جمّعت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها حول حقوق الإنسان في العالم لسنة 2023، ما وثقته واعتبرته يمثل بواعث للقلق إزاء حقوق الإنسان في مختلف دول العالم.
وفي تونس، قالت المنظمة، في تقريرها الذي أصدرته الثلاثاء 23 أفريل 2024، إنّ السلطات صعدت قمعها للمعارضة من خلال توجيه تهم لا أساس لها إلى شخصيات بارزة في المعارضة ومنتقدين آخرين.
كما تحدثت عن اقترح بعض أعضاء البرلمان تشريعًا وصفته بـ”القمعي” قالت إنه “يهدد منظمات المجتمع المدني المستقلة”. ووثقت تعرّض عشرات المشاركين في احتجاجات تتعلق بالعدالة الاجتماعية والبيئة للملاحقة القضائية ظلمًا. واستمر تقويض استقلال القضاء، والمحاسبة، والحق في محاكمة عادلة.
كذلك اعتبرت المنظمة الدولية أنّ “تصريحات للرئيس تتسم بالعنصرية صعدت موجة من الاعتداءات والاعتقالات ضد الأفارقة السود”، مضيفة أنّ السلطات من عمليات اعتراض الزوارق في البحر بشكل هائل، وأجرت عمليات ترحيل جماعي إلى الحدود مع الجزائر وليبيا. وغير ذلك من مظاهر بواعث القلق بخصوص حقوق الإنسان التي وثقتها المنظمة.
وأكدت العفو الدولية أنّ “السلطات التونسية كثفت استهدافها للأفراد الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير، ولجأت في كثير من الأحيان إلى استخدام المرسوم القمعي الجديد، عدد 54 لسنة 2022 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال”.
وأشارت إلى أنه تم استدعاء ما لا يقل عن 22 شخصًا، من بينهم محامون، وصحفيون، ومدونون، ونشطاء سياسيون للاستجواب، أو لوحقوا قضائيًا، أو صدرت ضدهم أحكام فيما يتصل بتعليقات علنية اعتبر أنها تنتقد السلطات.
وفي 13 على الأقل من هذه الحالات، استهدف الأشخاص استنادًا إلى المرسوم المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، وجاء الاستهداف في أغلب الحالات إثر شكاوى حكومية، وفق العفو الدولية.
وأشارت المنظمة إلى أنه “في مارس وأفريل 2023، منع البرلمان وسائل الإعلام الخاصة والأجنبية مرتين من حضور الجلسات البرلمانية، وفي جوان/يونيو، مُنع الصحفيون من المتابعة الصحفية لاجتماعات اللجان البرلمانية.
وفي 16 ماي، قضت محكمة الاستئناف بتونس العاصمة بسجن الصحفي خليفة القاسمي لمدة خمس سنوات بسبب نشره أنباء حول عمليات منية.
وفي 13 ديسمبر، قضت محكمة عسكرية بتونس العاصمة بسجن الناشطة السياسية شيماء عيسى لمدة 12 شهرًا مع وقف التنفيذ لإدلائها بتعليقات تنتقد فيها السلطات.
وأفادت النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين بعشرات من حوادث مضايقة الصحفيين وعرقلة عملهم أثناء تغطيتهم للانتخابات البرلمانية، وفق ما نقلته المنظمة الدولية.
كما اعتبرت “أمنستي” أنّ “السلطات التونسية صعدت قمعها للمعارضة باستهداف مجموعة أوسع من الشخصيات المعارضة، عبر استخدام تهم تتعلق بالتعبير، فضلاً عن تهم التآمر والإرهاب لاحتجازهم، والتحقيق معهم، وإصدار أحكام ضدهم”.
ورأت أن “السلطات القضائية استهدفت بوجه خاص أعضاء حركة النهضة، وهي أكبر حزب معارض في البلاد. وبدأت تحقيقات جنائية مع 21 شخصًا، على الأقل، من قياديّي الحركة وأعضائها، واحتجزت ما لا يقل عن 12 منهم. وفي 30 أكتوبر، قضت محكمة الاستئناف بتونس العاصمة بسجن راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة والرئيس السابق للبرلمان المنحل، لمدة 15 شهرًا بموجب القانون المتعلق بمكافحة الإرهاب لسنة 2015 بسبب تصريحاته العلنية. وفي 13 فيفري، اعتقلت قوات الأمن وزير العدل الأسبق والقيادي في حركة النهضة نور الدين البحيري. وفي نوفمبر، أحالته دائرة اتهام إلى دائرة جنائية في إحدى المحاكم. وظل رهن الإيقاف التحفظي بتهم يُعاقب عليها بالإعدام على خلفية تعليقات انتقادية أدلى بها عبر الإنترنت”.
