أدبثقافةحواراتخاص

الشاعر العراقي راسم المرواني لـ”نيوز بلوس”: صفقة القرن تصنيع للتطبيع وما خفي أعظم

مثقفون ضد التطبيع هي سلسلة ننطلق فيها مطلع هذا الاسبوع تزامنا مع زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتونس هذا الاخير يعتبر فلتة من فلتات الخذلان العربي للقضية الفلسطينية الذي لم نعهده بكل هذه الجراة و العلنية المثيرة لجماهير الشعوب العربية خاصة بعد مباركته لتنصيب سفارة الولايات المتحدة الامريكية بالقدس الشريف و اعلانه الوقوف مع جيش الاحتلال الصهيوني ضد المقاومة في غزة .
يشرفنا ان تكون البداية بالعراق الأبي المقاوم 

الأديب والشاعر راسم محمد اسماعيل المعروف في الاوساط الثقافية التونسية براسم المرواني من مواليد  العاصمة العراقية بغداد في 16 جوان  1961عضو اتحاد الادباء والكتاب العراقيين و عضو اتحاد الصحافة العالمي و اتحاد الادباء والكتاب العرب  عضو المجلس الاداري الدولي للإبداع  بالمغرب أحد مؤسسين مهرجان الجواهري بالعراق سنة 2004 شغل مناصب عديدة في العراق و خارجها منها رئاسة تحرير  صحيفة (ثوابتنا)و (البعد الرابع) ومجلة (الاطروحة الكاملة) وهي عبارة عن بحوث ودراسات و (الريحانة)التي تعنى بشؤون المرأة والطفل كما شارك في مؤتمر صياغة وثيقة الشرف الاعلامي بتركيا سنة  2010 و بالاردن سنة 2011

حركته الثقافية لا تهدأ يحب السفر و التجوال و منه يستمد صوره الشعرية زار تونس عديد المرات و لا يتردد كلما دعي لذلك , مسيرته حافلة وانتاجاته المسرحية و الشعرية غزيرة نذكر على سبيل المثال و لا الحصر مجموعته الشعرية ’’ليلة احتراق القمر ’’ الحائزة على جائزة (شرق – غرب) الألمانية /  2005 ’’بدأتُ اشبهني’’  ايضا مجموعة شعرية نشرت في سنة  2015 ولقت صدى كبير في العراق وخارجه , من مؤلفاته ’’المرأة سيدة العالم ’’, ’’محنة الاديان’’, ’’الرسائل’’ الف عديد المسرحيات القيمة نذكر منها ما لم يفعله عطيل سنة1999  الفائزة بجائزة ايام حامد خضر المسرحية  بالعراق ’’ الفرات رأى كل شئ’’ و ’’ شهادة وفاة مزورة’’  و’’الزمن المنضب’’  ’’العودة الى البداية ’’ و’’الفراشات’’  

 

 الأديب و الشاعر راسم المرواني في ظل وضع سياسي معقد ومضطرب ، وحروب تدور في عديد من الدول العربية و حركات إرهابية وتفجيرات من هنا و هناك ، كيف يستطيع الفنان والشاعر والمبدع أن يتأقلم مع هذا الواقع ؟؟

 يردد البعض عبارة إن (الشاعر كائن لا يشبه الكائنات) ، وربما أطلقها البعض على الفنانين والمبدعين ، وأنا أراها عبارة خاطئة ومخطئة بنفس الوقت .

فالفنان والمبدع والشاعر هو ابن بيئته ، وهو جزء من المجتمع ، متميزاً بكونه أكثر (حساسية) تجاه الأحداث ، وربما تعددت لديه جوانب رؤية وفهم وتفسير الأحداث بشكل أوسع من غيره ، وهي خاصية لها آثارها وانعكاساتها على نفسية ومزاج الشاعر أو الفنان أو المبدع .

ولذا ، فالشاعر الانسان والفنان الانسان والمبدع الانسان قد يجد صعوبة في التأقلم مع الواقع إذا كان الواقع يغص بالجريمة وينبئُ بالتردي ، ولذا ، فهو يسعى لعلاج (عدم التأقلم) إلى أساليب للتعبير عن أفكاره والتنفيس عن نقمته ورفضه للواقع من خلال آليات متعددة كرفع الصوت والاحتجاج من خلال قصيدة أو لوحة ، أو شعار يرفعه من أجل التغيير ، وبخلاف ذلك ، فهو سيقع ضمن طائلة الانكسار ، وربما الرغبة في الانعزال ، إذا لم نقل (الانهيار) ، وهي مراحل سلبية .

 إذن ما هو دور الشاعر والفنان في اللحظات الفارقة التي تعيشها شعوب المنطقة ؟

 لكل إنسان أدواته في تغيير الواقع ، سواء كان فناناً أو أديباً أو مبدعاً في أي حقل من حقول الحياة ، وعلى كل فرد تقع مسؤولية (إعادة الذهنية) للمجتمع ، فبقصيدة يمكن للشاعر أن يوقظ صحوة المجتمع ، وبلوحة من ريشة فنان يمكن أن تومض بالوعي لدى أفراد المجتمع ، وكما أسلفت ، فلكل إنسان مجاله وطاقاته في تعبئة (الوعي المجتمعي) ، وإزاحته وتوجيهه نحو التغيير ، وبالمناسبة ، فأنا لست مع مقولة إن (الفن للفن) أو (الشعر للشعر) ، بل أنا أقول بأن (الفن والشعر وكل حقول الابداع) ينبغي أن تكون (للإنسانية) ، من أجل صنع المحبة والسلام وديمومة وجود الانسان .

بناء على رأيك جواباً على السؤال السابق ، هل يقع فعلا التعويل على المثقف والشاعر والفنان في تغيير الوضع الراهن ، وخصوصاً أمام زحف الجهل الإيديولوجي والسياسي و القيمي ؟

 مسألة انهيار المنظومة القيمية في مجتمعاتنا ، وانتشار الجهل والتجهيل ، مسألة لا ينتطح عليها عنزان ، حتى وإن شاء البعض أن يتساوق مع (النعامة) في إخفاء رأسه في التراب .

فمن الواضح في أغلب مجتمعاتنا أن بعض الضوابط الأخلاقية والوطنية والانسانية قد أصبحت مقروءة بشكل مقلوب ، فعلى سبيل المثال لا الحصر فقد أصبحت (العمالة للأجنبي) ، والفساد المالي والاداري ، والاثراء على حساب المبادئ ، ولي اللسان بلغة أخرى ، كلها أصبحت من الأمور المستساغة والطبيعية في مجتمعاتنا ، بل ربما أصبحت مجالاً للفخر والتباهي بعد أن كانت هجينة ومرفوضة خصوصاً في مجتمعاتنا العربية والاسلامية التي يفترض أنها تمتلك (قيم السماء) ، والمفترض أيضاً إنها الأقرب لتطبيق (الوصايا العشر) التي جاءت بها كل شرائع السماء .

وبهذا ، يقف الفنان أو الأديب أو المثقف أو المبدع في مفترق الطريق ، فهو إما أن يمارس دوره الانساني في إرشاد المجتمع وإعادة الوعي (الجمعي) إلى مضانه الانسانية الجميلة ، أو (ينتحر) بالانعزال عن مجتمعه ، ويعلن (هزيمته) البائسة أمام موجات الجهل والتردي ، وبذلك ، سيفقد انتماءه الحقيقي والانساني للفن والأدب والابداع ، ويفقد معها هويته ، لأن الفن والأدب والابداع هي آصرة بين الانسان ومجتمعه ، وهي صوته الذي يفترض أن يسمعه الآخرون .

 من منطلق تجربتكم و تاريخكم الابداعي في العراق وغيره  هل الاعلام العربي بكل وسائله السمعية والبصرية يساهم سلبا او إيجابا في إيصال صوت النخبة العربية ؟ و هل يفسح فعليا لها مجال لتقويم الوضع الثقافي؟ أم أن المثقف يلتجئ كما المواطن العادي الى مواقع التواصل الاجتماعي؟

 بدءاً ، علينا أن نعي بأن هناك (كذبة) كبيرة ترددها وسائل الإعلام (السمعية والبصرية والمقروءة) حين تدعي إنها (مستقلة) ، والحقيقة أن كل وسيلة إعلامية تحمل مشروعها ، سواءً كان هذا المشروع ثقافياً ، أو أيديولوجيا أو دينياً أو تجارياً أو سياسياً ، ولا توجد وسيلة واحدة من وسائل الاعلام متأتية من فراغ ، فكل وسيلة إعلامية تحمل مشروعها ، سواء كانت وسيلة إعلام (حكومية) أو (شخصية) أو (فئوية) أو (حزبية) .

ولكن ، ثمة وقفة صغيرة مع ماهية التوجه الذي تسلكه وسيلة الاعلام هذه ، ففي الوقت الذي تكون فيه بعض وسائل الاعلام موجهة لمنفعة المجتمع ، تجد هناك وسائل إعلام (كثيرة) موجهة بشكل واضح لتهيئة الوعي الجمعي للكراهية والتكفير وإثارة الفتن والنعرات الدينية والسياسية والطائفية ، ولذا فمن المأثور عني أنني أقول ، وبصراحة ، :- (إن القنوات الدينية الفاسدة هي أشد خطورة على المجتمع من القنوات الإباحية) .

إن الأعم الأغلب من وسائل الاعلام (الشخصية) والفئوية باتت تجارية ، فهي تبحث عن (التمويل) لضمان ديمومتها وسد نفقاتها ، وبالتالي ، فهذا يجرها لأن تكون (منحازة) أو (منزاحة) نحو جهة التمويل ، مما يمنعها أو يحرفها عن ممارسة دورها المرسوم في بداياتها الأولى ، فتصبح مضطرة أن تنهج منهجاً (انتخابياً) في التعامل مع الأفكار التي يطرحها المثقفون فيها ، ولا تقبل إلا ما يستدعي (رضا جهة التمويل) ، وهذا بدوره يؤدي إلى غياب (المثقف) ، وغياب الوعي المجتمعي ، ويضيق الخناق على (المثقف) ، ويجعله في دائرة الانحسار ، ما يؤدي به إلى اللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي والسوشال ميديا ـ لأنها الأكثر انتشاراً والأقل (ضوابط) لنشر أفكاره وآراءه .

 أستاذ راسم ، يتبادر إلى الأذهان سؤال قد يبدو بعيداً عن التأصيل لموضوع حوارنا هنا ، وهو :- هل مازال للقصيدة والشعر أثر وتأثير في نفوس الشعوب العربية ؟
أود هنا أن تجيبني بأبيات شعر .

سؤال مهم يستحق التوقف ، وله مساس بموضوعنا هنا ، لأن (الشعر) كان في يوم ما هو وسيلة الاعلام (العربية) الأكثر فاعلية وانتشاراً ، مثال ذلك ما تقيمه العرب من (أسواق) تجارية و (ثقافية) واعلامية بنفس الوقت .

ومع تقادم وتطور الأحداث والزمن ، فأنا أخشى أن الذائقة الشعرية لدى الشعوب العربية قد بدأت بالضمور ، وبات الجيل الجديد لا تستهويه القصيدة بقدر ما تستهويه (الومضة) ، وهذا ربما ناتج عن انتشار لغة (الاختزال) وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أذكت روح الاختصار والاقتضاب وأسلوبية الــ (Copy – Past) التي قتلت روح الابداع والتلقي لدي الشباب خصوصاً .

وهنا يأتي دور الشاعر في أن يستقطب المتلقي ويلفت انتباهه بالصورة الشعرية والمفردة السهلة (الممتنعة) لكي ينمي قدرة المتلقي على تذوق العبارة والمفردة ، ولا يكون مثل بعض (مدرسي ومعلمي) اللغة العربية ، الذين أضفوا على المادة (جفافاً وتعقيداً) جعل الطلبة يهربون من درس اللغة العربية ، كما يهرب الجيل الجديد من أغاني (أم كلثوم) إلى أغاني (الهشك بشك) .

وهنا ، سأتمثل ببيت من الشعر لأبي تمام الطائي حيث يقول :-

(إذا الشعرُ لمْ يَهزُزك عند سماعهِ …. فليسَ خليقاً أنْ يُقالَ لهُ شِعرُ)

ويمكنني أن أجرؤ لتثبيت إضافة أخرى ربما ليست – أيضاً – ضمن التأصيل لموضوه الحوار ، وهي شدة أسفي وحزني على حرمان (بنات اليوم) من (الرجولة) المفترضة لدى (شباب اليوم) والذين أصبح (أغلبهم) أشد ميوعة ونعومة من المرأة نفسها ، وهذه (الميوعة) والنعومة قد أفقدت الشباب عنصر الاستقطاب لدى (الإناث) .

ولذلك ، ومن خلال تجربتي ، وجدت أن أكثر الجنسين تفاعلاً وإعجاباً وتعليقاً على قصائدي هم (الإناث) ، وخصوصاً في الشعر الوجداني .

وأرجو أن تعتبريني من المتأثرين بــ (نظرية المؤامرة) إذا قلت لك بأن قتل الذائقة الشعرية ، ونشر الميوعة بين الشباب هو استهداف (موجه) بشكل دقيق نحو مجتمعاتنا ، وهنا يأتي دور المثقف لكبح جماح هذه الظاهرة ، والنزول إلى المجتمع لنشر الوعي. 

فهل تعني بذلك أن (المثقف) مقصر في دوره التوعوي ؟ وهل تراه منعزلاً عن المجتمع ، ومقتصراً على اللقاءات الضيقة ؟ أم إنك تعتبر ذلك استراتيجية كاملة وموجهة ، غايتها تغييب المخلصين منهم ؟

إنّ أخطر ما يمكن أن يعانيه المثقف هو الرغبة في (الشهرة) والتميز ، ما يمنحه شعوراً بــ (الفوقية) في تعامله مع المجتمع ، مضافاً إليها عوامل أخرى كاليأس ، أو التقهقر ، أو الشعور بـالـ (لا جدوى) .

فالسيد المسيح (عليه السلام) كان (مثقفاً) ، ولم يتوانَ أو يترفع عن الجلوس مع (مريم المجدلية) حين كانت (مومسَ) ، وعندما لامه البعض على مجالستها قال لهم : (وهل بُعثتُ إلاّ لها ؟) .

فمهمة المثقف هي إيصال الوعي للجمهور من خلال النزول للمجتمع ، وليس وظيفته أن يلجأ إلى اللقاءات والمسامرات (الأرستوقراطية) التي تضم (النخبة) المثقفة من المجتمع ، حيث يصبح (كحامل التمر إلى هَجَــر) .

إن نزول المثقف إلى الشارع ، واستهدافه لأماكن تجمع الشباب كالمقاهي وأماكن الاكتظاظ ، سيكون وسيلة من وسائل (الاستغناء) عن وسائل الاعلام (الرسمية وغير الرسمية) التي تمتنع عن التعاطي مع المثقف بشكل جاد وحرفي .

إن نشر الوعي المجتمعي هو نتاج متبادل بين المثقف ووسائل الاعلام ، فحين يحمل الاعلام سلاح التغييب والمصادرة بوجه (المثقف) ، فعلى المثقف أن لا ينكسر ، وعليه أن يجد مساحة أخرى – حتى لو كانت بعيدة – ليمارس دوره في نشر الوعي والجمال. 

فمن يدري ؟ ربما إن زراعة (وردة) في مكان بعيد ، ستنتج – يوماً ما – روضة غنّـاء ، حين تحمل الرياح بذور هذه (الوردة) وتمنحها حق الانتشار … ولو بعد حين .

جميل هذا التفاؤل ، ولكن ، هل تعتبرون انعزال المثقف عن مجتمعه ، وشعوره بالــ (لا جدوى) من الوسائل التي تعزز من تمييع قضايا المجتمع ، ومنها قضية العرب الكبرى (فلسطين) ، وهل تعتبرون هذا التقهقـر مقدمة لتسهيل عملية التطبيع مع العدو الصهيوني ؟

سؤال ذكي ، رغم أن البعض سيعتبره نكوصاً أو انزياحاً نحو (نظرية المؤامرة) ، تلك النظرية التي أُسيء استخدامها وإطلاقها ضد أي إشارة أو تنبيه واعيِ يصدر عن مثقف في مجتمعاتنا العربية .

هنا أقول .. كانت الأمة العربية – وما زالت – تعاني من (أزمة حكام) ، ولكن أزمة الحكام هذه لم تكن هي الغاية (القصوى) لدى أعداء (العروبة) ، وإنما هذه الأزمة كانت تمثل (الخطوة الأولى) في رحلة الألف ميل للوصول إلى خلق (أزمة شعوب) من خلال ترسيخ ممارسات (الحكام) في إذكاء (الظلم) و (الاستحمار) والتجهيل والإفقار ىالتي تفضي بشكل (انسيابي) إلى يأس الشعوب وانكسارها وانشغالها بمتطلباتها اليومية والحياتية ، ولخلق روح الــــــ (لامبالاة) عند أفراد المجتمع .

ذلك لأن الجوع والانكسار النفسي يؤدي بدوره إلى (نكوص) وتقهقر و (محدودية) في الوعي ، وانعزال عن استيعاب حركة الواقع ، وتوجيه أفراد المجتمع نحو (هدف معين) ، ما يدفع بالأفراد إلى رفع شعار (إشبعني اليوم .. وأقتلني غداً) .

 ولهذا ، نجد إن أغلب الدول العربية – ومنها تونس والعراق – التي يحمل شعبها روحاً وثابة وانتماءً لأصوله أو رفضاَ للواقع المنحرف ، نجد أنها (مستهدفة) دائما للوقوع تحت طائلة الأزمات الاقتصادية المتساوقة مع تعثرات وخروقات أمنية للزيادة في انشغال الشعوب عن قضاياها الأهم ، ومنها القضية الفلسطينية .

وهنا يأتي دور الدوائر (الصهيو – أمريكية) في خلق هذه الأزمات للشعوب العربية ، وهذا ما يمنحها فرصة أكيدة لضمان ترسيخ (الأمن القومي) الاسرائيلي ، من خلال التوسع واستكمال مفردات مشروعها في بناء هيكليتها من جهة ، وتهيئة الوعي الجمعي العربي (المنكسر) للقبول بأسهل الحلول ، ومنها (التطبيع) من جهة أخرى .

من منطلق إشارتكم أعلاه ، وددت أن أسألكم عن رأيكم في حركة التطبيع التي تشهدها دول الخليج العربي خصوصاً ؟ و هل هو ذات الحال في العراق ؟ أي بمعنى هل هناك جمعيات صهيونية نشطة في العراق او حركات نخبوية ثقافية مشبوهة ؟

قد يبدو جوابي هنا (استفزازياً) للمتعجلين ، ولست متأكداً هل (العجلة من الشيطان) فعلاً ؟ أم إنها الصفة المصاحبة للعرب في حكمهم على ما يرد من الآخرين ، وبكل الأحوال أقول:

إن الصهيونية (العالمية) – بأدواتها الخليجية وغير الخليجية – التي استطاعت أن تنقل رمز (الشيطان – الماسونية) من موقع (رمي الجمرات) في مناسك الحج لدى أتباع الشريعة المحمدية ، وتضعه – شاهقاً – على (جبل عرفات) ليتبرك به الأغبيـاء ، معتبرينه رمزاً (مقدساً) ، فهي ليست عاجزة عن اختراق مصادر القرار ، سواءً في العراق أو تونس أو غيره من الدول العربية والاسلامية ، وليس هناك بلد عربي يعيش بمعزل عن دسائس وتخطيط ومؤامرات (الصهيونية) ، وأنا بما أقول زعيم .

ففي الوقت الذي ينشغل فيه أغلب العرب والمسلمين بكيفية إشباع (البطن .. وما تحت البطن) ، وينشغل (حكامنا) الجحاجيح بالإثـراء وجمع الأموال ، فهناك مؤسسات بحثية (صهيو – أمريكية) تتابع حركة التأريخ ، ومسيرة العرب والمسلمين ، وتوجهاتهم ، وتخطط لمشاريعها المستقبلية ، كما حدث مع مشروع (لويس برنار) الذي طرحه في أربعينيات القرن الماضي في تقسيم المنطقة ، والذي نرى تطبيقاته الحرفية حالياً .

والحقيقة أن الظهور الصهيوني (الواضح) في العراق ليس ممكناً إلا في شمال العراق ، بما يسمى (إقليم كردستان) ، الذي يحلو لي أن أسميه (مستنسخ إسرائيل في العراق) ، وأما في باقي مناطق العراق ، وخصوصاً الجنوب ، فليس هناك سلطة أو هيمنة أو مظاهر أو نشاطات (صهيونية) أكثر مما (تهدية) أو (تهبه) أو تمن به (أمريكا) على (إسرائيل) .

إن الصهيونية ليست عاجزة عن إختراق المنظومة القيمية والمجتمعية وحتى السياسية في العراق وغير العراق ، وخير دليل على ذلك هو (التدخل) الأمريكي المباشر في (نتائج الانتخابات) وتوزيع المناصب (الوزارية) في العراق ، و (أمريكا) هنا تعني (إسرائيل) دون حاجة لوعي مفرط .

فبوسع الدوائر (الصهيو – أمريكية) اختراق أي مجتمع من خلال تأسيس (منظمة إنسانية) ، أو (دعم المؤسسات الثقافية) ، أو استقطاب طبقة من (المثقفين الفاعلين) وتوجيههم بشكل مباشر أو غير مباشر لتحقيق مآربها ، وكل هذا يجري تحت مسميات متعددة قد لا تبدو لها علاقة بالمشروع الصهيوني ظاهراً ، ولكن غايتها نشر ثقافة الـــ (تسطيح) ، وربما (الفوضوية) والتشكيك ، وزرع روح الانكسار ، وتغييب الوعي الحقيقي المجتمعي .

وقد ينساق لتنفيذ هذا المشروع مجموعة من المثقفين ، ويصبحوا أدوات فاعلة ضمن مفردات هذا المشروع طلباً للإثراء ، أو الشهرة ، أو السلطة ، بوعي من بعضهم ، و بغير وعي من البعض الآخر .

بناءً على ما مـرّ في استطرادكم السابق ، هنا يكمن السؤال التالي: كيف يمكن برأيكم – يا دكتور – التصدي لهذه الموجة التي تنبئ حسب اعتقادي بــ (شؤم قادم)  ؟

أولاً سيدتي الفاضلة أنا لم أصل من الناحية الأكاديمية لمرحلة (الدكترة) ، وهذا شرف (أكاديمي) لا أدعيه لنفسي ، وثانياً ، إن ما تعتبرينه (شؤماً) مستقبلياً فهو (نعمة) (حاضرة ومستقبلية) لدى البعض من المنتفعين وذوي الرؤية القاصرة .

فلقد أوجستُ في نفسي (خيفة) من بعض تصريحات أصدقائي من (العرب والمسلمين) الذين صادفتهم في ترحالي للدول العربية والاسلامية ، أو من خلال مراسلاتهم لي عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، حيث وجدت أن (اليأس) أو (الدعة) أو (المصالح الشخصية) أو (الشعور بالغربة) أو (الرغبة في الاغتراب) لدى هؤلاء ، قد ولدت لديهم  (قبولاً) للتطبيع مع إسرائيل ، وهنا .. أعتقد أن الخلل هو في (تردي سلوك الحكام والساسة العرب) من جهة ، وفشل وسائل الاعلام العربية من جهة ثانية ، وخلل في أسلوبية المثقف الفلسطيني والعربي في الطرح من جهة أخرى ، ما أنتج عنه (عدم الجدية) في طرح القضية الفلسطينية ، وتربية المجتمع على الاكتفاء بالتظاهرات والتنديد والاستنكار ، وبدأ (التسطيح) المقنن يفعل مفعوله ، وأخذ (الملل) الناتج عن (اجترار) المعلومات نفسها بنفس الشكل والأسلوب الكلاسيكي يقتل الحماسة لدى البعض ، وبدأت تأثيرات (غرف الفنادق) التي يعشش بها الساسة العرب والفلسطينيون تقتل الرغبة لدى الشباب العربي في مواصلة النضال الحر ، وبات الفشل العربي (السياسي والعسكري) المتواصل والمتكرر في التعامل مع القضية الفلسطينية يقتل ومض الثورة ، مضافاً إليها عوامل ذكرناها سابقاً ، ومنها (سلوك) الفلسطينيين أو الحكومة الفلسطينية أنفسهم ، وتعاملهم فيما بينهم ، ووقوعهم تحت تأثيرات ومكامن الوخز (الطائفي) ، والتسابق من أجل المصالح (السياسية) .

