مثّل التحرّك الأمريكي الأخير بخصوص أحداث 25 جويلية في تونس، نقطة فاصلة في الساحة السياسية، وقد تواترت حوله العديد من ردود الأفعال الرافضة له أو التي اعتبرته أمرا عاديا.
وكان قد تلقى رئيس الجمهورية قيس سعيّد، يوم الجمعة الفارط ، رسالة خطية من نظيره الأميركي جو بايدن حملها وفد رسمي أميركي برئاسة مساعد مستشار الأمن القومي الأميركي جوناثان فاينر الذي أشار إلى أن الرئيس الأميركي يتابع تطور الأوضاع في تونس، ويعلم حجم ونوعية التحديات التي تواجهها البلاد، لا سيّما منها الاقتصادية والصحية. كما أكّد مساعد مستشار الأمن القومي الأميركي على أن الولايات المتحدة الأميركية متمسّكة بصداقتها الاستراتيجية مع تونس وتدعم المسار الديمقراطي فيها، وتتطلّع إلى الخطوات المقبلة التي سيتخذها رئيس الجمهورية على المستويين الحكومي والسياسي.
ووفق بيان نشرته صفحة الرئاسة التونسية على فيسبوك، ذكّر سعيّد خلال لقائه الوفد الأميركي بأن التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها تندرج في إطار تطبيق الدستور وتستجيب لإرادة شعبية واسعة، لا سيّما في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستشراء الفساد والرشوة. وحذّر الرئيس التونسي من &محاولات البعض بث إشاعات وترويج مغالطات حول حقيقة الأوضاع في تونس&، معتبرا أن لا يوجد ما يدعو للقلق على قيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي تتقاسمها تونس مع المجتمع الأميركي. &وقال سعيد إنه &تبنى إرادة الشعب وقضاياه ومشاغله ولن يقبل بالظلم أو التعدي على الحقوق أو الارتداد عليها&، مؤكّدا على أن تونس &ستظل بلدا معتدلا ومنفتحا ومتشبثا بشراكاته الاستراتيجية مع أصدقائه التاريخيين&.
هذا اللقاء لم يمرّ مرور الكرام، وحصد العديد من ردود الأفعال؛ فقد دعا حزب التيار الشعبي في بيان له ، كل دول العالم والولايات المتحدة الأمريكية، بصورة خاصة، إلى &ضرورة احترام سيادة شعبنا وعدم التدخل في شؤوننا، لا سيما أمام السجل الإجرامي لتدخل الإدارة الأمريكية في العراق وسوريا وليبيا واليمن وفي أمريكا اللاتينية وأفغانستان والصومال وغيرها، حيث أسقطت أمريكا الدول وتركت الشعوب للموت والجوع وحكم المليشيات&، حسب نص البيان.
بدورها، دانت &حركة الشعب& التونسية الدعوات للتدخل الأجنبي في الشأن الداخلي التونسي، معتبرة أن &ما حصل في البلاد شأنا تونسيا صرفا قرره الرئيس قيس سعيّد استجابة لمطالب شعبية&. وقالت الحركة في بيان لها، إن &الشعب الذي خرج يوم 25 يوليو للاحتجاج على المنظومة القائمة والمطالبة بإسقاطها، وعبر عن ارتياحه لقرارات رئيس الجمهورية من خلال الخروج التلقائي احتفالا بالحدث، لن يقبل بالعودة إلى ما قبل 25 يوليو، ويرفض أي تدخل خارجي في الشأن التونسي خدمة لأي أجندة داخلية أو خارجية&. وأضافت أن &الأطراف التي تتطلع للتدخل الخارجي والاستقواء به من أجل إعادتها إلى سدة الحكم أو فرض حلول لا تخدم مصلحة الشعب قد فقدت علاقتها بالوطن والشعب وصارت مجرد أدوات لقوى خارجية لا يهمها غير مصالحها في المنطقة وفي البلاد&. وتابعت أن &كل حقائق التاريخ والجغرافيا قد بينت أكثر من مرة أن الاستقواء بالأجنبي والسماح له بالتدخل في القرار الوطني مهما كانت درجة خلافنا مع الحاكم يؤدي إلى كوارث ومصائب تنتهي بالاقتتال وانهيار الدولة ومؤسساتها&. ودعت كل القوى الوطنية والشبابية إلى &الوقوف ضد كل محاولات الاختراق والتدخل في القرار الوطني&.
كما أدان حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد، ما اعتبره &التدخل الأمريكي وكل تدخلات المحاور الإقليمية السافرة في شؤون تونس ومحاولاتها تطويع نضالات شباب تونس وشعبها لصالح أجنداتها المعادية لمصالح الشعب التونسي&.واستنكر الحزب في بيان أصدره & السعي المحموم لبعض الأحزاب والمنظمات لاقحام قوى الهيمنة في العالم وحلفائهم في الشؤون الداخلية لبلادنا&.ودعا الحزب كل الحركات الشبابية والاجتماعية المناضلة وجمبع القوى الوطنية والتقدمية إلى اليقظة والتنسيق دفاعا عن سيادة البلاد وقرارها الوطني.
وفي سياق لقاء رئيس الجمهورية بالوفد الأمريكي، كتب الناشط والباحث مصدّق الجليدي وقال إن للقاء جانبان أو وجهان. فمن جهة أولى، من الطبيعي أن تتلقى تونس دولة وشعبا دعما من أصدقائها في العالم الحر لمسار انتقالها الديمقراطي وتشجيعا على التشبث بالحرية والديمقراطية، كما فعلت معنا تلك الدول لما صفقت برلماناتها ومجالسها العليا للثورة التونسية حاملة شعار الحرية والكرامة، ومن الطبيعي أن تنشغل هذه الدول على مصالحها المشتركة مع بلادنا وتفتح حوارات بشأنها مع المسؤولين التونسيين.
وبيّن الجليدي أنّه من جهة ثانية، فإن المتابع لسلسلة الاتصالات بين البيت الأبيض الأمريكي أو الإليزي، وقصر قرطاج منذ حدث 25 جويلية، بغض النظر عن مدى اعتباره له انقلابا على الدستور، لا يسعه إلا أن يستنكر ما قادت إليه التدابير الاستثنائية التي أتاها الرئيس قيس سعيد، خاصة منها تعليق عمل مجلس النواب، من فتحٍ لأبواب التدخل الخارجي السافر في شؤون بلادنا الداخلية من طرف عدة بلدان، كلّ بحسب أهدافه الخاصة التي قد تتقاطع جزئيا أو تتعارض كليا مع مصلحة الانتقال الديمقراطي في تونس.
وللإشارة، سبق وأن عبرت المتحدثة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، بعد إعلان رئيس الجمهورية عن تدابيره الاستثنائية يوم 25 جويلية الفارط، عن قلق واشنطن إزاء تطور الأحداث في تونس، مؤكدة أن الخارجية الأميركية على اتصال مع كبار المسؤولين التونسيين. وأضافت ساكي قولها: &نحن قلقون إزاء تطور الأحداث في تونس بينما تسعى فيه البلاد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي ومحاربة وباء كورونا&. وكشفت أن الإدارة الأميركية على تواصل مع المسؤولين التونسيين بشأن الأوضاع الحالية وقالت: &نحن ندعم جهودهم للاستمرار في العملية الديمقراطية&. وأكدت في السياق بأن واشنطن على تواصل مع الأطراف المختلفة في تونس لتهدئة الأوضاع هناك.
لا للمحور الإماراتي..
وسبق وان أعربت أحزاب أخرى عن إدانتها للتدخلات الأجنبية في تونس إثر سلسلة لقاءات قام بها رئيس الجمهورية، فقد طالب الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي. بعدم التدخل الأجنبي. في الشأن الداخلي او اصطفاف لمحاور دولية أو اقليمية.
وقال الشواشي، في تدوينة على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فايسبوك. “نعم لدعم بلادنا من الدول الشقيقة و الصديقة ولكن السيادة الوطنية خط احمر”.
وجاءت هذه التدوينة تعقيباً على اجتماع جرى بين رئيس الجمهورية قيس سعيد. ومسؤول إماراتي عقب اتخاذ سعيد قراراته الأخيرة بالانقلاب على البرلمان، إذ استقبل الرئيس المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي أنور قرقاش. في قصر قرطاج لتسلم رسالة من الرئيس الإماراتي خليفة بن زايد آل نهيان. وقد قال قرقاش إن &الإمارات تتفهم القرارات التاريخية لرئيس الجمهورية وتدعمها&، مؤكدًا أن بلاده &تثمن وتدرك أهمية الخطوات وتدعم هذه القرارات.. ولا يخفى ونحن نرقب المشهد العربي ندرك كم هي مهمة الدولة والحفاظ على مؤسساتها ومكتسبات الدولة والخدمات المقدمة لمواطني الدولة الوطنية&. وأضاف قرقاش أن &الرئيس التونسي ضمن تاريخه الشخصي الدستوري قادر على العبور بهذه المرحلة بنجاح من خلال الدستور والأطر التي تحافظ على الدولة التونسية&، حسب قوله.
كما استقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، بتاريخ يوم الاثنين 9 أوت 2021 بقصر قرطاج، عبد اللطيف بن راشد الزياني، وزير الخارجية البحريني الذي كان محملا برسالة شفوية موجهة إلى رئيس الدولة من الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك مملكة البحرين.وقد أعرب وزير الخارجية البحريني عن وقوف بلاده، قيادة وشعبا، إلى جانب تونس ومساندتها لقرارات رئيس الجمهورية وثقتها في قدرته على قيادة تونس بحكمة وكفاءة واتخاذ القرارات المناسبة لفائدة الشعب التونسي لتجاوز هذه الفترة الصعبة.كما أفاد بأن البحرين تعتبر ما حدث في تونس أمرا سياديا لا يحق لأي جهة التدخل فيه، وتدعو المجموعة الدولية إلى مواصلة دعم تونس والتضامن معها لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والصحية التي تواجهها.
ومن جانبه أكد رئيس الجمهورية خلال لقاءاته، على أن ما تم اتخاذه من تدابير استثنائية يهدف إلى وضع حد للعبث بالدولة ومقدراتها، وتحمل المسؤولية لا سيما وأنه لم يعد بالإمكان أن تتواصل الأوضاع على ما كانت عليه.
وفي المقابل تعتبر عدّة أطراف أنّ هذه اللقاءات هي إشارة واضحة لاصطفاف الرئيس وراء المحور الإماراتي الرافض للحركات الإسلامية والعدوّ اللدود للإخوان المسلمين.
ومن بين الاطراف التي تدعم هذه الرؤية هي الأطراف نفسها التي ترى في أحداث 25 جويلية &انقلاب على الشرعية&، وفي هذا الصدد اتهمّ رئيس البرلمان المجمد ورئيس حزب حركة النهضة راشد الغنوشي الإمارات بدعم استحواذ الرئيس سعيد على السلطة من خلال تعليق عمل البرلمان وتشديد قبضته على البلاد أكثر.
وقال الغنوشي لصحيفة “ذا تايمز” إن الإمارات مصممة على “إنهاء” الربيع العربي. الذي اندلعت شرارته الأولى في تونس في أعقاب الإطاحة بنظام بن علي في سنة 2011.وأضاف أن الإمارات تعتبر الإسلاميين الديمقراطيين تهديدا لنفوذها. قائلا: “لقد أخذت على نفسها عهدا بأن الربيع العربي ولد في تونس ويجب أن يموت في تونس”. وصرح الغنوشي بأنه لا يمكن السماح بحدوث انقلاب عسكري مماثل في تونس. مشيرا إلى أن “تونس ليست مصر بالنظر إلى وجود علاقة مختلفة بين الجيش والحكومة ومنذ اندلاع الثورة في تونس. قام الجيش بحماية الحريات وصناديق الاقتراع”.
وقد جاء الرد الإماراتي، على تصريحات الغنوشي ، من قبل أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، والذي قال على تويتر إن زعيم &حركة النهضة& في تونس راشد الغنوشي، زج باسم الإمارات لتبرير تقصيره، وطالبه بالنظر لأحداث بلاده من منظور داخلي. وكتب قرقاش في تغريدة له على حسابه بموقع &تويتر& قائلا: &لم أستغرب حوار السيد راشد الغنوشي مع صحيفة التايمز اللندنية، واتهاماته الموجهة للامارات، فقد تعودنا الزج باسم الامارات من قبل هذه الجهات لتبرير قصور محلي وهيكلي&. مضيفا: &نصيحتي أن تكون قراءته داخلية لأحداث بلاده فستكون بالتأكيد أدق ولعلها أنفع&.
إذ أنّه منذ إقدام الرئيس سعيد، على قراراته الأخيرة بتجميد عمل البرلمان، وإقالة الحكومة، وما تبع ذلك من عمليات إيقاف، لشخصيات سياسية، لم تتوقف أصوات التونسيين على وسائل التواصل الاجتماعي مهلّلة ومرحبّة لهذه التدابير ويرون أنّ ما شهدته تونس كان بفعل تدهور الأوضاع داخليا، وفساد الأحزاب ولم يكن لأي دور خارجي؛ كما لم تتوقف أصوات آخرين يتحدثون عن ضلوع دولة الإمارات في ما شهدته تونس من أحداث بغية القضاء على الثورة والربيع العربي.
ولم يكن الغنوشي، الوحيد الذّي تحدّث عن الدور الإماراتي، إذ كان الرئيس الأسبق، المنصف المرزوقي سبّاقا للحديث، عن دور إماراتي سعودي، فيما حدث في تونس وفيما وصفه باتخاذ قرار تصفية الربيع العربي برمته. وقال المرزوقي في حوار مع قناة (دويتش فيله) الألمانية، الناطقة بالعربية: إن ما تشهده تونس والمنطقة، من تصفية للربيع العربي، يقف وراءه النظام العربي القديم، متمثلا في النظامين السعودي والإماراتي، وأشار إلى أنه وخلال الفترة، التي شغل خلالها منصب الرئيس، كان المال الإماراتي يتدفق إلى البلاد بصورة مثيرة، وأن التدخل الإماراتي كان واضحا وكان يثير انشغاله.
فالملاحظ انّ تونس ومنذ اندلاع الثورة لم تنأ عن التجاذبات الإقليمية وكانت طرفا رئيسياغير مباشر فيهابالرغم من حيادها الدبلوماسي المعهود؛ إذ أصبح لتونس بعد 14 جانفي 2011 وزن وثقل أكبر في المنطقة ويحاول كلّ محور جذب البلد إليه؛ فتونس هي دولة في قلب التجاذبات الإقليمية والصراعات والاستراتيجيات، وذلك وفقا لموقع البلد جغرافيا وإقليميا وبحكم هشاشة الانتقال الديمقراطي في تونس سياسيا واقتصاديا وأمنيا، وبحكم الواقع السياسي الجديد الذي أفرزته الثورة التونسية والذّي مكّن من تدخّل عدّة أطراف فيها.
ولئن تندّد كلّ الأطراف في تونس بالتدخلات الخارجية، وكلّ طرف يغنّي على ليلاه ويختار التدخّل الأجنبي الذّي لا يروم له ولا يتماشى مع مصالحه فيندّد به ويطالب فورا بإيقاف هذه الإملاءات ويتناسى التدخّلات الأجنبية الأخرى؛ فإنّه لا مجال للشكّ بالقول إنّ تجاوز هذا المأزق السياسي-ما بعد25 جويلية- سيحسم وفقا لرؤى إقليمية وخارجية وأنّ التسوية ستأتي ضمن قرار خارجي سيغيّر ملامح المشهد التونسي كليّا دون المساس بالمسار الديمقراطي ومكتسبات الشرعية.
ماجدة حميد