أيام قرطاج السينمائية في دورتها الـ36

تدخل أيام قرطاج السينمائية (JCC) دورتها السادسة والثلاثين وهي محمّلة برمزية خاصة: فهي الدورة التي تسبق الاحتفال بالستينية. حيث أكدت الندوة الصحفية لإطلاق الدورة الـ 36 من المهرجان، التي ستقام من 13 إلى 20 ديسمبر، على أنه يرفع هذا العام شعار “السينما قضية” مع تركيز واضح على تعزيز الحضور الجماهيري وإرساء الشفافية المالية.

السينما كقضية وجودية
أكد مدير الدورة ورئيس لجنة التنظيم، محمد طارق بن شعبان، أن المهرجان ليس مجرد تظاهرة فنية، بل منصة فكرية وسياسية تظل وفية لروح السينما العربية والإفريقية التقدمية. ووضعُ القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمامات عبر اختيار فيلم فلسطيني للافتتاح ليس تفصيلاً فنياً، بل إعلان موقف ثقافي وسياسي يعكس هوية المهرجان منذ تأسيسه. وفي هذا السياق، يصبح شعار السينما قضية تعبيراً عن رؤية ترى في الفن السابع أداة للمقاومة ومساحة للتفكير ومجالاً لتجميع الوعي الجمعي، بعيداً عن الاكتفاء بدور الترفيه أو الاحتفال. فالسينما هنا تُخاض بها معركة رمزية حول الهوية والذاكرة والسياسة الثقافية، ويأتي البرنامج الفني الأكثر تنوعاً وانفتاحاً في هذه الدورة ليعزّز هذا التوجّه، مع الحفاظ على الأقسام التقليدية التي تشكّل جزءاً من روح المهرجان واستدامته.

البعد السياسي والثقافي العابر للحدود
منذ تأسيسه، ظل JCC وفياً لروح السينما الإفريقية والعربية التقدمية. تكريم رواد من مالي والجزائر وبنين وتونس ليس مجرد احتفاء بالأسماء، بل هو إعادة كتابة تاريخ سينمائي بديل، يضع الجنوب العالمي في مركز السردية. إدراج قسم “السينما الخضراء” يفتح أفقاً جديداً: السينما كأداة لمساءلة علاقتنا بالكوكب، في زمن تتقاطع فيه الأزمات البيئية مع الأزمات الثقافية والسياسية. بهذا المعنى، يتحول المهرجان إلى مختبر فكري، حيث تُختبر قدرة الفن على مواجهة التحديات الكونية.

الجمهور كفاعل لا كمستهلك
تكشف تصريحات المكلف بتسيير المركز الوطني للسينما والصورة، شاكر الشيخي عن تحول جذري للمهرجان الذ يلم يعد يقاس فقط بجودة الأفلام أو أسماء الضيوف، بل بمدى قدرته على تحويل الجمهور إلى شريك فعلي.
– أسعار التذاكر الرمزية ليست مجرد سياسة تسويقية، بل هي إعلان أن السينما حق جماهيري لا امتياز نخبوياً.
– نشر تفاصيل الميزانية لأول مرة (3.8 مليون دينار) الذي يكرّس مبدأ الشفافية، ويعيد تعريف العلاقة بين الثقافة والمال، بين الفن والإدارة.
وبهذا يصبح الجمهور معيارَ النجاح، ليس فقط من حيث العدد في القاعات، بل باعتباره قوةً اجتماعية تمنح المهرجان شرعيته.
البرنامج كجسر بين الثوابت والتجديد
يوازن البرنامج الفني بين الأقسام التقليدية التي تحافظ على هوية المهرجان وثوابته الفكرية والفنية، وبين انفتاح على مدارس سينمائية جديدة عبر “قرطاج للسينما الواعدة”. كما أشار رضوان عيادي إلى أن إدراج أفلام من أرمينيا والفلبين يعكس رغبة في بناء جسور بين تجارب سينمائية من الجنوب العالمي وتجارب أخرى تبحث عن صوتها خارج المركزيات الغربية.

و في الأخير، الدورة 36 من أيام قرطاج السينمائية ليست مجرد حدث ثقافي، بل هي تجربة وجودية:
– السينما قضية لأنها تعكس صراع الإنسان مع النسيان، مع التهميش ومع العولمة.
– الجمهور قضية لأنه يحدد ما إذا كانت السينما ستظل فناً نخبوياً أو تتحول إلى قوة اجتماعية.
– الشفافية قضية لأنها تعيد الثقة بين المؤسسات والجمهور، وتؤكد أن الثقافة ليست مجالاً مغلقاً بل فضاءً مشتركاً.
ملاك الشوشي