إنها مجموعة أزمات ، والخروج منها يقتضي إعادة بناء الأهلية الذهنية للمواطن الفلسطيني خصوصاً ، والمواطن العربي والمسلم عموماً ، وذلك من خلال برامج التوعية ، والتوعية (المضادة) ، وتبني أسلوبية جديدة في الخطاب بما يتلاءم وحركة التطور في آليات الاعلام والصحافة ، وأهمها – برأيي – السعي لرص الصفوف من خلال توعية المجتمع من أجل نبذ التفاهات (الطائفية) والدينية والعرقية ، والأخذ على يد (مشايخ الفتنة) والحد من حرياتهم في نشر الخطاب و (الخطب) التي تثير الأحقاد والكراهية ، والتي تصب في مصلحة (الصهيونية) بشكل مباشر .

وعلى سبيل المثال ، وكأنموذج لغياب الوعي ، نجد أن كثيراً من العرب والمسلمين وبمختلف أعمارهم ممن يخرجون بتظاهرات (منددة) بإسرائيل ، هم – كانوا وما زالوا – لا يفرقون بين (اليهودية )كديانة و (الصهيونية) كحركة سياسية ، ولا يعرفون بأن الديانة اليهودية (محترمة) في النصوص القرآنية ، ولا يعرفون بأن هناك الكثير من (اليهود) الرافضين لفكرة (دولة إسرائيل) ، مثال ذلك حركة (ناطوري كارتا) اليهودية الآرثوذوكسية التي تأسست عام (1935) والرافضة (علناً) لقيام دولة إسرائيل .

إن (اليهودية السياسية) التي تتبنى فكرة (دولة إسرائيل) ، هي التي قامت بتشكيل عصابات (البالماخ) و (الشتيرن) و (الكاخ) و (الهاغاناه) و (الآرغون) وغيرها ، والتي أسهمت في بناء ما يسمى بــ (دولة إسرائيل) ، وهي لا تمثل الرأي لدى جميع اليهود في العالم .

إن عدم فهم واستغلال هذه الجزئية المهمة في التفريق بين اليهودية السياسية و اليهودية كدين سماوي محترم قد أفقد العرب (تعاطف) الكثير من (اليهود وغير اليهود) مع القضية الفلسطينية ، وهذا ناتج عن تراكم الموروث الروائي الذي تزخر به كتبنا المعتبرة في الحديث والسيرة والعبادات والمعاملات في الوعي الجمعي لدى أتباع الشريعة المحمدية ، وهو نتاج ما يبثه أصحاب المنابر (الجهلاء) من ثقافة الكراهية ، والتي أنتجت لنا (داعش) وأخواتها … بامتياز .

ختاما هل تتابعون  الحياة السياسية في تونس و انتم معروف عنكم علاقتكم الخاصة بها و حبكم الكبير لشعبها؟

إن حبي وشغفي بــ (تونس) وبالطيبين من أهلها بات واضحاً للأقرب والأبعد ، وخضع لدى البعض لتفسيرات عديدة ، سياسية وعاطفية وغيرها ، ولا يلام أصحاب هذه التفسيرات لأنهم واقعون تحت تأثيرات كثرة ما كتبته من (القصائد) عن (تونس) ، حتى أنني أفكر في طباعة مجموعة شعرية جديدة بعنوان (أغنيات حب تونسية) تتضمن عشرات القصائد التي كتبتها ونشرتها عن تونس ، ولو هُيئ لهذه القصائد أن تقع تحت يد الفاحص لكانت الآن ضمن (موسوعة غينيس) للأرقام القياسية ، كونها أكثر قصائد (حب) كتبها شاعر لتونس .

وبالتالي ، فهذا الحب والاعجاب لتونس كان مدعاة لأن أتابع أدق تفاصيل الحياة والحراك السياسي فيها ، محذراً من نتائج الصراع بين القوى السياسية ، والذي ربما – لا سمح الله – سيوصل تونس لما وصل إليه عراق ما بعد الاحتلال ، ومعلناً عن قلقي لعدم إيجاد حل للأزمة الاقتصادية التونسية (المفتعلة) ، مشيداً – بنفس الوقت – بالنشاط الثقافي الذي تضطلع به المؤسسات الثقافية ، والذي لا أجد له مثيلاً في أي بلد عربي آخر ، وأجدني (أخفي) تارة ، أو (أعلن) تارة أخرى عن خشيتي على تونس من (خلايا التكفير والارهاب النائمة) ، وذوي الأمراض النفسية من (دواعش) السلطة وذيولهم في المجتمع التونسي .

أنا أعتقد أن (تونس) هي من المعاقل الثقافية المهمة (المتبقية) بين بلدان الوطن العربي ، ولذلك ، فهي (مستهدفة) الآن أكثر من غيرها ، وأكثر من أي وقت مضى من قبل الدوائر المعادية للثقافة والأصالة والاستقرار .

تونس تستحق كل الحب منكم ومن جميع العرب ، فهي تفتح ذراعيها للمثقفين والمبدعين الذين ينتهجون منهجاً إنسانياً ويسعون لنشر المحبة والسلام والاستقرار ، وينشدون بأشعارهم لحرية وكرامة الانسان واحترام وجوده كما تفعلون ويفعل أمثالكم .

وختاماً لهذا الحوار ، نتساءل ومعنا المتابعون عن جديدكم الادبي ، وحبذا لو أشفعتموه بنبذة – ولو مختصرة – عن الحركية الثقافية في العراق الحبيب .

ابتعاداً عن (التنميط) ، واقتراباً من (التجريب) ، أجدني الآن بصدد جمع المتناثر من أوراقي سواءً كانت قصائد أو بحوث مبعثرة ، وتغيير ما يمكن تغييره منها ، وتهيئتها للطباعة (الورقية) ، قبل صياح الديك إيذاناً بالرحيل ، خصوصاً وأنني قد عبرت شراع (الخمسين) من العمر .

ومع ذلك أيضاً أجدني أكثر ولعاً ونهماً بالقراءة ومتابعة ما يصدر عن أصحاب الفكر في التجديد في أغلب نواحي الثقافة .

وأما بالنسبة للحركة الثقافية في العراق ، فرغم صدمات المنتج السياسي ، ورغم الانفلات ، ورغم الفساد الاداري والسياسي ، ورغم فتح الأبواب على مصراعيها للمتاجرة بالثقافة ، ورغم عدم الالتفات لمتطلبات معيشة المثقفين ، ولكن هناك مساحة (أوسع) ، وحرية (أفضل) للنشر ، يستمتع فيها المثقف العراقي بحرية (التفكير والتعبير) ،

ورغم كل الظروف ، فما زال  المثقف العراقي الحقيقي والانساني الأصيل يمارس دورة – قدر المستطاع – في نشر الوعي بين أفراد المجتمع ، والتصدي لمؤامرات تغييب وفقدان (الأهلية الذهنية) ، وثمة نشاطات ثقافية – وإن أصبحت محدودة –  تقوم بها بعض المؤسسات والأفراد والتجمعات الشبابية ، وهناك بعض النشاطات الثقافية (المؤدلجة) التي ترعاها بعض الأحزاب لأغراض دعائية أو انتخابية ، ولكنها بأقل تقدير قد تنتج وعياً ولو بشكل غير مباشر .

 

 عمل صحفي: سندس الهادي

 

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى