بداية شهر جوان 2024، أظهرت دراسة أعدّها المعهد العربي لرؤساء المؤسسات، أنّ تونس تُعدّ من أكثر دول البحر الأبيض المتوسط تعرضًا للتغيرات المناخية حيث تواجه ارتفاعًا لافتًا في درجات الحرارة وتراجع معدل تهاطل الأمطار، إضافة إلى ندرة المياه والجفاف.
وتسبب تواصل انحباس الأمطار في تونس في تراجع مخزون المياه في السدود وفي المناطق الرطبة وجفاف البحيرات والبحيرات الساحلية، ما أثر سلبًا على التنوع البيولوجي وأدى لإرباك أسراب الطيور المهاجرة التي تتخذ من الأراضي التونسية ملاذًا لها إما لقضاء فصل الشتاء أو للتعشيش والتفريخ في فصلي الخريف والربيع.
جمعية أحباء الطيور: الجفاف أثر على أعداد الطيور المهاجرة في تونس
وتؤكد الجمعيات البيئية أنّ التغيرات المناخية وما نتج عنها من ارتفاع لافت في درجات الحرارة وانحباس الأمطار، أثرت بشكل لافت على فترة مكوث الطيور المهاجرة في تونس وتسببت في تضرر المنظومة الإيكولوجية.
وأكد المكلف بالمشاريع في جمعية أحباء الطيور مُجيب قابوس، أنّ الجفاف ونقص المياه في المناطق الرطبة مثل البحيرات والغابات والسدود أثر بشكل سلبيّ على الطيور التي تهاجر إلى تونس.
وأضاف قابوس، أنّ الطيور عندما تأتي إلى تونس خصوصًا في موسم الهجرة الشتوية يجب أن تجد الظروف الملائمة والمتمثلة أساسًا في مناخ جيّد إضافة إلى الماء والغذاء كي تبقى في تونس، مشيرًا إلى أنه في حال لم تجد ما تبحث عنه فإنها ستضطر للمغادرة والبحث عن مكان جديد للاستقرار فيه.
وفي السياق ذاته، أكد مُجيب قابوس أنّ الجفاف التي تعاني منه تونس سيكون له تأثير كبير على وفرة الطيور وأعدادها خصوصًا الطيور المُشتّية (التي تقضي فصل الشتاء في تونس)، والتي تأتي من جنوب إفريقيا للتعشيش في تونس، موضحًا أنها عندما لا تجد الموارد الطبيعية اللازمة فإنها تغادر البلاد نحو وجهة جديدة، وفقه.
وأوضح محدثنا أنّ النقص الكبير في المياه في بحيرة “إشكل” على سبيل المثال وهي أحد أهم المناطق الرطبة في تونس، أدى إلى تسجيل تراجع كبير في طيور البط وتضرر المنظومة الإيكولوجية للبحيرة الهامة التي كانت في سنوات سابقة تستقطب مئات الآلاف من الطيور المائية سنويًا.
وأشار المكلف بالإعلام في جمعية أحباء الطيور، إلى أنّ بعض الطيور مثل الدجاج المائي والإوز لم تعد تهاجر إلى تونس مثل السابق، بسبب جفاف البحيرات والبحيرات الساحلية ونقص المياه في المناطق الرطبة في البلاد.
ناشط بيئي: أغلب المناطق الرطبة في الوطن القبلي وسوسة تعاني من الجفاف بشكل كامل
خلال جولته كناشط في المجال البيئي، وثق الحبيب دلنسي جفاف عشرات البحيرات والبحيرات الساحلية في عدد من مناطق البلاد، واصفًا ذلك بالكارثة البيئية والطبيعية التي باتت تهدد التنوع البيولوجي.
وقال دلنسي، إنّ أغلب المناطق الرطبة في الوطن القبلي وسوسة (سد تكرونة مثالاً)، تعاني من الجفاف بشكل كامل ما تسبب في هجرها من قبل الطيور وموت الكائنات الحية التي تتخذ من المياه موطنًا للعيش والتكاثر.
وأكد دلنسي في ذات السياق، أنّ الجفاف في تونس أثر بشكل كبير على التنوع البيولوجي وتسبب في انقراض عدد هام من الكائنات الحية، موضحًا أن سدّ الهوارب بولاية القيروان مثلاً فقد وظيفته الحيوية بعد جفافه من المياه ولم يعد جاذبًا للطيور المهاجرة مثل السابق.
كما أوضح أنّ عشرات الآلاف من الطيور التي كانت تُعشش في ملاحات ولاية صفاقس غيّرت وجهتها نحو الجزائر ومصر وغادرت تونس هربًا من المخاطر التي تهددها وتحول دون تكاثرها، وفقه.
وأكد دلنسي أنّ العديد من أنواع الطيور تراجع تواجدها في المناطق الرطبة التونسية نتيجة تواصل موجات الجفاف وتراجع مخزون المياه، على غرار طائر الخرشنة القطبية الذي كان نحو 180 زوجًا من هذه الطيور يتخذون من ملاحات طينة مكانًا آمنًا لهم للتكاثر، غير أنهم هجروها بشكل كليّ.
وتابع أنه بالبحث، تم إيجاد نحو 30 زوجًا فقط منهم حيث اتخذوا من جزيرة قرقنة مكانًا جديدًا لهم للتعشيش في حين لا يزال البقية يبحثون عن مكان جديد لهم، مشيرًا إلى أنّ البحث عن موطن جديد يحتاج فترات طويلة جدًا.
كما أشار إلى أنّ 40% من أعشاش الطيور التي كانت موجودة في جزر الكنائس في ولاية قابس غمرتها المياه هذا الموسم ما دفع الطيور إلى مغادرة الجزر للبحث عن أماكن جديدة للتعشيش فيها.
وأوضح أنّ هناك تغيرات كبيرة في علاقة بأنواع العصافير والطيور التي تتواجد في تونس سنويًا حيث أنّ عشرات الآلاف من الطيور تخلّت عن القدوم إلى البلاد، في حين أنّ هناك بعض الأنواع الأخرى التي من المفترض أن تكون هذه الفترة في ألمانيا وإيسلندا ودول أخرى غير أنها اختارت البقاء في تونس وتمّ رصدها في عديد المناطق مثل الخطيفة وبعض الطيور القطبية.
وأكد محدثنا في السياق ذاته، أنّ طائر النحام الوردي اضطر بدوره لمغادرة تونس والتعشيش في فرنسا غير أنّه فقد أعشاشه بعد أن غمرتها المياه، ما دفعه للعودة لمحاولة التعشيش في ملاحات طينة لكنه واجه عديد المخاطر ما دفعه لمغادرتها مرة أخرى.
كما أوضح أنّ الطيور المهاجرة تواجه عديد المخاطر الأخرى في تونس على غرار الصيد العشوائي، إضافة إلى تضرر غراسات التين الشوكي من وباء الحشرة القرمزية خصوصًا وأنّ هذه الغراسات تعدّ بدورها مكانًا آمنًا لعشرات الطيور للتعشيش بداخلها وحماية بيضها مثل طيور اليمام.
ويرى الناشط البيئي أنّ كل هذه العوامل أثرت بشكل لافت على تكاثر الطيور في تونس بشكل لافت، داعيًا المؤسسات والجمعيات المعنية إلى العمل على إيجاد حلول والضغط للتصدي خصوصًا للصيد العشوائي.
ووفق الناشط البيئي حبيب الدلنسي، فإن تونس تكون وجهة للطيور المهاجرة عادة مع بداية فصل الخريف أي في الفترة الممتدة من أواخر شهر أوت إلى غاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني وفي فصل الربيع بداية من شهر مارس حتى شهر ماي/أيار من كل سنة.
المناطق الرطبة.. دور هام في الحفاظ على التنوع البيولوجي
يؤكد المختص في الشأن البيئي عادل الهنتاتي، أنّ المناطق الرطبة الطبيعية المنتشرة في كامل البلاد تمثل مخزونًا إيكولوجيًا هامًا نظرًا لدورها الهام في حماية المدن من الفيضانات وتوفير المياه والرطوبة للمناطق المحاذية لها، إلى جانب دورها في الحفاظ على التنوع البيولوجي من خلال استقطاب آلاف الطيور وحماية الحيوانات والنباتات.
ويرى الهنتاتي، أنّ المناطق الرطبة في تونس تستقطب أنواعًا هامة من الطيور المهاجرة التي تهاجر سنويًا بحثًا عن مناخ ملائم للعيش فيه لفترات زمنية محددة، وهو ما يتسبب في إحداث حركية هامة في التنوع البيولوجي.
كما أوضح أنّ ضعف مخزون المياه في المناطق الرطبة وجفاف البعض منها بسبب انحباس الأمطار لفترات طويلة يعدّ كارثة بيئية، لأنّ الجفاف يُفقد المناطق الرطبة دورها الفعال في الحفاظ على التنوع البيولوجي في تونس.
ووفق دليل صادر عن وزارة البيئة التونسية حول “المناطق الرطبة في تونس“، فإنه يوجد 237 منطقة رطبة طبيعية موزعة بين أودية وسباخ ومستنقعات وشطوط، بينما يوجد نحو 915 منطقة رطبة اصطناعية منها 679 بحيرة جبلية.
ووفق الدليل، فإنّ المناطق الرطبة هي أمثلة من البيئات الطبيعية الغنية من حيث التنوع البيولوجي، وهي توفر الظروف الملائمة لانتشار العديد من أنواع الحيوانات والنباتات التي تستفيد من المكونات الفيزيائية الموجودة فيها من ماء وتربة وغيرها وكذلك من التفاعلات التي يمكن أن تحصل بينها. وتأوي المناطق الرطبة أكثر من مئة ألف نوع من الأنواع الحيوانية والنباتية للمياه العذبة ويتم اكتشاف العديد من الأنواع الجديدة كل عام.
زر الذهاب إلى الأعلى