاب السريع من السلطة، فإنه سرعان ما يصبح منهجًا عامًا وهو ما يؤدي بالبلاد إلى الظلمة التامة”، حسب تصوره.

  • الداخلية: جميع أعمالنا موثقة

في المقابل، في تعليقه على ما تردد من تعرض المحامي مهدي زقروبة إلى التعذيب، قال المتحدث باسم وزارة الداخلية التونسية فاكر بوزغاية، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية الخميس، إنّ “كل الأعمال موثقة سواءً خلال البحث أو بمراكز الإيقاف المزودة بكاميرات يمكن مد القضاء بها”، وفق روايته.

وأضاف، في هذا الصدد، أنّ “تقدم الأبحاث سيمكن من إثبات من قام بالعمل المشين والجريمة بالقرائن والأدلة”، على حد قوله.

  • قيس سعيّد: “ما حصل تم في إطار احترام كامل للقانون”

وقال الرئيس التونسي قيس سعيّد، الأربعاء خلال لقاء جمعه بوزيرة العدل بقصر قرطاج، إنّه “لا أحد فوق القانون والجميع متساوون أمامه”، نافيًا وجود أي “مواجهة مع المحامين”، وفق ما جاء في بلاغ للرئاسة التونسية.

وأضاف: “ما حصل خلال الأيام الأخيرة لا يتعلّق بسلك المحاماة بل بمن تجرّأ وحقّر وطنه في وسائل الإعلام بل وبمن اعتدى بالعنف على ضابط أمن”، معقبًا أنّ “من يُحقّر وطنه ومن ارتكب جريمة الاعتداء على موظف حال مباشرته لوظيفه لا يُمكن أن يبقى خارج دائرة المساءلة والجزاء”.

واستدرك الرئيس أنّ “الدولة التونسية محمول عليها أن توفّر لكل سجين الحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامته”، على حد قوله.

وبخصوص حادثتي اقتحام دار المحامي، قال الرئيس: “دار المحامي توجد فوق التراب التونسي ولا تخضع لنظام لا إقليمية حتى يتحصّن بها أحد ويُردّد بأنه تم اقتحامها، فما حصل تم في إطار احترام كامل للقانون التونسي الضامن للمساواة وللحقّ في محاكمة عادلة”، حسب ما ورد في نص البلاغ.

يذكر أن المتحدث باسم وزارة الداخلية فاكر بوزغاية قد نفى، الثلاثاء 14 ماي 2024، نفيًا قاطعًا استعمال “القوة المفرطة” في إيقاف من لقبهم “المطلوبين للعدالة” من دار المحامي.

وعقّب، في تصريح لإذاعة “موزاييك” (محلية)، أنّ ما سمّاها “عملية تنفيذ بطاقات الجلب التي تمت بدار المحامي كانت بشكل قانوني وبتعليمات من النيابة العمومية وبإشراف تام منها”، نافيًا إقدام أعوان الأمن بأيّ تكسير أو تهشيم هناك، على حد قوله.

جدير الذكر أن قطاع المحاماة بتونس يعيش، الخميس 16 ماي 2024، على وقع يوم غضب وطني تتخله وقفة احتجاجية أمام قصر العدالة بتونس العاصمة، “تنديدًا باقتحام دار المحامي والاعتداء بالعنف الشديد على المحامين والإيقافات والتتبعات في حق منظوريها في محاولة لضربها”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى