الطاقة المتجددة خيار استراتيجي للنهوض بالاقتصاد الوطني و لتخفيف حدّة التغيرات المناخية
ألقت التغيرات المناخية التي يعيشها كوكب الأرض بظلالها على تونس، رغم نسبة انتاجها المنخفض لانبعاثات ثاني اكسيد الكربون، المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري.
ويرى خبراء أنّ زيادة الاعتماد على الوقود الأحفوري له تبعات مكلفة و وخيمة على الاقتصاد و البيئة وصحة الانسان، ما يجعل اللجوء الى الطاقة المتجددة أفضل القرارات باعتباره خيار استراتيجي من شأنه أن يحد من العواقب، ويسهم في النهوض بالاقتصاد، و يخفف من حدّة التغيرات المناخية التي بدأت تطال تونس التي تعاني من انخفاض نسبة التساقطات السنوية و تراجع مستوى تعبئة السدود و توسع مناطق التصحر.
تشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة
وفي هذا الشأن دعت روضة القفراج الخبيرة في الموارد والسياسات المائية والتأقلم مع التغيرات المناخية، مؤسسات الدولة التونسية الى ضرورة تشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في الطاقة المتجددة، ومزيد المساهمة في النهوض بمصادرها.
وأوضحت في تصريح لـ”نيوز بلوس” أنّ التغيرات المناخية التي يعيشها كوكب الأرض ألقت بضلالها على تونس، ما تستوجب اليوم التقليص في استخدام الوقود الأحفوري المتسبب في انبعاثات ثاني أكسيد الكاربون والتوجه نحو الطاقة المتجددة كخيار بديل.
وكشفت أنّ الواقع الاقتصادي الذي تشهده تونس اليوم في ظل الارتفاع العالمي المشط لأسعار المحروقات بات يقتضي رسم استراتيجية وطنية لحوكمة الطاقة من ناحية، و ترشيد اسهلاكها من ناحية أخرى، عبر المواظبة على تكثيف الحملات الاعلامية التوعية.
وأبرزت أنّ الارتباك الذي ظهر على مستوى استهلاك الطاقة في الفترة الماضية، على غرار تكرر انقطاع التيار الكهربائي في عدة مناطق من الجمهورية خلال الصائفة الماضية جراء ضغط الاستهلاك، يكشف عن محدودية المخزون الطاقي للبلاد التونسية.
المحافظة على المائدة المائية
وأوردت أنّ الدولة التونسية مطالبة اليوم باستيراد التكنولوجيا المقتصدة للطاقة واعتماد إجراءات صارمة للمحافظة على المائدة المائية، قائلة في ذلك “انّ الماء يبقى من أهم مصادر الطاقة والحياة.. ولا بد من اعلان حالة طوارئ مائية خصوصا وأنّ البلاد أضحت على مشارف جفاف له تبعات خطيرة على الفلاحة والاقتصاد والأمن الغذائي.
وبيّنت أنّ التراجع في مخزونات مياه السدود، التي تشير إلى مستوى 553 مليون متر مكعب، مقابل معدل للسنوات الثلاث الأخيرة عند نحو 763 مليون متر مكعب، يدفع الى التسريع نحو المضي في إجراءات عاجلة أهمها تركيز محطات لتحلية مياه البحر.
وخلصت الى أنّ التغاضي وغض البصر عن معالجة اشكال نقص المائدة المائية من جهة و وتواصل استهلاك البقية المتبقية منها بشكل مفرط من جهة أخرى، سيتسبب في كوارث طبيعية واقتصادية وجيوليوجية قد تصل الى حدّ التصحر ونشوب الحرائق وحدوث الزلازل.
تقليل استيراد الطاقة الأحفورية
وبدوره شدّد الخبير البيئي حمدي حشاد على ضروة تقليل استيراد الطاقة الأحفورية وتعويضها بالاعتماد على الطاقات المتجددة.
ولاحظ أنّ تونس محتاجة الى تجاوز تبعيتها الطاقية ، والذهاب نحو تكثيف الاعتماد على الطاقات المتجدددة وحوكمة استغلال المياه وعقلنة الاستهلاك ورفع مستوى التشجير واعتماد نموذج تهيئة عمرانية صديقة للبيئة.
وكشف أنّ انتاج تونس من الطاقة المتجددة وجب أن يبلغ أهدافه بحلول سنة 2030، رغم ارتفاع كلفة المنشئات وتهيئة البنية التحتية الخاصة بها من ناحية، والنسق البطيء للإنتاج الذي لم يتجاوز حاجز الـ 5 بالمائة منذ سبع سنوات من ناحية أخرى.
ودعا الدبلوماسية التونسية الى لعب دور محوري مع الجهات الدولية المانحة لجلب الاستثمارات الأجنبية في مجال الطاقات المتجددة، والعمل على تجاوز التشريعات المقيدة حولها، لا سيما بعد اهدارها لفرص شراكة حقيقية مع عديد الجهات في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي المنعقد بمصر العام الماضي.
الانتقال الطاقي والحدّ من التبعية
ومن ناحيته، رأى الخبير الاقتصادي محمد الصادق جبنون أنّه آن الآوان للانتقال الطاقي و تعزيز استخدام الطاقات البديلة والمتجددة في ظل التحديات المناخية العالمية.
ولفت النظر الى أنّ الاعتماد على الطاقة البديلة يحمل في طياته مكاساب اقتصادية هامة، باعتباره يسهم في تقليص نسبة التبعية الطاقية.
وقال انّ ما يناهز 30 بالمائة من العجز التجاري يعود أساسا الى التبعية الطاقية التي تجاوزت في مجملها نسبة الـ 50 بالمائة، ما يترتب عنه خسائر كبيرة مالية كبيرة.
وأضاف أنّ نشوب الحرب الروسية الأكرانية كان لها وقع كبير على الاقتصاد التونسي من الناحية الطاقية باعتبار أنّ النزاع كان قد أسهم في ارتفاع اسعار النفط التي بلغت في وقت من الأوقات أكثر من 139 دولار للبرميل.
تشريعات و برامج لتسويق الطاقات المتجددة
يذكر أنّه منذ أفريل 1985، وضعت تونس أحكاما قانونية، لتشجيع البحث والإنتاج وتسويق الطاقات المتجددة ينظمها القانون عدد 85-48 المؤرخ 25 أفريل 1985.
كما أطلقت تونس على مدى 30 عاما برامج متعددة للتشجيع على استخدام الطاقة المتجددة، على غرار برنامج “النهوض بالتسخين الشمسي الجماعي”، وبرنامج “النهوض بالمباني الشمسية.
وأسهمت مثل هذه البرامج من خلق فرص عمل لأكثر من 3000 شخص، و إحداث سوق لموردي الطاقة الشمسية والمصنعين وشركات التركيب.
وتطمح تونس من خلال مثل هذه البرامج وغيرها إلى الحد من ارتفاع عجزالميزان التجاري الطاقي، الذّي استمر على مدى سنوات، ليبلغ إلى موفى سبتمبر 2023، مستوى 7،6 مليار دينار، وفق بيانات نشرها المعهد الوطني للاحصاء حول التجارة الخارجية في 10 أكتوبر 2023.
دعم البحث العلمي في المجال الطاقي
وبدورها حرصت الوكالة الوطنيّة للتحكّم في الطاقة على دعم البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في المجال الطاقي، ورسم جملة من الأهداف، أبرزها تطوير التقنيات المقتصدة للطاقة وتلك التي تستخدم الطاقات المتجددة، و الترفيع في معدّل الإدماج على مستوى تصنيع التجهيزات ذات النجاعة الطاقيّة العالية واستخدام الطاقات المتجددة، و خفض تكلفة التجهيزات وتحسين كفاءتها وقدرتها التنافسية.
عمل صحفي: سامي السلامي