واعتبارًا من فيفري، كان ما لا يقل عن 50 شخصًا، من بينهم شخصيات معارضة، 3 ومدافعون عن حقوق الإنسان، ومحامون، وأصحاب أعمال، قيد التحقيق فيما يسمى قضية “التآمر”، حيث وجهت إليهم تهم ملفقة يُعاقب عليها بالسجن مددًا طويلة وبالإعدام، وفق ما جاء في تقرير العفو الدولية.
وفي 3 أكتوبر، اعتقلت الشرطة عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر المعارض، عندما كانت تحاول التقدم بطعن ضد المراسيم الرئاسية الصادرة فيما يتعلق بالانتخابات المحلية. وظلت قيد الإيقاف التحفظي بتهم يُعاقب عليها بالإعدام على خلفية ممارستها لحقها في حرية التعبير والتجمع.
-
حرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها
وذكرت منظمة العفو الدولية أنّ “الرئيس قيس سعيّد واصل اتّهام منظمات المجتمع المدني بالتدخل في شؤون تونس والفساد المالي. وفي 18 أفريل، أمرت الشرطة جميع الموجودين في مقر حركة النهضة في تونس العاصمة بالخروج منه بدون أن تقدم أي وثائق قانونية، وأغلقت المقر ومنعت أي شخص من العودة إليه. وفي رسالة داخلية مسرّبة، وَجهت وزارة الداخلية الشرطة إلى منع الاجتماعات والتجمعات في مكاتب حركة النهضة وجبهة الخلاص الوطني.
وفي 10 أكتوبر، قدمت مجموعة من أعضاء البرلمان مشروع قانون بشأن الجمعيات من شأنه أن يقوَّض استقلال المجتمع المدني، كي يحل محل المرسوم عدد 88 لسنة 2011 بشأن الجمعيات.
وفي 11 ديسمبر، أعلن رئيس الوزراء أن لجنة من عدة قطاعات ستعمل على صياغة قانون جديد.
نظم 3,016 احتجاجًا في عام 2023 حتى نوفمبر، وفقا للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وسمحت الشرطة لأغلب المظاهرات بالمضي قدمًا، لكنها فضت بعض الاحتجاجات. فعلى سبيل المثال، احتجز عدد من عمال المزارع الذين كانوا يحتجون في ساحة القصبة في تونس العاصمة، يوم 9 فيفري، وفتشت هواتفهم، وفق تقرير العفو الدولية.
وفي مارس، لاحقت النيابة العمومية في بلدة سليانة قضائيًا 28 شخصًا فيما يتصل باحتجاجات تدعو لحقهم في المياه. وفي 8 جوان، قضت محكمة في مدينة صفاقس بجنوب شرق البلاد بسجن ما لا يقل عن أربعة من النشطاء البيئيين لمدة ثمانية أشهر بتهمة تعطيل حرية العمل.
وسلطت منظمة العفو الدولية الضوء على استمرار حرمان القضاة، الذين عزلوا من وظائفهم بإجراءات موجزة بموجب مرسوم رئاسي في جوان 2022، من الحصول على تعويضات. ولم يتخذ أي إجراء قضائي بعد أن قدم 37 منهم، في 23 جانفي، شكاوى فردية ضد وزير العدل للطعن في عدم تنفيذ أمر من المحكمة الإدارية في تونس العاصمة بإعادة 49 من القضاة والمدعين المعزولين، وعددهم 57، إلى عملهم.
وقوضت تصريحات علنية للرئيس، يحث فيها على محاكمة منتقدي الحكومة، استقلال القضاء والحق في محاكمة عادلة، وفق تقدير المنظمة الدولية.
وتابعت العفو الدولية أنّ “السلطات القضائية جددت تعسفيًا أوامر الإيقاف التحفظي ضد ما لا يقل عن 20 من المعارضين البارزين، والشخصيات العامة، ومنتقدي الرئيس قيس سعيّد المفترَضين، الذين احتجزوا ما بين 5 أشهر وسنتين بتهم عدّة، من بينها تهمتا التآمر والإرهاب اللتان لا أساس لهما”.
وتحدثت أيضًا عن “استمرار المحاكم العسكرية في محاكمة المدنيين. ففي 20 جانفي، قضت محكمة استئناف عسكرية بسجن ستة مدنيين، من بينهم أربعة سياسيين معارضين من ائتلاف الكرامة ومحام بارز، لمدد تتراوح بين خمسة أشهر و14 شهرًا بتهم مختلفة، من بينها هضم جانب موظف عمومي وتهديد موظف عمومي”.
اعتبرت منظمة العفو الدولية أنّ “السلطات التونسية تقاعست عن محاسبة أفراد من قوات الأمن وممثلين سياسيين وجهت إليهم اتهامات موثوقة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان. وقضت محكمة في تونس العاصمة بتغريم ستة أفراد لتصويرهم الشرطة وهي تنهال على رجل بالضرب في منطقة الكبارية، في جانفي، ونشرهم المقاطع المصورة على الإنترنت. ومن بين الأفراد الذين لوحقوا قضائيًا أعضاء في جمعية جيل ضد التهميش، بالإضافة إلى الضحية.
وفي 2 مارس، وجه أحد قضاة التحقيق إلى سهام بن سدرين، الرئيسة السابقة لهيئة الحقيقة والكرامة، تهمًا ملفقة تتعلق برئاستها للهيئة وأصدر أمرًا بمنعها من السفر، وفق ما جاء في التقرير.
على صعيد آخر، ذكرت المنظمة الدولية أنّ عام 2023 “شهد تدهورًا واضحًا في حماية حقوق المهاجرين واللاجئين. وفي 21 فيفري، أدلى الرئيس قيس سعيّد بتعليقات تتسم بالتمييز والكراهية، مما أثار موجة من العنف العنصري المناهض للسود من جانب المواطنين والشرطة وأدى إلى اعتقال المئات تعسفيًا”، وفقها.
وأشارت إلى أنه “في 11 أفريل، استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع بشكل مفرط ضد بعض المهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين الذين نظموا اعتصامًا أمام مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس العاصمة، واعتقلت الكثير منهم، واعتدت عليهم بالضرب في الحجز.
وأضافت “آمنستي” أنه “اعتبارًا من جويلية/يوليو، قبضت سلطات الأمن على عدة آلاف من المهاجرين، وطالبي اللجوء، واللاجئين، من بينهم أطفال، ورحّلتهم بشكل جماعي وتعسفي إلى ليبيا والجزائر. وتوفي ما لا يقل عن 28 شخصًا في المنطقة الصحراوية على الحدود الليبية في الفترة ما بين جويلية/يوليو وأوت/أغسطس، وفقًا لما ذكرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ونفّذت عمليات الترحيل الجماعي بدون تقييم حالة كل فرد على حدة، وبدون اتخاذ أي إجراءات قضائية. ووقعت كثير من حالات الترحيل الجماعي عقب عمليات اعتراض الزوارق في البحر التي زادت بشكل هائل اعتبارًا من جويلية، وشملت في كثير من الأحيان مناورات تتسم بالتهور أدت إلى إصابة مهاجرين. وعرضت الشرطة والحرس الوطني أفرادًا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة خلال الإنزال من الزوارق، والترحيل، والاحتجاز، حسب ما ورد في تقرير المنظمة الدولية.
-
باحثة بالعفو الدولية: انتهاكات ممنهجة للحريات
واعتبرت الباحثة بالمكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة العفو الدولية، بدور حسن، أنّه “في جميع أنحاء المنطقة، هناك مسألة الانتهاكات الممنهجة لحرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها، وحرية التجمع، والتقاعس عن احترام حقوق الإنسان الأساسية، بما فيها الحق في اتباع الإجراءات القانونية الواجبة وفي تلقي محاكمة عادلة”.
وأضافت بدور حسن، في تصريح نقلته المنظمة الدولية: “إننا نوثق انتهاكات حقوق الإنسان بغية استخدام هذا التوثيق كدليل لتحقيق العدالة: لاستخدامه أمام القضاء، وممارسة الضغوط على السلطات لحملها على تغيير سلوكها، وحشد المتظاهرين والمحتجين، وتعبئة حركة منظمة العفو الدولية”.
وتابعت الباحثة الحقوقية قائلة: “أكبر أمل يراودني شخصيًا هو أن أعيش يومًا ما في منطقة لا يتعرض فيها أحد للاعتقال أو الاحتجاز تعسفًا بسبب تعبيره الحر والسلمي عن آرائه؛ وأن تصبح السجون خالية من التعذيب؛ وأن تصبح السجون خالية من أي محتجزين لأسباب ذات دوافع سياسية، أو بسبب آرائهم”.
زر الذهاب إلى الأعلى