أخبارتونسسياسة

رفيق عبد السلام : البديل عن التوافق حرب أهلية.. ويجب أن نحكم من موقع مُتقدّم

تحدث رفيق عبد السلام القيادي بحركة النهضة في تدوينة مطولة نشرها بصفحته على “فايسبوك” بتاريخ 25 سبتمبر 2019، عما أسماها “مسألة التوافق ومهام المرحلة”، قدم فيها ما اعتبرها “محاولة رسم قراءة موضوعية وداخلية لمسار شارك في صنعه من موقع متقدم”، نافيا أن يكون الغرض من هذه القراءة التبرير او التسويق.

واعتبر انه هناك ضرورة لمغادرة الحركة “مربع القلق على تخوم الحكم باتجاه خيار اكثر وضوحا وفرزا”،مشددا على أن تموقع الحركة في الحكم يجب ان يكون متقدما إلى جانب غيرها أو أن تخرج للمعارضة وتتحمل تبعات ذلك.

وكتب عبد السلام “بعض شبابنا الغاضب يلومنا على خيار التوافق الذي انتهجناه باعتباره يمثل ، بحسب زعمهم، تفريطا في الثورة والثوريين، ومطية لعودة النظام القديم والتستر على الفساد والفاسدين..الحقيقة التي بجب ان يفهمها شبابنا الصادق والمتحمس أن الثورات هي مسار من المد والجزر ومن التقدم والتراجع، ولكل مرحلة شروطها ومقتضياتها ورجالها أيضا”.

واضاف “لقد صعدت حركة النهصة في اجواء مد ثوري ليس في تونس فحسب، بل في عموم المنطقة في مصر وسوريا واليمن وليبيا وغيرها، ثم جاءت أواخر 2013 بانقلاب في مصر وتحشيد في باردو ( ما عرف باعتصام الرحيل) وجرائم اغتيالات مدبرة في تونس، وموجة ارهاب ممنهج مصحوبة بقصف إعلامي واسع كان القصد من وراء ذلك إخراجنا من المشهد وضرب المسار الثوري والتجربة الديمقراطية في مقتل”، متابعا “ثم جاءت انتخابات 2014 التي صعدت بالمرحوم الباجي قائد السبسي الى قرطاج ومن بعده حزبه نداء تونس، الذي كان عبارة عن خليط مهجن من رجالات المنظومة القديمة ومن بعض المجموعات اليسارية والليبرالية ورافد نسوي… هكذا مال الناخب التونسي نحو النداء بأغلبية راجحة على حساب النهصة وحلفائها من القوى الجديدة ( التكتل والمؤتمر في ذلك الوقت)”.

وتساءل عبد السلام “ماذا عسانا ان نفعل في مثل هذه المعادلة التي اختار فيها الناخب التونسي بصورة واضحة وعبر صناديق الاقتراع قوى منحدرة من صلب النظام القديم؟ هل نتصارع مع هذه القوى للنهاية وندمر البلد وما بنينا من منجز ديمقراطي، ام نمسك أنفسنا ونكضم غيضنا ونذهب بتوافقات قاسية مع طرف لم يكن يضمر لنا خيرا ؟ هل ندفع الامور باتجاه سيناريو ليبي او يمني او مصري ام ندفع باتجاه سيناريو تونسي ننسجه باياد تونسية، ونجنب بلدنا الأسوأ ولو كان ذلك بمرارة وضيق في النفس؟”، مشيرا إلى ان ‘الناخب التونسي هو الذي اختار النداء والمنظومة القديمة وأعاد تموقعهما في الساحة السياسية وليس النهضة”.

وأبرز بالقول”بعد نقاش داخلي معمق انتهينا الى أن اقل الخيارات كلفة بالنسبة للبلد ولتجربتنا الناشئة ولأنفسنا وجمهورنا الواسع، هو ان نخطو خطوة للوراء ونتعايش بحذر مع الوضع المستجد على أن تتاح لنا فرصة لاحقة وظروف افضل للتقدم أكثر على خط التغيير والثورة…وعلى الجهة المقابلة اضطر المرحوم الباجي قائد السبسي بخبرته وواقعيته المعهودتين، الانتقال من نظرية ان النهصة والنداء خطان متوازيان لا يلتقيان الى مربع ما أسماه بالتعايش الاضطراري، وقد كلفه ذلك ضريبة كبيرة على صعيد جمهوره وحزبه”.

واعتبر القيادي أن “الحركة اضطرت في نهاية المطاف الى التموقع في مكان قلق بين الحكم والمعارضة، قائلا” لم نكن نحكم بأتم معنى الكلمة لأننا لا نمتلك مفاتيح الحكم الرئيسية التي كانت من نصيب النداء، من رئاسة الجمهورية الى رئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان والوزارات السيادية ( الداخلية والعدل والخارجية)، وقد بدانا مسار الشراكة هذا، بكاتب دولة فقط، ثم وصلنا الى 4 وزراء لاحقا.. ولكننا أيضا لم نكن في المعارضة ، لأننا قدرنا ان هشاشة المرحلة لا تحتمل استقطابا حادا بين حكم ندائي ومعارضة نهضوية في الشارع ، كاشفا ان “الامارات والمحور الخليجي كانا يدفعان ويحرضان المرحوم الباجي على اخراج النهضة من الحكم”.
وشدد على أن “التوافق الذي انتهجته الحركة مع النداء ومكونات النظام القديم ليس خيارا مثاليا وعلى أنه كان اقل الخيارات سوءا لتونس أو للنهضة،مبررا ذلك بأن “البديل عنه كان سيتمثل في تعميق النزاعات والصراعات في اجواء الاٍرهاب والتدخلات الإقليمية… وما يعني ذلك من احتمال ان يؤول الامر الى فتنة كبيرة او ينزلق الوضع لا قدر الله نحو حرب أهلية ( خاصة مع وجود السلاح على حدودنا وصعود جماعات العنف المدعومة اقليميا)”.

وقال القيادي بالحركة “صحيح ان خيار التوافق القلق والصعب لم يتح لنا التقدم باتجاه المنجز الاقتصادي والتنموي، ولكنه في الحد الأدنى مكننا من إطفاء لهيب الحرائق المشتعلة او القابلة للاشتعال في أكثر من موقع، وحمى بلدنا من شرور الفتن والصراعات الحادة، كما مكننا من الحفاظ على مكتسب الحرية والدستور واستكمال بناء المؤسسات السياسية، بعد ان فرضنا قواعد لعلة جديدة على قوى النظام القديم العائد للمشهد، ،ومن ذلك توزيعا عموديا وأفقيا للسلطة ونظاما شبه برلماني كان ومازال موضع انتقاد من هذه القوى”.

واضاف “الحقيقة انه كانت هناك حرب إرادات خفية بين نظام قديم أغْرَته قوته الانتخابية وراهن على تدجيننا وتذويبنا داخل نظام سياسي افتك مقوده ، وكنا نحن من جهتنا نراهن بوعي على عامل الزمن وصلابة ارادتنا وفهمنا خفايا الامور، حتى نكبح جماح هذه القوة “الصاعدة” وننهكها باللعبة الديمقراطية تدريجيا ، والسياسة يحكم على صوابها او خطئها بخواتمها ومالاتها. من هنا ، اذا قيمنا هذه التجربة نستطيع ان نقول انها تجربة ناجحة في مجملها رغم ما صاحبها من سلبيات وبعض الخسائر الجزئية… هذه السياسة فككت منافسينا واستنزفتهم وبقيت النهضة في المشهد، مع بعض الكدمات والجراحات القابلة للمداواة”.
وتابع “ربما خطؤنا الاكبر اننا استغرقنا الكثير من جهودنا في معارك السياسة ومناوراتها مركزيا، ولم نوثق عرى التواصل والحوار مع جمهورنا بما بكفي، الذي أصيب بشيء من الحيرة والقلق وحتى سوء الفهم. وهذا تقصير منا قبل غيرنا… نعم نحن مقتنعون من حيث المبدأ بسياسة التعايش والتوافق وقد فعلنا ذلك مع شركائنا في الترويكا منذ سنة 2011، ولكننا في المرحلة الثانية لم نكن غافلين عما هو تكتيكي ومرحلي”.

وأكد عبد السلام على ان” الحركة كانت ومازلت مقتنعة بخيار التوافق والشراكة السياسية مع غيرها وانها تُفضل ان يكون ذلك مع قوى ديمقراطية وقريبة من نبض الثورة تشاركها نفس الهموم والأولويات”،موضحا ان الامر ليس بيدي النهضة بل بما يفصح عنه صندوق الاقتراع نفسه.

وشدد على ان الحركة “تحتاج في المرحلة القادمة الى عقد سياسي وشراكة جديدة على ضوء برنامج عمل دقيق يضع على راس الاولويات معالجة مشاكل الناس المستفحلة، وخصوصا تحسين ظروف العيش والحد من البطالة والتفاوت بين الفئات والجهات”، قائلا “كما اننا نحتاج الى مغادرة المربع القلق على تخوم الحكم باتجاه خيار اكثر وضوحا وفرزا .. فاما ان نحكم من موقع متقدم الى جانب غيرنا ونتحمل مسؤوليتنا على ضوء ذلك.. او نخرج للمعارضة ونتحمل تبعات ذلك”.
وأضاف “نعم رغم كل ما يُقال نجحنا في تشييد وتثبيت البناء السياسي وتجنب اللكمات التي كان يراد تصويبها لوجوهما ولكننا لم ننجح بعد في مهمة البناء الاقتصادي الاجتماعي، وهذا هو التحدي المطروح في المرحلة القادمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى